الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خرافة الاستعمار الجيد

ثائر دوري

2006 / 5 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


" أريد أن أحذركم من أكذوبة الاستعمار الجديدة. فهي تقول بأنه يوجد مستعمر طيب ومستعمر شرير وأن سبب انتفاضة الجزائريين عائدة إلى المستعمر الشرير فقط"
جان بول سارتر
كل يوم تسمع من أركان الإدارة الأمريكية و من معارضيها في البيت الأبيض عن الأخطاء التي ارتكبوها في العراق . بعضهم يتحدث عن قلة عدد الجنود ، و آخرون عن حل الجيش العراق ، و طرف ثالث عن النهب و السلب و قمع الحريات و ................الخ . و هذا ما اختصرته كوندليزا رايس بقولها إنهم ارتكبوا مئات الأخطاء التكتيكية .
و يجاري الأمريكان بحديث الأخطاء هذا بعض الكتاب العرب فتراهم يتخذون موقف الناصح للأمريكي . فيتحدثون بحسرة عن أخطائه سابقة الذكر ، التي لو لم يفعلها لحل السلام و الوئام و استقرت جيوش الاحتلال في العراق و نام العراقي آمناً مطمئناً تحت ظل الدبابات الأمريكية
جذر هذه النقاشات هو الخرافة الجوهرية ، التي أدركها جان بول سارتر أثناء حرب التحرير الجزائرية ، و هي خرافة وجود استعمار جيد و استعمار شرير . و أن الجزائريين انتفضوا على المستعمر الشرير . و كوندليزا رايس و أتباعها من العرب يفترضون اليوم نفس الافتراض و هي أنه كان يمكن للاحتلال الأمريكي أن يكون احتلالاً جيداً ، طيباً ، خيراً . و بالتالي كان من المؤكد أن العراقيين لن يثوروا عليه ، لذلك تقول هي و أتباعها بالأخطاء التكتيكية التي حولت الاحتلال من احتلال جيد إلى احتلال شرير ...............
يقول سارتر :

(( هذا كلام خاطئ من أساسه. لماذا؟ لأن المسألة لا تتعلق بالأفراد أو الأشخاص المعزولين وإنما تتعلق بالنظام الاستعماري ذاته. فهناك نظام للاستعمار، نظام متكامل وهو المسؤول عن كل ما يحصل اليوم من مشاكل وصدامات))
و يقترح أنصار خرافة الاستعمار الجيد أن يقوم المستعمر بتحسين أحوال أهل البلد ، و في الحالة العراقية يعني هذا أن يوفر الكهرباء و الطعام و الشراب و الأمن و الوظائف و يعبد الطرقات و يفتح الجامعات و عندها سيقبل العراقيون بالاحتلال ، كما يتوهمون بخيالاتهم المهزومة و المريضة .
يقول سارتر :
(( ينتج عن ذلك أن الشعب الجزائري ليس بحاجة إلى تحسين أوضاعه المعيشية فقط وإنما بحاجة إلى شيء واحد بالدرجة الأولى:التخلص كليا ونهائيا من هذا النظام الاستعماري البغيض الذي يخنقه خنقا. إنه بحاجة إلى استرجاع سيادته على أرضه ووطنه. فاحتلال الجزائر عام 1830 كان مناقضا لكل مبادئ حقوق الإنسان التي طالما تبجحت بها فرنسا! ))
إن الاستعمار لا يمكن إلا أن يكون سيئاً .......
إن الخطيئة الأصلية التي تحكم كل ما يجري و كل ما سيجري لاحقاً هو فعل الاحتلال و الغزو و لا خروج من هذا الوضع إلا بزوال الاحتلال و بدون أي قيد أو شرط . فالعراقي لا يحتاج من المحتل إلى أمن أو كهرباء أو ماء لأنه كان يمتلكها جميعاً ، و كان يمتلك جامعات ذات مستوى علمي راق و يمتلك برنامجاً من أفضل برامج الرعاية الصحية في العالم قبل أن يدمر الغزو و الحصار كل ذلك . العراقي يحتاج إلى استرداد كرامته الوطنية و القومية التي امتهنها فعل الاحتلال . و لا يتم ذلك إلا بجلاء المحتل و تحمله تبعات غزوه المادية و الأخلاقية و القانونية وزوال كل ما ترتب على جريمة الغزو فما بني على باطل هو باطل .
تبقى حكاية التحضير التي نذر المستعمر نفسه لها ، أو التي انتدبه الله للقيام . فالرئيس بوش يقول إن الله قد أمره بتحرير العراق . في البداية قال إنه غزا العراق من أجل التخلص من أسلحة الدمار الشامل و علاقة النظام العراقي مع القاعدة . ثم استقر رأيه على انه فعل ذلك ليحضر الشعب العراقي بإدخاله جنة الديمقراطية . و قد شاهدنا أية ديمقراطية طبقها الأمريكان في أبو غريب و جرائم التعذيب و فرق الموت التي نشرتها الإدارة الأمريكية في العراق لتطبيق برامج من طراز فينيكس سيء الصيت الذي طبقوه في فيتنام ، و هو اغتيال كل من يشك بانتمائه للمقاومة و قد نتج عن ذلك اغتيال أربعين ألف إنسان في فيتنام ، ثم تبين لاحقاً أن أغلبهم لا علاقة لهم بالمقاومة.أو من طراز خيار سلفاردور ، المشتق من تجربة القتلة الذين دربتهم الإدارة الأمريكية في السلفادور لقمع الثورة اليسارية في السبعينيات . هذه هي الديمقراطية الموعودة و هذا هو التحضير الموعود . و مثل ذلك في الجزائر التي نذرت فرنسا نفسها لتحضيره خلال مائة و اثنين و ثلاثين عاماً . يقول سارتر :
" هل تعلمون بأن البنى التحتية من طرق ومواصلات ومشاف ومدارس هي من حظ المستوطنين الأوروبيين في معظمها لا من حظ الجزائريين؟ وعندما حصلت هزة أرضية هناك مات من الجزائريين ألف وخمسمئة شخص أو أكثر، في حين لم يمت من الأوروبيين إلا أربعين شخصا! لماذا؟ لأن الأوروبيين حظوا بالعناية وفرق الإنقاذ فورا على عكس الجزائريين الأصليين. هؤلاء يعيشون في مناطق غير مخدومة، مناطق لا تصل إليها المواصلات ولا تحتوي على أي مستشفى أو مستوصف صغير. ومع ذلك فإن دعاة الاستعمار زعموا بأنهم ذهبوا إلى هناك لإدخال الشعب الجزائري في الحضارة وإخراجه من التخلف والبربرية الهمجية! هذا هو النظام الاستعماري البغيض الذي أسسناه هناك والذي يفتخر به بعضنا بكل وقاحة. ولو كنا آدميين نحترم الحقيقة لخجلنا من أنفسنا ولاعتذرنا للشعب الجزائري عما فعلنا به طيلة كل تلك السنين. فنحن قمنا باستغلاله لا بتحضيره، ولم نفكر إلا بأنفسنا وأنانيتنا ومصالحنا ومع ذلك فإنهم يصرون على الكذب ويزعمون بأننا ذهبنا إلى هناك لتحضيره كما يقول المنظّرون للحملات الاستعمارية! ولكننا زدنا شقاءه وعذابه وفقره وجهله وجوعه وحرمانه... هذا ما فعلناه بالشعب الجزائري أيها السادة هل تعلمون أنه بعد مئة وعشرين سنة على استعمار الجزائر لا يزال 80 بالمئة من هذا الشعب أميا لا يعرف القراءة والكتابة لقد حرمناه من تعلم لغته وفرضنا عليه فقط لغتنا ولكن حتى في لغتنا لا يزال أميا في أغلبيته الساحقة. ولم نكن حريصين أصلا على أن يتعلم ويخرج من حالة الجهل والتبعية لأنه لو خرج فسوف يثور علينا ويطالب بحريته
فأين هو التحضير إذن؟ أين هي الحضارة التي حملناها معنا إلى هذا الشعب؟ كل
هذا هراء وأكاذيب. فالنظام الاستعماري البغيض لا يهدف إلا إلى الاستغلال وإبقاء الشعب تحت نير الاحتلال. ولكي يظل خاضعا مطيعا ينبغي أن يبقى جاهلا أميا لا يعرف مصلحته ولا يتجرأ على التمرد على أسياده. هذه هي حقيقة النظام الاستعماري أيها السادة وكل ما يقال عكس ذلك أضاليل"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة.. الجيش الإسرائيلي يدعو السكان لإخلاء شرق رفح فورا


.. إسرائيل وحماس تتمسكان بموقفيهما ولا تقدم في محادثات التهدئة




.. مقتل 16 فلسطينيا من عائلتين بغارات إسرائيلية على رفح


.. غزة: تطور لافت في الموقف الأمريكي وتلويح إسرائيلي بدخول وشيك




.. الرئيس الصيني يقوم بزيارة دولة إلى فرنسا.. ما برنامج الزيارة