الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في الغزو التركي لشمال سوريا

ناجح شاهين

2019 / 10 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


أعطى ترامب معتوه السياسة الأمريكية العجيب الضوء الأخضر لصديقه زعيم "الجعجعة" السلطان إردوغان لكي يضم شمال سوريا الغني بالنفط. هناك مساحة بطول 460 كمن وعرض 40 كم هي التي يدور الحديث عنها. إنها مساحة تساوي 18000كم مربعاً أو ما يساوي ثلثي فلسطين التاريخية وأكثر من ضعفي الدولة الفلسطينية المحلومة مع موارد تزيد كثيراً على موارد فلسطين كلها.
فكر ترامب في فرصة أن يتمكن أصدقاءه الأكراد من الاحتفاظ بالأراضي التي "حرروها" تحت إشراف ودعم المخابرات الأمريكية والصهيونية والعكسر من الفريقين، وحسم أمره في النهاية باتجاه أن هذا قد يكون صعباً بالفعل بالنظر إلى الانتصارات المتلاحقة عبر الأشهر الماضية للجيش العربي السوري. لذلك قرر ترامب أنه قد يكون من المجدي التخلي عن "حلم" الدولة الكردية هنا أو هناك وإطلاق يد الحليف الأطلسي التركي الذي قد يكون الأداة الأقوى والأجدر من أجل انتزاع جزء هام وحيوي من الأرض العربية السورية. وهذه لم تكن ولن تكون المرة الأولى أو الأخيرة التي يتآمر فيها المستعمر الغربي مع تركيا الكمالية في سياق تقديم الهدايا على حساب الأرض العربية.
كانت الحجج التي أطلقها ترامب منذ ساعات ضد الأكراد طريفة بالفعل. وهي دون شك علامة مذهلة على تدهور العقل السياسي الأمريكي إلى درجة تشبه هذيان النزع الأخير: الأكراد لم يشاركوا في حرب أمريكا في سياق الحرب العالمية الثانية، وهم لم يكونوا مع قوات الإنزال في النورماندي، ولم يحاربوا ضد اليابان..الخ وربما يجدر بي أن أضيف أن الأكراد لم يقفوا مع أمريكا عندما قام الجيش الإنجليزي باحتلال العاصمة الوليدة فيلادلفيا سنة 1774. هنالك سيل من الخيانات الكردية التي تستحق أن ُيترك الأكراد ليواجهوا مصيرهم جراء خياناتهم السياسية والأخلاقية التي لا عد لها ولا حصر.
ماذا عن حجج رفيق "الناتو" إردوغن لتسويغ احتلال شمال سوريا؟
محاربة الإرهاب الكردي، ومحاربة إرهاب داعش، والدفاع عن وحدة سوريا، وجلب السلام لشمالها، وإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم سالمين غانمين.
حقاً إن كلام الرئيس التركي أحصف وأعقل مئة مرة من كلام زعيم واشنطون الكبير.
سبق للسلطان إردوغان أن تحدث في السنوات الماضية، عندما كان في وضع أقوى مما هو الآن، على نحو صريح عن حقوق بلاده التاريخية في شمال العراق وسوريا. كان ذلك خطاباً معتاداً قبل 2-5 سنوات. لكنه بدأ يلجأ إلى التعمية والتمويه بعد أن تحسن موقع سوريا وحلفائها في ميدان المعركة، وخسر إردوغان أدواته الإرهابية التي لم يتبق منها إلا بضعة آلاف من الجيش "الحر" الذي يشارك الآن في حملة السلطان التي تستهدف احتلال شمال سوريا.
يطلق إردوغان الآن شعارات تضليلية مدهشة في لطفها. بمعنى ما يذكرنا لطفه بلطف غريمه/صديقه التاريخي الراحل شمعون بيرس. يكرر السلطان منذ يومين أنه إنما يريد الحفاظ على وحدة الأراضي السورية عن طريق ضمها لتركيا، ووضعها تحت السيطرة المباشرة للجيش العثماني، إذ لا بد أنكم تعرفون أن جيشه وأدواته يقفون بالمرصاد وبكل قوة ممكنة في وجه كفاح سوريا وجيشها من أجل استعادة ما تبقى من من قرى وضيع في شمال غرب البلاد. وهكذا يبدو أن فحوى كلام السلطان هو أنه يحلم بأن تكون سوريا موحدة، ولكن تحت السلطة العثمانية وليس سلطة الدولة السورية.
من الطريف بالفعل أن الرجل قد أسمى عمليته الجديدة "ينبوع السلام". وربما يجدر بنا أن نتذكر أن العمليتين السابقتين هما: غصن الزيتون و درع الفرات. ولا بد أن غصن الزيتون على الأقل هي أيضاً عملية بعنوان رومانسي يحمل معاني الحب والأمل والسلام. بل إن إردوغان يمضي حد القول إنه سيعيد اللاجئين السوريين إلى أوطانهم، وسوف يبني لهم الوحدات السكنية في المناطق التي سيسطر عليها. لذلك يريد الرجل من أوروبا أن تتبرع بالأموال اللازمة لذلك الهدف النبيل الذي سيقود مثلما هو واضح إلى تحويل هذه المناطق إلى مناطق تابعة عمرانياً ومذهبياً ناهيك عن ارتباط المصلحة لتركيا، التي لن تحتاج إلى أي جهد لإخضاعها خصوصا أن سكانها هم أصلاً من أنصار الإخوان المسلمين الذين يكنون البغض كله للعلويين والشيعة ..الخ الكفرة.
هناك خطر داعش التي تؤرق ترامبو، وقوات حماية الشعب الكردية، وإردوغان، وأوروبا، وإسرائيل...الخ خصوصاً إسرائيل التي كان جرحى داعش يتلقون العلاج فيها. ليس معروفاً على نحو حاسم ما إذا كان أحد قد حارب داعش بجدية باستثناء الدولة السورية وحلفائها والحشد الشعبي في العراق. أما السلطان إردوغان فقد كان حليفاً بحكم الأمر للواقع للقوى "السنية" بأنواعها. لكنه اليوم يريد أن يعبر إلى شرق الفرات من أجل مطاردة داعش، وذلك على الرغم من أن القوات الكردية تقسم الأيمان المغلطة أنها قد أجهزت على داعش، وتحذر من أن الضغط عليها قد يؤدي إلى إفلات آلآلاف من مقاتليها من السجون. تشكك قناة الجزيرة الموالية لإردوغان في خطر داعش، مبينة أن معتقلي داعش لا يزيدون على 700، وهو ما يعني أن بإمكان السلطان أن يقوم بهجومه على شمال سوريا بدون التسبب في أية كوارث داعشية.
الدولة السورية لا تجهل أن السيناريو يصب كله في خانة المخططات الأمريكية/الصهيونية، وذلك على الرغم من صراخ نتانياهو "الأخلاقي" بخصوص الأكراد الذي لا يغير في واقع الأمر شيئاً. تتهم الدولة السورية سلطان أنقرة بانتهاك اتفاقية أضنة لعام 1998 التي تنسق محاربة الإرهاب، وتبين أن ما يفعله هو غزو صريح للأرض العربية السورية.
في هذا السياق يبدو الموقف الكردي أبعد ما يكون عن الرغبة في الانضمام للدولة العربية حتى وإن يكن الثمن الاحتلال التركي ذاته. لو لم يكن الأكراد السوريون جزءاً لا يتجزأ من المشاريع التي تهدف إلى تقويض أركان الدولة العربية السورية وسلب أراضيها لسارعوا منذ سنوات إلى إعلان أنفسهم جزءا من الدولة على الأقل لسحب الذرائع من المستعمر التركي الذي يتذرع طوال الوقت بأخطار إرهابية لا وجود لها. إذ في المحصلة أين هي الهجمات الإرهابية الكردية/السورية التي تعرض لها النظام في الخمسين سنة الأخيرة وليس في الخمس سنوات الأخيرة؟
نتوهم أن هناك علاقة طلسمية أشبه بالسحر تجعل الفرقاء/الشركاء/الأعداء قادرين على الاختلاف على كل شيء باستثناء اتحادهم ضد الأرض العربية والدولة العربية السورية، ويشمل ذلك للأسف الطيف السياسي العربي في أرذل أيامه: السعودية/الإمارات وعدوهما قطر، وكذلك مصر والأردن، والمغرب وتونس..الخ بل إن السلطة الفلسطينية وعدوها حكومة غزة الإخوانية يختلفان بدورهما على كل شيء ويتفقان على ضرورة تدمير سوريا آخر حصون العروبة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قادة الجناح السياسي في حماس يميلون للتسويات لضمان بقائهم في 


.. دعوات أميركية للجوء إلى -الحرس الوطني- للتصدي للاحتجاجات الط




.. صحة غزة: استشهاد 51 فلسطينيا وإصابة 75 خلال 24 ساعة


.. مظاهرات في العاصمة اليمنية صنعاء تضامناً مع الفلسطينيين في غ




.. 5 شهداء بينهم طفلان بقصف إسرائيلي استهدف منزلا في الحي السعو