الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول الاشتراكية العلمية

فهد سليمان

2019 / 10 / 15
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


(1)
نشأة الفكر الإشتراكي العلمي
[الفقرة 2 من مقدمة النظام الداخلي (بعنوان: «1– التعريف والأهداف») الصادر عن أعمال المؤتمر الوطني العام السابع للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين (2018)، تنص على مايلي: «تسترشد الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بالإشتراكية العلمية كمنهج لتحليل الواقع الإجتماعي، ودليل للعمل من أجل تغييره». وفيما يلي مساهمة تضيء على بعض جوانب الموضوع المطروح]
أولاً- نشأ الفكر الإشتراكي العلمي في المرحلة المعاصرة، وازدهرت طروحاته مع مطلع القرن التاسع عشر، في مواجهة المظالم الإجتماعية الذي تسبب بها نمط الإنتاج الرأسمالي، (المنطلق بكل زخمه في ذلك الحين)، بفعل آليات الإستغلال والقهر والتغريب التي فُرِضَت على الطبقة العاملة الحديثة، التي تكوّنت بالتلازم مع نمط الإنتاج الرأسمالي. لكن هذا الفكر نزع ـــ باتجاهه العام ـــ إلى المثالية والطوباوية والوعظية الأخلاقية.
ثانياً- الإنجاز التاريخي لماركس وإنجلز تمثل بدءاً من أربعينيات القرن التاسع عشر، بنقل الفكر الإشتراكي من مستواه الطوباوي إلى مستواه العلمي، فبتنا أمام ما يسمى بـ «الإشتراكية العلمية»، التي إستندت إلى إكتشافات بالغة الأهمية على مستويي الفكر السياسي الإنساني بشكل عام، وعلى الطرح الإشتراكي بخاصة، ومن بين أهمها ثلاثة:
1– إدخال الفهم المادي الجدلي على قراءة التاريخ، ما ارتقى به إلى مستوى العلم. وما يعنينا في السياق ليس علم التاريخ الملموس الذي يؤسسه هذا النهج، بل النمط العام للتفكير النظري، فهم العالم (بمعنى الإجتماع) الذي يدشنه هذا المنهج، بواسطة ما يسمى بـ «المادية التاريخية» التي تقوم على المباديء المؤسِسة التالية:
أ) الوجود (الواقع) الإجتماعي يحدد الوعي الإجتماعي. ب) التناقض بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج يشكل محرك التاريخ. ج) وجهة التاريخ تصاعدية، تطورية، من التشكيلات الإقتصادية ـــ الإجتماعية الأدنى، إلى التشكيلات الأعلى. د) الحقيقة دائماً ملموسة ولا توجد حقيقة مجردة.
ومن بين الأمور التي ترتبت على هذا ما يلي: نمط (أسلوب) الإنتاج المادي هو القاعدة الحقيقية للتاريخ. محرك التاريخ يقوم على تطور قوى وعلاقات الإنتاج. الوعي في حقيقته هو تعبير عن علاقة إجتماعية مادية. التمييز بين الوجود الإجتماعي والوعي ليس تمييزاً بين حقيقتين، بل بين الحقيقة الملموسة والجانب المجرد من الحقيقة ذاتها. وعليه تضحى المادية التاريخية هي التعبير الأعم للعلاقة بين الوجود الإجتماعي والوعي..
2- كشف لغز نمط الإنتاج الرأسمالي نفسه، القائم على قانون القيمة، الذي من خلاله تتحدد قيمة السلعة (أية سلعة) بعدد الساعات الضرورية إجتماعياً (أي بمستوى معيّن من تطور قوى وعلاقات الإنتاج) لإنتاجها.
وبما أن قوة العمل سلعة يتم تبادلها في سوق العمل، فإن قيمتها تتحدد بعدد الساعات الضرورية إجتماعياً لإنتاجها وإعادة إنتاجها؛ وإلى جانب ما يساويها بالسلع الأخرى، فإن ميزتها تتحدد بكونها مولدّة لـ «فائض قيمة»، يستحوذ عليه صاحب رأس المال، فيستهلك قسماً منه (أي العائد)، ويحوّل القسم الآخر إلى رأس مال يضاف إلى الأصل، في سياق ما يسمى بـ «مراكمة رأس المال».
لقد كشف قانون القيمة جوهر إستغلال رأس المال لقوة العمل (أي إستغلال الرأسمالي للعامل)، وآلية هذا الإستغلال التي تصب في الدائرة الحلزونية الصاعدة لتوسيع رأس المال.
3- كشف جوهر الأزمة البنيوية للرأسمالية، بما هي أزمة فيض تراكم رأس المال، الناجم عن التناقض بين متطلبات تعجيل التراكم بزيادة إنتاجية العمل من جهة، وبين التدهور في معدلات الربح الذي تقود إله هذه الزيادة من جهة أخرى؛ والأزمة في هذا السياق المحدد ليست سوى محطة إضطرارية، مؤقتة، لحل هذا التناقض، بما تنطوي عليه هذه المحطة من تدمير جزئي لرأس المال الإجتماعي (تكون الأسواق المالية أحد أهم ميادينها) وتخفيض شامل لقيمته ■
(2)
مسار الفكر الإشتراكي العلمي
■ على خلفية نضالات الطبقة العاملة، وتشكل حركتها وانتظام صفوفها، وارتقاء وعيها لذاتها، سمحت الإكتشافات النظرية، التي أشرنا إلى بعض أهم عناوينها، بتأسيس «الإشتراكية العلمية» وبارتياد آفاقها النضالية الرحبة على يد الطبقة العاملة، المنظمة بأحزابها ونقاباتها. وعلى هذه الخلفية التراكمية يندرج الإنجاز التاريخي بقيادة لينين، الذي أسس أول نظام سياسي رفع راية الإشتراكية العلمية في تاريخ البشرية.
■ لا تفوتنا، في السياق، الإشارة إلى الإنجازات بالغة الأهمية التي حققها لينين في الحقل النظري، ومن بين أهمها: قانون التطور المتفاوت الذي يحكم الرأسمالية في مرحلته الإحتكارية (الإمبريالية)، والذي يطرح إمكانية إنتصار الثورة الإجتماعية بقيادة الطبقة العاملة في بلد رأسمالي متخلف، ما سمح ببلورة استراتيجية الثورة الروسية للإطاحة بالنظام القيصري، التي قامت على تحالف بين العمال والفلاحين الخ.. ومن بينها أيضاً: الربط بين الثورة الإشتراكية والنضال الوطني التحرري في البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة.. هذا دون أن ننسى إجتراح لينين لنظرية الحزب الطليعي وعلاقته مع الطبقة العاملة، والحركة النقابية..
■ الجدير بالذكر أن هذه القامات التاريخية (ماركس، إنجلز، لينين) وغيرها من الأسماء اللامعة، التي يضيق المجال عن ذكرها (بليخانوف، كاوتسكي، هيلفردينغ، ليبكنشت، روزا لوكسمبورغ...)، التي جمعت بين عبقرية الفكر وإبداعه وفعالية الدور القيادي في الميدان.. هذه القامات العالية لم تنسب هذا الفكر إلى نفسها، ولم تسمِه بإسمها أو إسم غيرها، بل أجملته بعنوان عريض هو: الإشتراكية العلمية.
■ كما يجدر التذكير أن الإشتراكية العلمية ـــ على مستويي النظرية والتطبيق ـــ واصلت، وما زالت تواصل، تطورها على يد قادة ومفكرين كبار بعد رحيل «الآباء المؤسسين» الآنف ذكرهم، ومنهم: ماوتسي تونغ، ديمتروف، غرامشي، لوكاش، ألتوسير، بولانتزاس، لوسيان سيف، سمير أمين، وغيرهم... ومن الخطأ نسب الإشتراكية العلمية إلى أي منهم، أو إلى عدد منهم، وإن جاز الكلام عن أفكار واجتهادات (وطروحات، وفرضيات عمل..) تقدموا بها، لم يتشكل دائماً، وليس بالضرورة أصلاً، أن يتشكل، إجماع حولها ■
(3)
منهج لتحليل الواقع الإجتماعي ودليل للعمل من أجل تغييره
■ لم يَحِّلْ مصطلح الماركسية ـــ اللينينية مكان الإشتراكية العلمية في الأدبيات السياسية إلا بعد وفاة لينين، ليس لاعتبارات متعلقة بصون نقاء «النظرية» أمام إحتمالات التحريف والإجتزاء، بل من أجل توفير مظلة، تسمح بنسب التوجهات والسياسات المتعلقة ببناء الإشتراكية في الظرف العصيب، الذي كان يجتازه الإتحاد السوفياتي، إلى هذه «النظرية» أو إشتقاقاتها المباشرة، الأمر الذي فتح المجال أمام «التوظيف السياسي» للنظرية، بكل ما ترتب عليه من سلبيات، لسنا بوارد الخوض بها في هذه العجالة.
■ من كل ما سبق نخلص إلى التالي: إن الإشتراكية العلمية هي النظرية التي تعبر عن فكر الطبقة العاملة ورؤيتها الثورية للواقع الإجتماعي، في إطار مسيرة تطوره التاريخي وآفاق هذه المسيرة. وهي نظرية تتميّز بأنها علمية وثورية في آن؛ إنها علمية، بمعنى أنها ليست عقيدة جامدة أو وصفة ثابتة، بل هي منهج يلخص قوانين التطور الإجتماعي ويطبقها بإبداع لتحليل الواقع كما هو، في الحقيقة، بعيداً عن التزييف والتشويه الأيديولوجي الذي تمارسه الطبقات المسيطرة من أجل تكريس هيمنتها الفكرية على الكادحين وتضليلهم. وهي ثورية، بمعنى أنها لا تكتفي بوصف الواقع وتحليله، بل تشكل دليلاً للعمل من أجل تغييره تغييراً ثورياً لمصلحة العمال وعموم الكادحين بسواعدهم وأدمغتهم ■








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التوظيف السياسي للماركسية اللينينية
فؤاد النمري ( 2019 / 10 / 15 - 22:50 )
كتب الكاتب يقول .. الأمر الذي فتح المجال أمام «التوظيف السياسي» للنظرية، بكل ما ترتب عليه من سلبيات، لسنا بوارد الخوض بها
درسنا الإشتراكية السوفياتية لسبعين عاما ولم نجد فيها أي سلبيات تشوبها
أما بعد انقلاب الجيش على الإشتراكية في العام 53 فلم يعد هناك ماركسية لينينية لمحاكمتها وفق سياسات البورجوازية الوضيعة بقيادة الجيش

بالمناسبةفإن الوقوف عند سلبيات الاشتراكية السوفياتية هو أهم بكثير من الوقوف مع الإيجابيا
فالإنسان يتعلم من الأخطاء


2 - التحول الى ذيل لأحزاب الاسلام السياسي الفاشية!
طلال الربيعي ( 2019 / 10 / 16 - 00:38 )
يشير الكاتب بصواب إلى -الإنجازات بالغة الأهمية التي حققها لينين في الحقل النظري، ومن بين أهمها: قانون التطور المتفاوت الذي يحكم الرأسمالية في مرحلته الإحتكارية (الإمبريالية)، والذي يطرح إمكانية إنتصار الثورة الإجتماعية بقيادة الطبقة العاملة في بلد رأسمالي متخلف... وإجتراح لينين لنظرية الحزب الطليعي وعلاقته مع الطبقة العاملة، والحركة النقابية-
وللاسف الشديد فان الاحزاب الشيوعية التي تخلت عن اللينينية, مثل الحزب الشيوعي العراقي, قد تخلت عن الخيار الاشتراكي في واقع الحال وان ابقت عليه لفظا لا اكثر, بالاضافة الى التخلي في حالة الحزب الشيوعي العراقي عن طليعيته وتحوله الى ذيل لاحزاب الاسلام السياسي الفاشية!


3 - إعادة تموضع الفكر العلمي الاشتراكي
محمد البدري ( 2019 / 10 / 16 - 18:38 )
بلا ادني جدال فان شكل المجتمع زمن ماركس او زمن لينين قد تغيير كثيرا عما يبدو الان في المجتمع الرأسمالي.
ما كان يجمع العمال في كل انحاء السيادة الراسمالية لنمط الانتاج قد اختلف بتقدم التكنولوجيا ومعها ثورة معلومات واتصالات اصبحت تجمع جميع الطبقات وتجعل الجميع متداخلا ومتصلا بغض النظر عن وضعيته الطبقية.
كان العمال متشابهين بل ربما متطابقين زمن ماركس وحتي لينين ورغم ذلك لم يتحدوا رغم توصية المنافستو الشيوعي. حواجز ثقافية وجغرافية من الماضي وحدود سياسية مستجدة فصلت التواصل العمالي.
الان يتواصل علي هذا المقال اربعة ينتمون الي الطبقة التي بذل ماركس عمره في تنويرها، وبرغم ذلك لازالت الخلافات والحدود هي المحددة لعلاقاتهم.

عزيز الفاضل نحن في حاجة الي ابداع ليعرف كل من ينتمون الي جمهور ماركس الاجابة عن السؤال: ما العمل؟ التي تتفق مع العصر الحالي
تحياتي


4 - -الاشتراكية العلمية- مفهوم مناف للعلم والثورة!
طلال الربيعي ( 2019 / 10 / 17 - 02:52 )
كما اود الاشارة الى قضية فائقة الاهمية بتقديري وهي ان الكاتب المحترم
يعتقد كما يبدو بوجود نظرية واحدة يسميها -الاشتراكية العلمية- وان اشخاصا مثل لينين وغرامشي على سبيل المثال كانوا مجرد ظواهر لتجلي هذه النظرية, وهذا الرأي هو خطأ جسيم, لأنه يحيل ما يسميه الاشتراكية العلمية الى نظرية متكاملة مغلقة, او بتعبير آخر, جثة ميتة, اي ان علمها يجهز عليها. وخطل هذا الرأي يعود لسببين. الاول, كما اثبت عالم المنطق الرياضي كورت غودل , انعدام و جود نظرية متكاملة. السبب الثاني هو ان عالم الكيمياء بريجوجين اثبت ان الانظمة الحية هي انظمة تشتتية وليست مغلقة.
ولكن الانظمة غير الحية نفسها كما نعلم من مبدء فيزياوي الكم هايزنبرغ هي ايضا انظمة غير يقينية. وهذا سيعني انه لا المادية الديالكتيكية ولا المادية التاريخية, اللتان تؤلفان مع الاقتصاد السياسي ما يسمى الاشتراكية العلمية, منظمومتان متكاملتان او مغلقتان!
يتبع


5 - -الاشتراكية العلمية- مفهوم مناف للعلم والثورة!
طلال الربيعي ( 2019 / 10 / 17 - 02:53 )
وعلم لينين لم يكن منسجما مع -الماركسية العلمية- او ما يسمى الاشتراكية العلمية, بل كان نقيضها. المزيد في
علم لينين الثوري نقيض -الماركسية العلمية-!
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=624399&r=0
اما غرامشي فقد دعى الى الثورة ضد كتاب «رأس المال»
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=609012
وهذا كان بالضبط ما فعله لينين من قبل!

اخر الافلام

.. سيارة تحاول دهس أحد المتظاهرين الإسرائيليين في تل أبيب


.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in




.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا




.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي