الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لم ينقصْ الشيوعيّ العراقيّ سوى ال-البسْملة-

نصير عواد

2019 / 10 / 12
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


على الشيوعيّين العراقييّن، والمناضلين الذين ما زالوا قابضين على جمرة اليسار رغم الخيبات، ان يقلقوا على تاريخهم وشهدائهم. فسياسة الحزب الشيوعيّ العراقيّ، منذ سقوط الديكتاتور وحتى اليوم، في حالة هبوط مستمر، تجلّت في عديد المواقف الضعيفة والسياسات التي لا تليق بأعرق حزب عراقيّ. سياسات أدت إلى تراخِ الحزب وانعزاله عن شعبه، لا يمكن فيها القاء المسؤولية فقط على أفراد، بقدر ما هي توجهات عامة مرتبطة بسياسات الحزب واجتماعات لجنته المركزيّة ومكتبه السياسيّ. وآخر حلقة من سلسلة تلك السياسات الضعيفة ظهور موقفين في يومين متّتاليين يناقض أحدهما الآخر، يخصان شأنا وطنيا في عراقٍ على وشك الانهيار سياسيّا واقتصاديّا واجتماعيّا. موقف متردّد ومتشكّك بخروج آلاف المتظاهرين الذين طحنهم الفقر إلى الشارع يطالبون بحقوقهم في العيش الكريم، يطالبون وبوطن يليق بهم ويحفظ كرامتهم ويتباهون به بين الأوطان. وموقف آخر مناقض له في اليوم التالي يدافع عن المتظاهرين ويطالب بحقوقهم. وإذا كان الموقف الأول مؤلما فإن الموقف الثاني فيه الكثير من الألم والسخرية. يعكس ذلك حالة التخبط التي يعيشها الحزب وابتعاده الواضح عن الشارع العراقي، إذ لم يحدث في تاريخ العراق الحديث إنْ غاب الشيوعييّن عن حراك الشارع ومطالب الشعب، فلقد كانوا على الدوام في مقدمة الاحداث أو في قلبها، ولم يحدث ان كانوا في ذيلها كما هو اليوم. وقد لا نأتي بجديد في قولنا ان خشية الحزب الشيوعيّ العراقيّ من تسييس المظاهرات، وتأخره في توجيه رفاقه واصدقائه بالنزول إلى الشارع لدعمها، هو حلقة من سلسلة تراجعات شهدها الحزب الشيوعيّ بعد دخوله عملية "بريمر" السياسية التي كان لها تداعيات منطقية وواقعية على حياة الحزب السياسيّة، ثلمت وستثلم الكثير من نضالاته وتاريخه وشهدائه.
إنّ اليأس الذي أوصل الفقراء إلى حرق بيت الفقراء بمدينة الناصرية، ووضع الحزب الشيوعيّ العراقيّ على مسافة واحدة مع الأحزاب التي آذت الشعب العراقي، يعكس نفاذ صبر الاجيال الجديدة وتخطيها الأعراف السياسية والدينية التي كانت سائدة قبل حراك اكتوبر. فتراكم المعاناة وتكرار التظاهرات في العاصمة ومدن الوسط والجنوب، من دون نتائج ملموسة أو تغيير في حياتهم، أقنعهم بأن لا أحد يأبه لهم من أحزاب السلطة، وأن التظاهر لغرض التظاهر ترف ليس من أولوياتهم، وأنه لا بد من فعل شيء يغير حياتهم حتى لو كان هدم المعبد على الجميع. هذه الحقائق يدركها الشيوعييّن أكثر من غيرهم، وبياناتهم تتحدث من أعوام عن الواقع المزري للفئات المجتمعية المهمشة التي يفتك بها المرض والجوع، وكانوا يحذرون الحكومات المتعاقبة مِنْ أن انفجارها مسألة وقت، وأن سكوت الشارع لا يعني رضاه. ولكن المشكلة انه عندما خرجت الفئات المهمشة للتظاهر، بصدور عارية وأكف لا تحمل سوى علم العراق، تراجع موقف الحزب الشيوعيّ وصار ينبش عمن يقف خلف تلك الاحتجاجات، ويتحدث عن ضرورة التظاهر السلمي والحضاري، رغم معرفته الجيدة بأن الكثير من المتظاهرين هم من البسطاء الذين قَدمِوا من أطراف المدن للمطالبة بحقهم في العيش الكريم، لا يفهمون رطانة السياسييّن ومصطلحاتهم الباردة. بكلام آخر إن موقف الحزب الشيوعيّ، الضعيف، من التظاهرات لا ينم عن عدم دراية او سوء تخطيط، ولا حتى خطأ في التكتيك، بقدر ما هو نزوع انتهازي له تاريخ قديم، يظهر في الازمات والمنعطفات الحادة. وحتى ندعم رأينا بحجج عملية فانه على الرغم مما حدث في أكتوبر فسوف لن يخرج علينا الحزب، ولا أيا من قادته، في الأيام القادمة ببيان ينتقدون فيه موقفهم، أو على الأقل يوضحون لنا الأسباب التي جرتهم لهذا الموقف الضعيف. ولا ندري بماذا سيجيب الحزب الشيوعيّ ذوي الضحايا إذا حمّلوه جزء من المسؤولية في دماء ابنائهم، بسبب موقفه الضعيف، وبسبب عمله في الحكومة وبين الأحزاب التي قتلت المتظاهرين. فالحكومة العراقية بنظر الشعب العراقيّ هي حكومة أحزاب لا حكومة شعب.
أعداء الحزب الشيوعيّ العراقيّ وأصدقائه لم يختلفوا يوما على وطنية الحزب، يدعم ذلك التاريخ المليء بالشواهد والاسماء. ولكن اتكاء الشيوعيّين على تاريخهم وبطولاتهم وشهداءهم جعلهم يتصورون انهم بمنجى من احتجاجات الشارع العراقيّ ضد الأحزاب السياسيّة العراقيّة التي نهبت البلد. وبعد ان تم أحراق مقر الحزب الشيوعيّ بمدينة الناصرية ذهب بعض الحنابلة يتحدث عن افتقاد المتظاهرين لحس التظاهر السلمي والحضاري، وهو في الحقيقة خطاب السلطة ورجالاتها الذين اختفوا عن شاشات التلفزة بلحاهم ومحابسهم وحديثهم عن محور المقاومة والحرب المستدامة، تاركين " عادل عبد المهدي" وحده يلوك التبريرات والاعتذارات التي لم تقنع أحدا. السياسيّ العراقيّ لا يريد أن يفهم حقيقة ان المواطن العراقي عاش نصف قرن من الحروب والحصارات والاحتلال والتهميش، وإنه حين يخرج للتظاهر والمطالبة بحقوقه فإنه سيكون بهذه الحدة والوضوح والقسوة. فليس من العدل ان تصنع الدولة العراقيّة اجيالا من الامييّن والمحرومين من لقمة العيش والعاطلين عن العمل ثم تأتي تطالبهم بأن يكونوا حضارييّن ومبتسمين في التظاهرات، يحملون الورود بيدهم اليمنى ويمسكون حبيباتهم باليد الاخرى.
ان تحفظ الحزب الشيوعيّ العراقيّ على مظاهرات الجياع في يومها الأول ماثل نأي المرجعيّة الدينيّة بنفسها عن التظاهرات، وإن كان تصريحه من دون "بسملة"ّ. مع فارق ان المرجعيّة الدينيّة بقيت على موقفها ونأيها، في حين ان الحزب الشيوعيّ استدرك موقفه في اليوم الثاني، بعد ان قطع الطريق عليه خروج الوطنيين واليسارييّن والشيوعييّن العراقييّن للمشاركة في التظاهر، وهي بادرة خير نأمل ان لا يقطعها عنا الشارع العراقيّ. تظاهرات أكتوبر كانت فرصة الحزب ليس فقط بالوقوف بقوة إلى جانب شعبه، بل وكذلك تصحيح سياساته وتحالفاته التي افقدته الكثير من رفاق دربه. فرصة أضاعها الحزب مثلما أضاع فرصا أخرى للانسحاب من عملية "بريمر" الطائفية، وإعادة النظر بالتحالفات السياسية مع التيارات الطائفية المدعومة بشرائح مسلّحة وضعت الدين وأموال البلد في خدمة أغراضها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ليس وحدهم
ساطع هاشم ( 2019 / 10 / 11 - 23:38 )
اقرأ مقالة نادية محمود من الحزب الشيوعي العمالي المنشورة امس هنا : رسالة الى الكاتبات
والناشطات مريم يونس وسارة وناسا - توضح فيها سبب التناقض في موقفهم ايضا
وبها معلومات مهمة عن منظمي الاحتجاجات وهروبهم


2 - خيابة
علاء احمد زكي ( 2019 / 10 / 12 - 00:47 )
تساؤل المقالة ضروري ويجب ان يتبعه تحليلات موضوعية نقدية عميقة عن سبب الانهيار التام للتجربة الاشتراكية الشيوعية في عقر دارها
تبريرات الشيوعيين عن ذلك الفشل الكامل لا تختلف اطلاقا عن تبريرات الاسلاميين، بان الشيوعيين انذاك لم يمثلوا الشيوعية الصحيحة
وبلا نقد موضوعي لاداء الماضي وجدوى الفكرة والتطبيق، لا امل منها للمستقبل


3 - بسملة الحزب الشيوعي العراقي
Almousawi A.S ( 2019 / 10 / 16 - 10:35 )
ليس غريبا هذا الانحدار
بعد ان عجز الحزب الشيوعي وكبر
تحت سياسة نصف الموقف
وكنت قد توقعت عن نشاط موكب الكادحين
تماشيا مع السائرين
في حكومة التخلف والظلام والاجرام العلني اخيرا
وسيقوم الحزب وعن طريق نشطائة
بجمع التبرعات لايتام الضحايا
ويصدر بيان ادانة وحث
على اقرار رواتب تقاعدية لعوائل الشهداء
وكان اللة يحب المحسنين

اخر الافلام

.. لقاءات الاشتراكي: 13: غياث نعيسة


.. مرحبًا بكم في مستشفى الألعاب في كاراكاس.. حيث العطاء يعيد ال




.. اكتشاف شبكة أنفاق جديدة لحزب العمال الكردستاني تحت مستشفى


.. الفصائل الفلسطينية تستولى على 3 مسيرات إسرائيلية في رفح جنوب




.. بايرو رئيس وزراء فرنسا الجديد مكلف بمشاورات تُقصي اليمين وال