الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موسيقى الأغنياء التي تذبح الفقراء

ليث الحمداني
(Laith AL Hamdani)

2003 / 4 / 6
اخر الاخبار, المقالات والبيانات



 كندا

حين كان أكثرية أهل العراق.. فقراؤه، عربا وكردا وتركمانا وأشوريين وأرمن، مسلمين ومسيحيين وصابئة ويزيدية، يواجهون دكتاتورية صدام حسين وأجهزة قمعه في جامعاتهم ومواقع عملهم، ويدفعون حياتهم ثمنا لمواقفهم، أو يغيبون في دهاليز مخابرات النظام سنوات طويلة، ليقذفوا بعدها إلى الخارج أنصاف بشر.. كان البروفيسور كنعان مكية يعيش في مدينته الجميلة النظيفة يستمتع بالموسيقى التي يحبها وبـ (full benefits ) من عمله كأستاذ، ولينجز كتابه الذي تحدث فيه عن قسوة الدكتاتورية وجرائمها، ولكنه ورغم آلاف الأميال التي تفصله عن الوطن فضل إصداره باسم مستعار خوفا من أجهزة الدكتاتور، وحرصا على من تبقى في الوطن من (الأقارب) و (الأحباب)، وهو الذي عرف بطش الدكتاتورية من خلال (التوثيق) وليس (المعايشة). في ذلك الوقت كان العشرات من مثقفي العراق وكتابه يدفعون ثمن مواجهتهم للدكتاتورية من دمائهم وحياتهم، منهم من مات تحت التعذيب، ومنهم من مات كمدا، ومنهم من هرب من الجحيم مشيا على الأقدام لأنه لا يملك حتى أجرة واسطة النقل.. أحدهم صحفي من أسرة فقيرة واجه النظام بمقالة باسمهِ الصريح وهو داخل الوطن ليختطف بعدها من مبنى وزارة الإعلام، ويرمى بعد تعذيبه للكلاب المفترسة لتأتي على ما تبقى من جثته.. فالفقراء وحدهم يواجهون.. ووحدهم يموتون دفاعا عن الوطن.
لا أميز بين العراقيين على أساس الانتماء العرقي أو الديني أو الطائفي، ولا أرى في ذلك (التمييز) إلا وساخة أوجدها النظام الدكتاتوري وتلوثت بها بعض أطراف المعارضة.. لكني أنحني إجلالا وتعظيما وإكراما وحبا لأكثرية أهل العراق.. لفقرائه، لأنهم ظلوا على الدوام الأكثر تضحية من بين أبناء شعبنا. سيقوا إلى ساحات الموت مرات ومرات، سيقوا وهم (جنود مكلفون) في حروب الدكتاتورية التي لم تكد تنتهي حتى تبدأ من جديد، بينما كان (المترفون) يغرقون ضباطنا الأشاوس في عالم (البزنس) ثمنا لبقائهم في (الخلفيات) أو (المقرات).
سيقوا لها وهم يواجهون صنائع الدكتاتورية بالرفض والاعتراض والمقاومة.. وسيقوا لها تحت أنقاض أكواخهم وبيوتهم البائسة وبصواريخ الحلفاء في العمليات العسكرية التي أعقبت كارثة احتلال الكويت..
واليوم يساقون لها من جديد وبصواريخ كروز وقاذفات الـ B-52  ، بينما يتغنى (داعية الديمقراطية) البروفيسور مكية قائلا:
(إن أصوات القذائف المتساقطة على بغداد أعذب (1) لديه من أجمل موسيقى سمعتها أذناه، بل هي كقرع أجراس الحرية تؤذن لفجر جديد للعراق)
أي فجر جديد هذا أيها البروفيسور (المترف) وأنت ترى بأم عينك على شاشات العالم فقراء (الشعلة) و (الشعب) يدفنون (بالصواريخ الذكية) تحت أنقاض بيوتهم البائسة؟ أي فجر جديد وأنت ترى (الرصاص الخطأ) يحصد حياة أبرياء في مدينة النجف؟ إذا كان صدام حسين الدكتاتور الفاشي لا يأبه بالمدنيين، فهل تكون ردة الفعل بسحق الجميع؟
تمتع أيها السيد بموسيقى الأغنياء التي تذبح الفقراء يوميا في بغداد ومدن العراق الفقيرة الأخرى.. وتذبحنا في الشتات، ونحن نرى أمام أعيننا فقراء البصرة والنجف وكربلاء وبغداد تذبحهم (الصواريخ الموسيقية)
ولكن تذكر أن الفرق بين الدكتاتورية الرعناء وإرهابها وبين بطش الصواريخ والطائرات (الديمقراطية) وإرهابها قد زال في هذه الحرب اللعينة.


(1) حسام عيتاني – السفير 28/3  (موسيقى كنعان مكية)









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زيارة الرئيس الصيني لفرنسا.. هل تجذب بكين الدول الأوروبية بع


.. الدخول الإسرائيلي لمعبر رفح.. ما تداعيات الخطوة على محادثات 




.. ماثيو ميلر للجزيرة: إسرائيل لديها هدف شرعي بمنع حماس من السي


.. استهداف مراكز للإيواء.. شهيد ومصابون في قصف مدرسة تابعة للأو




.. خارج الصندوق | محور صلاح الدين.. تصعيد جديد في حرب غزة