الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيُّ أمَّةٍ نَحْنُ؟

محمد كشكار

2019 / 10 / 15
كتابات ساخرة


تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الاثنين 25 أوت 2014.
لا أعرف من أين أبدأ؟ من عجزي أنا شخصيا، أو من عجز نُخَبِنا العلمية والفكرية والسياسية، أو من عجز سلطتنا ومعارضتنا، أو من عجز دُعاتنا ورجال ديننا، أو من عجز إيماننا بقدرتنا على التغيير؟
أبدأ بنقد نفسي: عِلمٌ تعلمتُه على مدى سبع سنوات في أرقى الجامعات الفرنسية (عامان ماجستير وخمسة دكتورا)، عِلمٌ عجزتُ عن تمريره لمن هم في أشد الحاجة إليه (رجال ونساء التعليم). بعد التقاعد، مُكره أخاكم لا بطل، اكتفيتُ بمقال يومي في الفيسبوك ومحاضرة أو محاضرتان في العام والباقي كُتُبٌ من المكتبة العمومية وحديث ثقافي في المقاهي. هل العِلة فِيَّ أنا أم في البيئة الاجتماعية أم في الاثنين معا؟
نُخبنا وما أدراك ما نخبنا! جل أساتذة جامعاتنا، ناقلون للعلم غير منتجين له. جل أطبائنا تجار مستكرشون لا يشبعون ومن دماء فقرائنا لا يرتوون وللبحث العلم تاركون. جل محامينا مرتشون وجل متهمينا راشون، فأي عدالة نحن لها منتظرون؟ جل مثقفينا منبتّون وفي سحر الحلول الغربية الجاهزة معتقدون جازمون. أما نقابيونا القياديون المحترفون فهم لـ"التكنبين" وتدليس الانتخابات مُفْرَّغون ومتفرِّغون ولمرتباتهم دون شغل قابضون، وجلهم للأسف يساريون انتهازيون وللعمال وحلم ماركس الوهمي خائنون ومن جنته للبروليتاريا مقصون وبحقوق العمال يتلاعبون ومن مقايضتها مقابل امتيازات ذاتية يسترزقون. جل أساتذة الثانوي ومعلمي الابتدائي، هم للعلم بائعون وللأطفال الأبرياء مستغلون وبمستقبل باهر لهم واعدون. دنيا وآخرة، كلهم ملعونون.
جل عمالنا اليدويين متكاسلون ولمهنهم غير متقنين وفي أعمالهم يغشّون وفي تقدير عرقهم يُغالون ويبالغون. جل تجارنا للسلع الحياتية محتكرون ولعرق المنتج سارقون وعلى المستهلك يتحايلون. جل موظفينا دون سبب يتغيبون وعلى الرخص المرضية مقبلون وكبارهم في السن بعطل المرض طويل الأمد يتمتعون وخارج أماكن عملهم في صحة جيدة يشتغلون ولرواتبهم مضاعفون ومن حرامه يكتسبون.
جل سياسيينا، يسارا ويمينا، شرعا على الكراسي يتعاركون، لكن ليس شرعا كونهم للمصلحة العامة مهملون ولكل مشروع وطني من البنك العالمي يستلفون والتبعية الاقتصادية لنا جالبون. جل يساريينا مع اليمين الليبرالي متحالفون وعن جرائم التجمعيين صامتون وللإسلاميين فقط معادون ومشيطنون. جل إسلاميينا بمشروعهم غير مؤمنين ولخدمة تونس غير متحمسين ولمزايا العَلمانية عليهم ناكرون ومع التكفير متسامحون وللجهاد ضد إخوانهم في سوريا والعراق داعون. أما رموز الدساترة فهم لا يستحون، من سِبْسِيهِم إلى مرجانهم إلى قرويهم، ومكانهم في السجن لا يخرجون وفي تونس الغد لا يُفسدون.
جل أئمتنا صادقون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وفي العام الواحد 52 خطبة جمعة عصماء مثالية جوفاء يلقون. ووعظهم للأسف لم ولن يتجاوز سور الجامع أو قد يتجاوزه صوتا ناشزا عبر مكبرات الصوت. جل مصلينا لم تنههم صلاتهم عن الفحشاء والمنكر لا لأن الصلاة لا تنهى بل لأنهم هم لا ينتهون. القرآن خلق أمة والأمة لم تواصل الرسالة ولم تخلق شيئا يُذكر فيُشكر. صحيح كنا "خير أمة أخرِجت للناس". مَن أخرجها يا مسلمي اليوم؟ أخرجها سبحانه تعالى للعالمين وأسسها محمد صلى الله عليه وسلم وسلمها إليكم أمانة في رقابكم جميعا، خنتم الأمانة بعد ما استخلفكم الله في الأرض، فمن أدراكم أنكم لا زلتم خير أمة أخرِجت للناس؟ من أدراكم أنه، سبحانه وتعالى، لم يستبدلكم بأمة من أممه الراقية كالأمة الأسكندنافية مثلا؟ وبماذا تدافعون عن أنفسكم؟ بنفاقكم أم بمتاجرتكم بدينكم أم بتناحركم وتقتيلكم لبعضكم أم بتخاذلكم أمام العدو وعدم نصرتكم لإخوانكم في غزة أم باستئسادكم على الأقليات المستجيرة بكم أم باستباحتكم قتل المستضعفين منكم ابتغاء لمرضاة أمريكا؟ هل خُلقتكم لتحمّل مشقة تبليغ الرسالة كما تحمّلها أسلافكم؟ والله العظيم أشك فيكم وفي نواياكم ما لم تستقيموا وتعطوا المثال الطيب قبل أن تأمروا بما ليس فيكم وتدعوا زورا لِما أنتم غير قادرين على تنفيذه. والله نبهكم و قال لكم: "لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، فما بقي لكم إلا أن تشمّروا على سواعدكم وتبحثوا عن أسباب الرقي خارج أسوار تخلفكم وتأخذوا بها ولو من عدوكم، وأنهِي بالآية الكريمة: "و قل اعملوا فسيرى الله عملكم " آمين.
لم يدّع العلم يوما أنه قادر على تغيير قِيَمِ مجتمعٍ ما، لكن أكيد لن يحصل تغيير بعد اليوم دون العلم (Les connaissances ne changent pas les valeurs).

إمضاء: أيُّ أمَّةٍ نَحْنُ، عَجَزَ التديّنُ والعِلمُ والثورةُ مجتمعينَ على تغييرِها؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمرو الفقي: التعاون مع مهرجان الرياض لرعاية بعض المسرحيات وا


.. ثقافة البرلمان تشيد بتفاصيل الموسم الثاني لمهرجان العلمين وت




.. اللهم كما علمت آدم الأسماء كلها علم طلاب الثانوية من فضلك


.. كلمة الفنان أحمد أمين للحديث عن مهرجان -نبتة لمحتوى الطفل وا




.. فيلم عن نجاحات الدورة الأولى لمهرجان العلمين الجديدة