الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما قبل الثقافة، ما بعد الثقافة

نبيل عودة
كاتب وباحث

(Nabeel Oudeh)

2019 / 10 / 14
الادب والفن


ما قبل الثقافة، ما بعد الثقافة
إدوارد سعيد و"الثقافة والامبريالية"

في كتابه المثير للتفكير، "الثقافة والامبريالية"، يطرح المفكر الفلسطيني (الأمريكي الجنسية) د. ادوارد سعيد، رؤيته المتميزة والجديدة فكريا ونقديا، بمجمل الفكر الإنساني، حول العلاقة بين الثقافة والامبريالية، مقدما تصوره بأن الثقافة جاءت بالأساس لخدمة الاستراتيجية الإمبريالية، لذلك هي متشابكة ومتواطئة مع المجتمع الذي انتجها، وهي شكل من أشكال الاستعمار (الثقافي) الإستعلائي.
يقول د. سعيد في مقدمة كتابه: "ان معظم محترفي العلوم الإنسانية، عاجزون عن ان يعقدوا الصلة بين الفظاظة المديدة الأثيمة لممارسات مثل الرق، والاضطهاد الاستعماري والعنصري، والاخضاع الامبريالي من جهة، وبين الشعر والرواية والفلسفة التي ينتجها المجتمع الذي يقوم بمثل هذه الممارسات من جهة أخرى".
يوضح د. سعيد فكرته حول اندماج الثقافة الكلي مع امبرياليتها بنموذج الامبراطوريتين الاستعماريتين السابقتين، فرنسا وانكلترا، وخاصة إنكلترا، التي كانت تقف في طبقة امبريالية خاصة بها، أكبر وأفخم وأشد مهابة من أي امبراطورية استعمارية أخرى، وفرنسا التي كانت على مدي قرنين، بتنافس مباشر مع إنكلترا، لذلك كما يقول د. سعيد :"ليس من المفاجئ في شيء ان فرنسا وانكلترا تمتلكان تراثا غير منقطع من الكتابة الروائية، لا نظير له في أي مكان آخر، وأن أمريكا التي بدأت تصبح امبراطورية امبريالية في اثناء القرن التاسع عشر، لم تحذُ حذوهما إلا في النصف الثاني من القرن العشرين، وبعد فكفكة استعمار الامبراطوريتين فرنسا وانكلترا".
الكتاب مثير في طروحاته وربما يحتاج الى كتاب آخر لعرض مواضيعه الفكرية المثيرة التي تعتبر فاتحة في الفكر الإنساني كله. فهو الى جانب ذلك مليء بالفكر النقدي والتحليلي المبدع، خاصة حول مفاهيم مثل الثقافة ودور المثقفين.
الكتاب اثار لدي الاهتمام المجدد بموضوع طرح ويطرح اليوم أيضا بأشكال عدة، ويتعلق بموضوع علاقة المثقف مع السلطة. ان المثقف ليس مواطنا عاديا، ليس من ناحية الحقوق الاجتماعية والسياسية، إنما من ناحية التأثير الفكري، وقدرات المثقف على خلق مواقف لها أثرها في تكوين مفاهيم اجتماعية كثيرة والتأثير الفعال على الراي العام، ليس بجانبه الثقافي فقط، إذ يقول ان المثقفون أيضا هم نتاج النظام الاجتماعي والسياسي (السلطة) فما هي قواعد العلاقة، بين المثقفين والنظام الاجتماعي والسياسي؟ هل هي علاقة انتقائية من المثقف او من السلطة؟ ام هي علاقة تفرضها السلطة حسب نهجها وفكرها ومصالحها؟ المثير هنا هل يمكن الافتراض ان السلطة هي التي تخلق مثقفيها؟ وانه لا مجال تاريخيا لوجود مثقفين خارج النهج الرسمي للدول الامبريالية؟ طبعا القصد ليس عصرنا المتحرر، عصر العولمة الذي أصبحت حدوده ما بعد السماء، بل عصور النهضة الاستعمارية في بداياتها وتطورها إذا صح تعبير النهضة لوصف الاستعمار الاستبدادي؟
من الطرح السابق يتضح انه من العبث الرؤية بأن الثقافة مسالة عليا، لا يربطها بالقضايا السياسية والتاريخية أي رابط. ان الثقافة في كل زمان ومكان، كانت بارتباط وثيق بالسياسة. الثقافة هي المعيار الذي يشمل كل المنتوج الاجتماعي، الاقتصادي، العلمي الفني والأدبي. لذلك لا يستطيع المثقف ان يكون منعزلا عن السياسة، لا راي له لما يجري حوله من تطورات واحداث هو في التلخيص الأخير نتاج لها.
هل يستطيع المثقف مثلا ان يكون بلا راي من قضية الديموقراطية؟ من العلاقة بين الدين والدولة؟ من الصراع بين العلمانيين والمتدينين؟ او من قضايا التنمية؟ او من قضايا سياسية دولية ملتهبة مثل العدوان، الاحتلال، جرائم ضد الإنسانية وخطر الحرب المدمرة بشكل عام؟
هل يستطيع المثقف ان يتجاهل قضايا اجتماعية متنوعة كمسالة مساواة المواطنين؟ تحرير المرأة ومساواتها في الحقوق؟ قضايا البيئة؟ او من المفاهيم الجمالية للإبداع الأدبي والفني؟ مثلا المفكر الماركسي البارز أنطونيو غرامشي (1891-1937) حذر من الهيمنة على الثقافة كوسيلة للإبقاء على الحكم في المجتمع الرأسمالي.
عن دور المثقف يقول ادوارد سعيد في كتابة "الآلهة التي تفشل دائما"، على المثقف ان يكون واع لكل التعميمات التي تحدت والافكار التي تطرح من قبل وسائل الاعلام، المرئية، المسموعة والمقروءة، التي لا بد ولها توجهات وايدولوجيات معينه وافكار ربما تكون هدامه. على المثقف ان يفهم هده الافكار ويتنبه لها، وان يتصدى لما يراه منها ضار بالمجتمع وان يتكلم عنها وينبه لها، وان يكون البوصلة الحقيقية للمجتمع التي تسهم في اعاده توجيهه نحو الوجهة الصحيحة".
اذن الثقافة قطعت مرحلة تاريخية، من كونها نتاج الامبريالية، الى القوة المحركة للقضاء على كل اشكال الاستعمار والاستبداد.
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كيف بتحب هادا الشخص وبتحب كتابته؟؟؟
أفنان القاسم ( 2019 / 10 / 16 - 09:22 )
كيف ما بتقرأ الموضوع من عنوانه ((ثقافة وإمبريالية))! إمبريالية يا نبيل في العصر الخارق للتكنولوجيا! وحتى في عصرها، فهي الصراع على المصالح في العالم، تحت هذا المفهوم أرى الأشياء، مفردة الإمبريالية حشو إيديولوجي، وهذا المفكر الذي لا يفرق بين استشراق المخابرات والاستشراق في السوربون كما أعرفه لا يفرق كذلك بين ثقافة المخابرات والثقافة في فرنسا كما أعرفها، فهل بودلير وسارتر وكامو في أدبهم وفكرهم وشعرهم إمبرياليون؟ وهل كاتب ياسين وسنغور وفرانز فانون في كل ما كتبوا إمبرياليون؟ كانت هناك سياسة قلع ثقافي وزرع ثقافي قلع الثقافة المحلية وزرع الثقافة الفرنسية خاصة اللغة الفرنسية لغايات استعمارية لم تتحقق، والبرهان على ذلك مضاهاة الكتاب المحليين باللغة الفرنسية عن مواشيع محلية نقلتهم إلى العالمية، ولم تمنع إمبريالية إدوارد سعيد في إدامة الاستعمار! إدوارد سعيد لا يرى العالم كما أراه لوعيه البائس، وهو لهذا السبب اسم في الغرب، لأن الفكر السائد في صراعه الإيديولوجي استطاع أن يفتح ثغرة في فكر هذا المتأمرك الفلسطيني الأصل وأن يستغلها... معذرة لسفيري!


2 - انتشروا ما كتبه افنان
نبيـــل عــودة ( 2019 / 10 / 16 - 11:30 )
لا اعرف لماذا لم تنشروا نقاش افنان وهو نقاش ممتاز بغض النظر عن قناعتي او قناعاته.
ارسلت لكم طلبا بنشر ملاحظاته الهامة جدا
ارجو ان اقرأ ملاحظاته منشورة على مقالي.


3 - شكرًا لرزكار والتحرير على نشرهم تعليقي بعد منعه!
أفنان القاسم ( 2019 / 10 / 17 - 15:38 )
لكن مع الأسف لن يشار إليه في ذيل الموقع للفت الانتباه إليه بعد فوات الوقت عليه من امبارح!!!

اخر الافلام

.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس


.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في




.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب


.. أم ماجدة زغروطتها رنت في الاستوديو?? أهالي أبطال فيلم #رفعت_




.. هي دي ناس الصعيد ???? تحية كبيرة خاصة من منى الشاذلي لصناع ف