الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية .. تفعيل أم إعادة بناء

عامر راشد

2006 / 5 / 20
القضية الفلسطينية


تتلاقى شعارات وبرامج كل القوى السياسية الفلسطينية على أن إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية هو المدخل الإجباري لإيجاد مخارج وحلول وطنية للأزمة الشاملة التي تعصف بالأوضاع الفلسطينية، حتى ليخال للمرء أن إعادة البناء المنشودة حتى وإن جاءت بشعار مجرد، هي الوصفة السحرية لداء المتعارضات والخلافات الفلسطينية المتفاقمة، ولكن بقليل من التمحيص ، وعلى الرغم من صواب الشعار، سنجد أن مطلب إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية يتحول واقعياً إلى أزمة قائمة بحد ذاتها، بسبب غياب الحدود الدنيا من الفهم الموحد لمفهوم إعادة البناء ومشتملاته وأسسه. وهذا ما يمكن تلمسه بوضوح في المواقف المعلنة للقوى والمرجعيات السياسية الفلسطينية المختلفة.
مؤسسة رئاسة السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس، الذي هو في ذات الوقت رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، تطرح تفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية كمرادف لمفهوم إعادة البناء، وليس التفعيل كمعطى لإعادة البناء، وهذا يحمل في طياته ضمناً إصرار على أن إعادة البناء يجب أن تنطلق من الواقع الراهن، وبقاء حركة فتح مهيمنة على مؤسسات المنظمة، ومرفق بذلك اعتبار أن الاتفاقيات الموقعة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية (شكلياً وقعتها منظمة التحرير)، والتعديلات التي وقعت على الميثاق الوطني الفلسطيني ( بدء بها في 1996، وأقرت في 1998) بمثابة مسلمات غير مطروحة على طاولة الحوار، الأولى لأنها تحمل التزامات دولية تقع على عاتق منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، والثانية لأنها جاءت بالضرورة مكملة لهذه الالتزامات. وتعتبر قيادة السلطة الفلسطينية أن مبادئ اتفاقيات أوسلو تتلاقى في جوهرها مع البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وبأن تطبيقات أوسلو أنتجت على الأرض سلطة وطنية فلسطينية، أعادت الفلسطينيين ولأول مرة إلى الجغرافيا السياسية للمنطقة.
القوى الديمقراطية واليسارية الفلسطينية التي تأتلف مع فتح في عضوية منظمة التحرير الفلسطينية منذ إعادة التأسيس الثانية في العام 1968 (دخول الفصائل إلى المنظمة وتسلمها زمام القيادة فيها) ، ترى بأن تفعيل المنظمة غير ممكن في ظل الواقع الراهن لمؤسسات المنظمة، وبالتالي لابد من إجراء مراجعة سياسية وتنظيمية شاملة، ترتكز عليها عملية إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية على أسس ديمقراطية انتخابية، وتعتبر أغلبية الفصائل والقوى الديمقراطية واليسارية التعديلات التي وقعت على الميثاق الوطني الفلسطيني غير دستورية، ولا تحظى بالإجماع الوطني، ومازالت أغلبية هذه الفصائل والقوى تواصل رفضها لاتفاقيات أوسلو واتفاقياتها الملحقة وتطبيقاتها، وتعتبرها خروجاً عن البرنامج الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية، رغم إقرارها بأن اتفاقيات أوسلو وتطبيقاتها خلقت وقائع على الأرض لا يمكن تجاهلها، لذلك تدعو إلى تجاوزها بالدخول في مفاوضات شاملة على أساس قرارات الشرعية الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية.
حركتا حماس والجهاد الإسلامي اللتان ما تزالان خارج أطر ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، تريان بأن عملية إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية يجب أن تستند إلى الواقع الجديد في بنية النظام السياسي الفلسطيني، على ضوء تنامي دور حركات الإسلام السياسي، وتراجع دور قوى وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية، كما عكسته نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي جرت في الخامس والعشرين من كانون الثاني/يناير 2006، وما يمليه ذلك من ضرورة إحداث تغيرات رئيسية على برنامج منظمة التحرير الفلسطينية، ليتم تضمينها الرؤية السياسية لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، ويوضع هذا كشرط للتسليم بالدور القيادي والتمثيلي لمنظمة التحرير الفلسطينية، بالإضافة إلى شرط بديهي يخص حجم التمثيل في الهيئات القيادية للمنظمة ومؤسساتها.
الواضح للعيان من قراءة المعطيات والحقائق السابقة أن التوافق الذي وقع بين الفصائل الفلسطينية في إعلان القاهرة (17/3/2005) على إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، كمدخل لاستنهاض الحالة الفلسطينية، على أهميته جاء مبهماً ومغرقاً في العمومية، وحمالاً للأوجه، ودليل ذلك القراءات المتناقضة لمفهوم إعادة البناء المنشودة، والقوى التي ناضلت من أجله كانت تدرك منذ البداية هذه الحقيقة، وأن المعركة الرئيسية والصعبة ستكون في توحيد المفاهيم لتلتقي عند مفهوم مشترك لإعادة البناء، ولهذا ضغطت من أجل التسريع في عقد اجتماع اللجنة الفلسطينية العليا المكلفة بترجمة قرارات إعلان القاهرة، ووضع أسس إعادة البناء، لكن رئاسة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية أبقت هذه القرارات معلقة على شجرة التسويف والمماطلة، حتى داهمها الواقع الجديد الذي أفرزته الانتخابات التشريعية الفلسطينية الأخيرة، وزاد بشكل غير مسبوق المصاعب أمام مسعى توحيد الفهم لعملية إعادة البناء.
رئاسة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية سارعت ومنذ اللحظة الأولى لزلزال الانتخابات التشريعية الفلسطينية إلى مراجعة شكلية لسياساتها حيال منظمة التحرير الفلسطينية، وراح خطابها السياسي يركز على الدور القيادي والتمثيلي والمرجعي لمنظمة التحرير الفلسطينية، في مواجهة خطاب حركة حماس الرافض للإقرار بهذا الدور، وإن تطور هذا الخطاب في سياق التحديات التي واجهت حماس بعد تسلمها لرئاسة حكومة السلطة الفلسطينية، ليفرق بين منظمة التحرير بما تمثله من كيانية موحدة للفلسطينيين في الوطن والشتات وهذا تقر به حماس، وبين دورها التمثيلي الجامع الذي ترفضه حماس، تحت حجة أنها غير ممثلة في منظمة التحرير، وفي أكثر من تصريح لقيادي في الحركة تم التركيز على أن حركة حماس تعتبر دخولها في أطر المنظمة هدفاً استراتيجياً، وبأن رئاسة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية هي من تعطل ذلك. لكن من حيث الجوهر تلتقي رؤية حماس حول إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية مع رؤية رئاسة السلطة الفلسطينية في الانطلاق من زاوية المصالح الذاتية الضيقة، فرئاسة السلطة الفلسطينية تحاول أن تستأثر بالصلاحيات التي صودرت من منظمة التحرير الفلسطينية في مواجهة حكومة حماس، في حين تحاول حماس مقاومة هذا المسعى لإبقاء الجزء الأكبر من الصلاحيات المصادرة بيد رئيس الحكومة ووزرائها، ويزيد في الطين بلة أن حكومة حماس لا تقر ولو نظرياً بالمرجعية القيادية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
إن المخرج الوطني من الأزمة الشاملة التي تعصف بالحالة الفلسطينية، غير ممكن إلا بحل وطني شامل، يعيد توحيد أبناء الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، ويتكامل مع نضال أبناء الشعب الفلسطيني في المناطق الفلسطينية المحتلة في العام 1948، وهذا لا يحققه التوافق على برنامج حكومة السلطة الفلسطينية، الذي يندرج في إطار الحل، ولا يشكل في أي حال من الأحوال حلاً شاملاً، فحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني لا يمكن أن يتحقق إلا بإجماع إرادة مكونات الشعب الفلسطيني في الشتات والضفة والقدس وغزة والمناطق المحتلة في العام 1948، والسلطة الفلسطينية تمثل 34% فقط من مجموع الشعب الفلسطيني، في حين 66% من أبناء الشعب الفلسطيني محرومين من حقهم في التمثيل، واختيار قياداتهم، ويُغيب دورهم. وبناء دولة فلسطينية مستقلة في الضفة والقدس وغزة لا يحقق كل عناصر المشروع التحرري الفلسطيني، الذي يندرج به حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وحقوق فلسطينيي مناطق 1948 .
مما سبق نستنتج أن المطلوب إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس جديدة، لا تنقض البرنامج الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية، بل تعيد تصويب مسار المنظمة ودورها، عبر استكمال انتخاب أعضاء المجلسين الوطني والمركزي وانتخاب لجنة تنفيذية جديدة لمنظمة التحرير الفلسطينية، فبرنامج منظمة التحرير لم يستنفذ أغراضه بعد، ويمثل بحق قاسماً وطنياً مشتركاً، وموحداً لنضال أبناء الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات. وهنا يجب عدم الخلط بين مفهومي إعادة البناء والتفعيل، فالواقع القائم في مؤسسات المنظمة هو من أوصل الحالة الفلسطينية إلى التردي والنزاع والشرذمة، والتفعيل واستعادة الدور سيكون تحصيلاً حاصل لإعادة البناء، إذا ما تمت على أسس موضوعية تراعي المصالح الوطنية العليا، والمشترك الوطني الفلسطيني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمير الكويت يأمر بحل البرلمان وتعليق العمل بعدد من مواد الدس


.. كاميرا مراقبة توثق غارات للطيران الحربي الإسرائيلي على شمال




.. مراسلة الجزيرة: طلاب كامبريدج يضغطون على إدارة الجامعة لقطع


.. تشييع شهداء سقطوا في قصف إسرائيلي على رفح جنوبي قطاع غزة




.. مظاهرة حاشدة في مدينة نيويورك الأمريكية إحياء لذكرى النكبة