الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديموغرافيا وثورات الربيع العربي

فارس إيغو

2019 / 10 / 14
مقابلات و حوارات


مجلة الفلسفة الفرنسية في عددها الصادر في أبريل 2011، وفي سياق ثورات الربيع العربي التي إندلعت في أكثر من بلد عربي أجرت مقابلات مع بعض المفكرين والباحثين الفرنسيين لإستطلاع آراءهم فيما يخص الحدث الكبير، ومن بين هؤلاء المفكرين مارسيل غوشيه وأوليفييه روا وإيمانويل تود. ولقد وجدنا أنه من المفيد ترجمة تلك الحوارات المفيدة للقارئ العربي. ثلاثة مفكرين وثلاثة أطروحات لتفسير ما حدث في عام 2011 وما يحدث اليوم في الموجة الثانية من الربيع العربي التي تشمل بالخصوص السودان والجزائر. وسنبدأ في المقالة الاولى ترجمة أول حوار مع الديموغرافي والمؤرخ الفرنسي إيمانويل تود المشهور على الساحة الفرنسية بمداخلاته الكثيفة في الإعلام، وسوف تتلوها مقالات أخرى تخص باقي المفكرين الفرنسيين المستطلعة آراءهم.
وكان إ. تود قد صدر له منذ سنوات كتاباً مشتركاً هو موعد الحضارات (من منشورات سوي الفرنسية، باريس 2007). في هذا الكتاب يتبنى المؤلفان إيمانويل تود ويوسف كورباج أطروحة حول العالم العربي والإسلامي تذهب في إتجاه معاكس للأطروحة الرائجة والتي تقول بأن العالم العربي والإسلامي ما زال خارج الحداثة.
مجلة الفلسفة: على ماذا تستندون في إطلاق هذه الدعوى المخالفة للسائد بين المفكرين في العالمين العربي الإسلامي والغربي.
إيمانويل تود: إن ما أقوله أنا وزميلي ي. كورباج هو من وجهة نظر ديموغرافية، في كتابنا هذا، حول العالم العربي الإسلامي يبدو مفاجئاً بالنسبة لخطاب صراع الحضارات، بينما هو بالنسبة لنا بديهي بالنظر الى التغيرات الديموغرافية الحاصلة اليوم. إن كل المؤشرات تشير الى أن العالم العربي والإسلامي يتجه نحو المرحلة الإنتقالية الديموغرافية.
ويمكننا القول، بأن هذا الكتاب هو عبارة عن حضور العلم الديموغرافي في الحقل الأيديولوجي!!! (1) أما بالنسبة لظاهرة الإنتقال أو التحول الديموغرافي، فإننا نلح بصورة عامة على الدور الذي لعبته عملية محو الأمية في وسط النساء في إنخفاض نسبة الخصوبة، ولكن من أجل ظهور هذا الإنخفاض علينا إظهار عامل ثاني، هو تراجع المعتقدات والممارسات الدينية.
وبالعلاقة مع إيران التي تشهد إنخفاضاً مهماً في الخصوبة وتراجعاً في الديموغرافيا، مع حكم إسلامي شيعي ثيوقراطي يتحكم في مفاصله رجال الدين، فإن ذلك يدفعنا الى أن نطلق الفرضية التالية التي تقول بأن البعد الأيديولوجي الحقيقي للنظام الإيراني ليس الدين الإسلامي، ولكن القومية الفارسية. إن النزعة القومية هي ما يخلق بصورة عامة الإنهيار في الممارسات الدينية (2).
مجلة الفلسفة: وبالمحصلة، بالنسبة لكم لا يوجد خصوصية أو استثناء للعالم العربي والإسلامي.
إيمانويل تود: إن القول بموعد الحضارات لا يعني غياب الخصوصيات بالنسبة للعالم العربي والإسلامي، إن المفهوم الأساسي والمُقرّر هو زواج الأقارب (أو الزواج من داخل الجماعة الضيقة)، لا يوجد مجتمعاً أكثر إدماجاً للفرد مثل العائلة، عندما كنا نعمل أنا وزميلي كورباج على هذا الكتاب، فإن تونس فرضت مُشكلاً علينا: كيف لنظام زين العابدين بن علي أن يستمر في السلطة على البلاد بصورة دكتاتورية في بلد الشباب أصبحوا فيه متعلمين والخصوبة النسائية هي بالمتوسط ولدين لكل امرأة تونسية؟ الجواب أعطانا إياه مفهوم زواج الأقارب، لقد سمح لنا، من جهة أخرى، من أجل الفهم الأفضل للحالة المصرية: حيث إن نسبة التعليم هي أقل من تونس، بينما الخصوبة بقيت في مصر ثلاث أطفال للمرأة المصرية.
لكن، بالنسبة لمصر، فإن مستوى أو نسبة زواج الأقارب إنخفضت خلال العشرين عاماً الأخيرة، مما سمحت للقول بأن المجتمع المصري سمح لنا إذن بأن نفهم آثار الكبح وإزالته المتأخرة في هذا البلد. كذلك، نموذجه الخاص حيث الثورة السياسية أتت بعد الثورة الثقافية.
مجلة الفلسفة: كيف تشرحون الدور الرئيسي الذي لعبه الشباب في تلك الثورات؟
إيمانويل تود: إن الجماهير التي تحمل الإنقلابات السياسية هي دوماً من الشباب. عندما يصل بلد من البلدان الى نسبة محو أمية عالية، عندما يبدأ مجتمع ما في ممارسة الرقابة على الولادات، هي لحظة حيث آليات السلطة تبدأ بالإنهيار: الأولاد يعرفون القراءة والكتابة أفضل من الآباء، العلاقات بين الرجال والنساء تتغير. إذن، الشباب هم حاملين لكل التحولات الثقافية التي ترتبط بآلية الإنتقال الديموغرافي. هذا ما نراه موجوداً وحقيقياً في كل الثورات. هذا الأمر قد يظهر مفاجئاً، لأنه في العموم نتكلم عن تاريخ الأفكار والسيرورات الثورية، ولكن الديموغرافيون هم بالطبيعة واعين على أن التغيرات تحمل معها إستبدالات بين الأجيال. هناك آلية إنقضاء وإنقراض ديموغرافي، ووفقها يختفي نسق من الأفكار مع الجيل الذي يحمله....
إنتهى الحوار.
*مجلة الفلسفة الفرنسية، أبريل 2011، العدد 48.
(1) إن الباحثين إيمانويل تود ويوسف كورباج يذهبون بعيداً في إستنتاجاتهم السياسية إنطلاقاً من معطيات وأرقام ديموغرافية. لا يكفي إكتشاف بدايات إنتقال ديموغرافي للقول بالإنتقال السياسي والاجتماعي، فهذا يتطلب تدخل عوامل أخرى متعددة ومنها، قبول النخب السياسية والاقتصادية المهيمنة بدخول لعبة التوافقات السياسية مع المعارضة، وثانياً، نخب دينية على استعداد أن تمتنع عن التدخل في الشؤون السياسية.
إن هذه الأرقام المتفائلة لا يمكن النزر إليها إلا على المدى البعيد، صحيح أن الميل هو نحو التراجع في معدلات الخصوبة أن نسب المواليد، لكن التراجع السكاني لا يمكن تأمل حصوله قريباً؛ فبلد مثل مصر عدد سكانها حسب الإحصاء الأخير عام 2018 هو 104 مليون نسمة، والعراق يتوقع أن يصبح عام 2019 حوالي 40 مليون نسمة، وهو عبئ سكاني كبير جداً بالمقارنة مع الناتج المحلي القومي والبنى التحتية والمرافق الحيوية.
إذن، يجب أخذ تلك النتائج المستقبلية المتفائلة بعين نقدية ومقارنتها مع العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والدينية والاثنية.
ربما تقوم تلك المعطيات الديموغرافية بشرح أسباب الإنتفاضات التي قامت في العالم العربي، لكن لا يمكن الاستنتاج بها وحدها لحدوث عملية الإنتقال السياسي، يلزمها أن تقارن بالعومل الأخرى التي ذكرناها لمعرفة ما إذا كان البلد المعني قادراً على أن يسير تدريجياً نحو الإنتقال الديموقراطي. وفي كل الأحوال إذا لم تلك الدول العربية والإسلامية بإصلاحات في مجالات متعددة كالتعليم، وتعزيز المشاركة السياسية الشعبية، وتدعيم اللحمة الوطنية، والسير تدريجياً نحو الدولة الوطنية الديموقراطية، حيث الشكل الوحيد للوصول الى السلطة هو صندوقة الإقتراع، والمُدعم بصندوقة الرأس ـ بحسب صاحب نقد نقد العقل العربي جورج طرابيشي ـ أي المُدعم بالثقافة الديموقراطية التي لا يمكن إكتسابها إلا في المدرسة الجمهورية.
(2) يبلغ عدد سكان إيران حالياً 81 مليون نسمة (2018)، ونسبة الخصوبة أو معدل النمو السكاني 1.79%.
وكان عدد السكان في إيران عام 1968 حوالي 27 مليون نسمة، وقد بلغ بعد الثورة الإسلامية في إيران الى 57 ملين نسمة عام 1988.
وكان نظام الشاه السابق يحفز على سياسات الترشيد السكاني، والتي أوقفتها الثورة عام 1979 فارتفع عدد السكان كثيراً، فأعادت حكومة محمد خاتمي إنعاش سياسات الترشيد السكاني عام 1989، وفي عام 1993 أصدرت الحكومة الإيرانية قانون تنظيم الأسرة، فإنخفضت الخصوبة أو معدل النمو السكاني الى 1.7 ـ 2% سنة 2010، ثم عودة الى تشجيع النمو السكاني بطلب من مرشد الثورة الإسلامية عام 2012.
وفي إحصائية أجريت عام 2012، تبين أن 17% من الأزواج في إيران بلا أطفال، 17.5% طفل واحد، 17% طفلين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو: الكوفية الفلسطينية تتحول لرمز دولي للتضامن مع المدنيي


.. مراسلنا يكشف تفاصيل المرحلة الرابعة من تصعيد الحوثيين ضد الس




.. تصاعد حدة الاشتباكات على طول خط الجبهة بين القوات الأوكرانية


.. برز ما ورد في الصحف والمواقع العالمية بشأن الحرب الإسرائيلية




.. غارات إسرائيلية على حي الجنينة في مدينة رفح