الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إعادة إنتاج الاستبداد .. من قمع عرفي إلى قمع - قانوني

بدر الدين شنن

2006 / 5 / 19
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


لم يكن مصادفة أو إنتقاء طبيعياً ، أن يحتل اللواء محمد سعيد بخيتان مركز الأمين القطري المساعد للحزب ، واحتل اللواء محمد ناصيف مركز معاون لنائب رئيس الجمهورية . فإذا استثنينا الخبرة الأمنية العريقة للرجلين ، التي باتت مطلوبة في المرحلة الجديدة في مثل هذه المراكز الهامة ، فإن مهمة الأمين القطري المساعد يمكن أن يتولاها عدد لابأس به من أعضاء في القيادتين القطرية والقومية للحزب ، كما أن مهمة معاون نائب رئيس الجمهورية يمكن أن يقوم بها عدد من الوزراء والمستشارين الحاليين والسابقين ، سيما وأن مجال عمل الأمين القطري المساعد هو الشؤون التنظيمية والسياسية للحزب وعلاقاته الحزبية الجبهوية ، وأن مهام نائب الرئيس محصورة باشؤون الخارجية والإعلامية ، في حين أن إبداعات الرجلين ، طوال عهدهما الأمني في الأجهزة التي مارسوا عملهم فيها ، لم تتجل سوى في بأدوار أمنية قمعية . مما يوحي أن المعنى الأكثر مقاربة للحقيقة ، هو أن انتقال الرجلين في المجال الأمني .. من مستوى منفذين لقرارات وأوامر تأتيهما من فوق .. إلى مستوى موقع صنع القرار .. إلى مستوى من يقررويأمر

بهذا المعنى ، فإن سوريا دخلت مرحلة استبداد من نوع مختلف عما سبقها من قبل ، مرحلة تنسجم مع حالة الاستقرار القهري الأمني الداخلي ومع قوالب المتغيرات الدولية والإقليمية الجديدة ، التي فرضت نفسها على النظام السوري . وبهذا المعنى جاءت تصريحات الرئيس بشار ، منذ أسابيع ، إلى قناة " سي . إن .إن " الأميركية ، عندما قال ، أن الأمن يشكل أولاً في أولويات الدولة السورية قبل السياسة والاقتصاد . وكأنه أراد القول ، أن الأمن هو سيد الموقف في سوريا .. قيادة وقراراً وسلطات . وهذا يؤشر على أنه أصبح من التناقض بمكان أن تتحقق الدولة الأمنية " الجديدة " مع إنتهاء أو استبعاد شن حملات إعتقال لحزب بكامله أو طيف سياسي معارض على مدار اليوم ، وإقامة معتقلات تضم عشرات الآلاف من المعتقلين ، وإنشاء فروع أمنية وسجون ومقلبر خاصة بها ، أجهزة تمارس التعذيب الهيستيري اليومي على نطاق واسع ، وفرض حالة أمنية مباشرة على المجتمع بالدوريات والحواجز المسلحة التي تضع أصابعها دائماً على الزناد

كيف إذن يحقق الاستبداد ذاته " العتيدة " ؟ كيف يمارس القمع دون أشكال القمع التقليدية ؟
بالمحصلة في الماضي والحاضر .. الاستبداد هو الاستبداد ، هو آلية الحفاظ على السلطة بالقوة لضمان مصالح الطبقة الحاكمة . لنه ، طالما كان ميزان القوى الداخلي ، لأسباب أهمها القمع المفرط للمعارضين طوال العهود الماضية ، يميل لصالح النظام ، فلا ضرورة لاستخدام تلك الممارسات القمعية الشاملة ، التي ولدتها احداث " حرب العنف المتبادل " قبل ربع قرن مضى . بل إن عصرنة القمع أضحت ضرورة ترتقي إلى مستوى ضمان أمثل لمصالح أهل الحكم ، أمام العالم الذي بات قرية صغيرة وبات الكثيرون فيه من المهتمين بحقوق الإنسان ومسائل الحرية يراقبون مسلحين بتكنولوجيا فضائية وأرضية كل شاردة وواردة ، وقادرون بلحظات على فضح كل الموبقات والجرائم القمعية . يكفل ذلك عاملان أساسيان في المشهد السياسي الداخلي
العامل الأول ، هو أن " المعارضات " مازالت وستبقى لوقت غير قليل تحاول النهوض من بين أطلال تنظيماتها المدمرة في زمن القمع الشامل ، وهي بعد ، نتيجة الضربات المبرمجة المتلاحقة ضدها ، ونتيجة فيروساتها ، لم تحقق محورة حراكها وبلورة زعامتها وبرنامجها ، وبالتالي لم تتحول بعد إلى فعل جماهيري واسع
العامل الثاني ، هو أن الذين يشكلون آليات القمع ، ومؤسسات الدولة الإدارية والإنتاجية ، وملايين المنتفعين بالحكم من الحزبيين المدنيين والعسكريين والإقتصاديين ، من تجار وصناعيين في السوق هم تحت السيطرة و لديهم القناعة بأن مصيرهم مرتبط عضوياً بمصير النظام

وعلى خلفية هذا المشهد المعزز ب " دستورية " إحتكار السلطة وبحالة الطوارئ والأحكام العرفية ، الذي يؤمن الحفاظ على ميلان ميزان القوى لصالح النظام ، جرت عملية إعادة إنتاج الاستبداد ، التي تعبر عنها إجراءات القمع الإنتقائية المتوالية لعدد من النشطاء والرموز الحقوقية والسياسية وتقديمهم إلى المحاكم بالاستناد إلى القضاء العادي وإلى قانون العقوبات المدني ، والسماح للمحامين بحضور التحقيق والمحاكمات ، والإحالة خلال أيام من الإعتقال إلى القضاء . وعلى هذا التحول الشكلي في الداخل ، المترافق مع ملاقاة مصالح القوى الدولية في الشرق الأوسط ، يبني سدنة النظام أحلامهم السلطوية المستدامة .. ويراهنون على عودة الروح لدوره الإقليمي الذابل

من هنا بالضبط يبرز حراك الداخل على أنه الحلقة المركزية في الصراع مع الاستبداد . وإلى هنا بالضبط تتوجه آليات قمع النظام كي يبقى الداخل " ساكناً " . ومنه تتفرع الضغوط والمعوقات الأمنية الأخرى على أنشطة الخارج على إختلافها ، كي لايأتي الغيث .. وإن كان رذاذاً .. من الخارج إلى البادية السورية ، التي طال ظمؤها إلى النهوض والحرية

وعليه ، فإن مايجري في المشهد السياسي السوري من إجراءات " قانونية " إتهامية قمعية لإحباط أي حراك حقوقي أو سياسي مناهض للاستبداد يستدعي ، أن توضع البرامج على كل المستويات المحلية والعربية والدولية ، لتعريتها وفضحها ، وأن تعبأ كل الإمكانيات الحقوقية والقانونية للدفاع عن ضحايا القمع الجدد

لقد آن الأوان وبإلحاح متزايد للتوجه إلى مصادر قوى التغيير الديمقراطي التي لاتقهر إلى القوى الشعبية لحسم الصراع مع الاستبداد .. تؤكد ذلك حقيقة أنه إذا كان من السهل على النظام أن يوجه إتهاماً لناشط حضر لقاء في الخارج " بالتآمر أو " العمالة " ، فمن العسير عليه أن يوجه إتهاماً مماثلاً لمن يرفع شعار خبز وكرامة وعمل وسكن ودواء وحرية المواطن في الداخل ، وإذا كان من الصعب ، نتيجة القمع المزمن ، الذي طاول كل منزل تقريباً أن يتحرك الناس تضامناً مع ناشط حقوقي أو سياسي قادم من الخارج يحمل بشارة دعم للحرية ، فمن السهل ان يتحرك الناس تضامناً مع ناشط يقود حراكهم دفاعاً عن حقوقهم المعاشية والإنسانية المباشرة

لم ولن يخدعن النظام أحداً بإعادة طلاء آلياته القمعية للدلالة على دمقرطة استبداده .. سيما وأن إقتصاد السوق الإجتماعي قد وضع قيد التطبيق .. ووضع أمام قوى المجتمع الأساسية المهام التي ستنقل الصراع مع الاستبداد من صراع سياسي نخبوي " بياني إعلامي " إلى صراع طبقي جدي .. وستنقل الجماهير الناقمة " الساكنة " اليوم .. إلى التحفز غداً .. وإلى النضال الشجاع بعد غد .. وعند بلوغ هذه اللحظات التاريخية المفصلية .. ستدق ساعة الحقيقة بالنسبة للجميع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زيادة كبيرة في إقبال الناخبين بالجولة الثانية من الانتخابات


.. جوردان بارديلا ينتقد -تحالف العار- الذي حرم الفرنسيين من -حك




.. الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية الفرنسية: تابعوا النت


.. إسرائيل منقسمة.. ونتنياهو: لن أنهيَ الحرب! | #التاسعة




.. ممثل سعودي يتحدث عن ظروف تصوير مسلسل رشاش | #الصباح_مع_مها