الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سكة التقسيم

جهاد الرنتيسي

2006 / 5 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


تفرض الازمات قراءات مختلفة حين تاخذ منحى استعصائيا يتجاوز قدرة الادوات التقليدية على التحليل والوصول الى رؤية مقنعة .
فالادوات التحليلية تشيخ كالبشر اذا فقدت القدرة على التجدد ، وتعجز عن فهم المراحل حين تنمو خارج سياقات حركة الزمن ، ويمكن تنميطها ، او تحنيطها ، اوقولبتها بالشكل الذي يحيدها عن وظيفتها المفترضة .
والتحولات السياسية التي تشهدها المنطقة بدء بالازمات العراقية المركبة ، ومرورا بالتداعيات الفلسطينية ، واختلالات النظام الرسمي العربي لا تحدث في الفراغ .
فهي بعض نصيب المنطقة من متغيرات لا يملك العرب دورا في حدوثها ويجد ساستهم ونخبهم صعوبة في استيعابها .
وقد تكون تطورات الازمة العراقية الاكثر الحاحا عند محاولة استشراف مستقبل المنطقة رغم انها الاقصر عمرا اذا قورنت بالقضية الفلسطينية ، والاقل تعقيدا قياسا بمعضلة الاصلاح السياسي الذي تحول الى شعار يجري استخدامه بين الحين والاخر للاحتيال على متطلبات العصرنة ، وضرورات الخروج من كهوف السلفية السياسية .
ووراء استقرار الازمات العراقية في سدة الاولويات عوامل عدة في مقدمتها ارتباطاتها المباشرة بالقضايا ذات الابعاد الجيوسياسية ، الامر الذي يؤهلها لكي تكون المدخل المرشح لاعادة ترتيب المنطقة .
ففي البداية كان تحويل العراق الى نموذج ديمقراطي يحتذى واحدة من الاثافي الثلاث التي اتكأ عليها الخطاب السياسي عشية الاطاحة بنظام صدام حسين .
ولكن متغيرات السنوات الثلاث التي اعقبت سقوط النظام العراقي السابق قادت الى انقلاب في الاولويات وربما المفاهيم .
فالمؤشرات التي تفرزها تقلبات المشهد العراقي تتجه نحو استحالة قيام نظام بالمواصفات التي جرى الحديث عنها مطولا في ذلك الحين .
واجواء المشاورات التي اجراها نوري المالكي مع القوى السياسية العراقية لتشكيل حكومته تكرس الشكوك المحيطة باحتمالات احتفاظ العراق بوحدة اراضيه .
فقد اظهر معظم القوى السياسية التي شاركت في المشاورات جنوحا نحو ذهنية الاقصاء والتهميش التي سادت خلال ولاية ابراهيم الجعفري واعاقت ترشيحه لولاية ثانية .
ويستحق الائتلاف الشيعي الذي القى بثقله للاستحواذ على المناصب السيادية ـ مستفيدا من التوازنات التي افرزتها العملية الانتخابية ـ ان يكون المثال الاكثر حضورا حين يجري الحديث حول سياسة الاقصاء والتهميش الا ان ذلك لا يعني انه بلا شركاء في مثل هذه الممارسات.
ففي مواجهة سياسة الاستحواذ التي اتبعها الائتلاف وضعت قائمة التوافق على راس اولوياتها رفع سقف التمثيل السني في الحكومة وان كان ذلك على حساب الاعتبارات الوطنية .
واستفادت الحالة الكردية من تماسكها وقدرتها على الاستقطاب في الاحتفاظ برئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية .
ومع اندفاع القوى الطائفية والعرقية نحو تقاسم الحقائب الوزارية انحسرت فرص القوى العلمانية الرافضة لنظام المحاصصة الطائفية في توزيع حقائب الوزرات السيادية والمواقع الرئاسية .
ولا شك في ان الالية التي اتبعت في تشكيل حكومة المالكي تعبير عن حالة الفرز الطائفي الذي ياخذ شكل العنف والتصفيات الجسدية حين ينتقل الى الشارع .
ودون الدخول الى دوامة جدل " الدجاجة والبيضة "هناك حالة من التكامل بين الية تفاوض القوى الطائفية والتصفيات الدموية .
فمن غير الممكن استبعاد فرضية استفادة قوى الطائفية السياسية ـ سواء ارادت ام لم ترد ـ من اجواء التصعيد .
كما يصعب الفصل بين ما يمكن ان تنتهي اليه تداعيات المشاورات والفرز الطائفيين .
وبذلك شكلت القوى الطائفية غطاء سياسيا لعمليات التطهير الطائفي التي ادت الى نزوح ياخذ شكل اعادة " التوزيع الديموغرافي " الذي يسبق التقسيم على اسس طائفية .
والى جانب الخسائر التي تتكبدها القوات الاميركية وجد بعض السياسيين الاميركيين في الطائفية السياسية العراقية التي اصبحت واقعا ملموسا واعمال العنف الدموي ما يبرر الدعوة لتقسيم العراق باعتباره توطئة ضرورية للانسحاب.
ولا يعد تجاهل الادارة الاميركية لهذه الدعوات رفضا قاطعا للفكرة التي تحولت الى واحد من سيناريوهات حل الازمة .
فالظروف مؤاتية اكثر من أي وقت مضى لتسويق الطرح الذي كان حاضرا في دوائر صنع القرار الاميركي منذ وقت مبكر .
وبذلك تتجه المؤشرات نحو تقدم مشروع " التقسيم الذي يقدم حلولا لمشكلات الموزاييك العراقي " على مشروع تحويل التباينات المذهبية والعرقية الى نموذج للديمقراطية في المنطقة .
فهناك قناعة تترسخ لدى صناع القرار في الولايات المتحدة بان القوى العشائرية والدينية الاكثر قدرة على التاثير في المشهد السياسي العراقي الراهن .
ولا شك ان هذه القناعة لم تات من فراغ بقدر ما هي نتيجة لرصد وقراءة تطورات المشهد العراقي بعد سقوط النظام السابق .
فقد جاء اتساع حضور المرجعيات الدينية والعشائرية على حساب المشروع الوطني الذي تطرحه القوى العلمانية التي عملت بكل قوتها على تشكيل حكومة باجندة وطنية .
ويزيد اتجاه بعض مؤشرات الملف النووي الايراني نحو مواجهة عسكرية بين طهران وواشنطن من احتمالات وضع خيار تقسيم العراق الى ثلاثة كتل على سكة التنفيذ .
ففي الاسابيع الماضية اهتمت بعض مراكز البحث بامكانية استفادة الولايات المتحدة من الحساسيات ذات الابعاد المذهبية والعرقية في مواجهتها المقبلة مع طهران .
وتتيح قراءة المشهد الايراني من هذه الزاوية فرصة التقاط مؤشرات قد تساعد على رسم صورة المنطقة في المرحلة المقبلة .
فقد يؤدي الفشل في ايجاد النموذج الديمقراطي ، والاتجاه نحو خيار تقسيم العراق لنقل التجربة الى ايران لا سيما وان مراكز صنع القرار الاميركي باتت على قناعة بان الخطر الايراني الممتد في مختلف ارجاء المنطقة والعالم لا يقتصر على التسلح النووي .
وبالتالي ياخذ النموذج الاميركي في البلدين اللذين وضعتهما واشنطن عدة سنوات في دائرة " الاحتواء المزدوج " منحى التقسيم .
وفي ظل التوازنات الكونية الراهنة هناك ما يغري لتعميم النموذج الجديد على الدول ذات الثقل الاقليمي في المنطقة .
كما يتيح نموذج التقسيم المرجح اتساع حضوره في الخطاب الاميركي خلال المرحلة المقبلة مجالا واسعا امام افراز معادلات سياسية جديدة تؤهل اسرائيل لدور اكبر في المنطقة .
وفي مواجهة خطر " النموذج الجديد " لا يجد النظام الرسمي العربي الواقع على خط الزلازل سوى محاولة القيام بمناورات كسب الوقت على امل الافلات من التسونامي المقبل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سعيد جليلي.. مرشح بارز للرئاسة الإيرانية


.. العدالة الدولية تطارد إسرائيل وتكشف نفاق أميركا...| #التاسعة




.. نشرة إيجاز - كتائب القسام تقول إنها استهدفت ثلاث دبابات ميرك


.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة – القسام تستهدف قوات متوغلة في مدينة




.. غزة.. ماذا بعد؟ | مجلس الحرب الإسرائيلي يوجه فريقه بمواصلة م