الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حملة الاعتقالات الأخيرة في سوريا:ضربة استباقية

سامر عبد الحميد

2006 / 5 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


"ليست رمّانة، وإنما قلوب ملآنة!".
هذا المثل الشعبي الشامي البسيط قد يفسر حالة الهستيريا التي تملكت الأجهزة الأمنية السورية دون سابق إنذار، فانطلقت تضرب خبط عشواء، من تصب تعتقله، ومن تخطئ... !!.
الحجة التي سوّقتها أجهزة الأمن لتبرير اعتقال عدد من نشطاء المعارضة مؤخراً، هي توقيعهم على بيان دمشق-بيروت، في نفس الوقت الذي كان فيه مجلس الأمن يعد العدة لإصدار قرار يلزم النظام السوري بترسيم الحدود مع لبنان، وإقامة علاقات دبلوماسية معه...الخ.
وهذه الحجة، رغم أنها تستخدم اليوم كغطاء مقنع أمام الجمهور السوري الحسّاس لأي تنسيق يتم مع الجهات الخارجية الأمريكية أو الأوروبية، فإنها في واقع الأمر لم تكن سوى السبب المباشر والمعلن لاتخاذ السلطات الأمنية قرارها الواضح بضرب المعارضة وإعادتها إلى نقطة الصفر.
لكن إذا أردنا البحث عن الأسباب الحقيقية فانه يتوجب علينا أولاً وقبل أي شيء أن نتعلم كيف يفكر النظام(الذي يمثل مجموعة متشابكة ومعقدة من المصالح)، وأن نعرف بأنه لا يقدم على اتخاذ مثل هذه الخطوة الفضائحية، فقط من باب ردة الفعل الغاضبة على هذا البيان.
ومن الواضح للجميع أن النظام السوري يعاني اليوم من أشد حالات التوتر والترقب لما قد يحمله له المستقبل من مآزق يحاول جاهداً تخطّيها واحدة تلو الأخرى، بنجاح لا بأس به حتى الآن.
وعلى ما يبدو فإن المعارضة السورية التي التقطت هذه اللحظة التاريخية التي يترنح فيها النظام، اعتبرت أنه عليها أن تبذل من جهتها بعض الجهود كي يتم الإجهاز عليه، وإقامة حكومة ديموقراطية بديلة، وذلك في قراءة مغلوطة لأهداف الضغوط الأمريكية، والتي كما نعتقد لا تهدف سوى إلى إعادة إنتاج النظام السوري بما يتوافق(تماماً)مع الهوى الأمريكي والإسرائيلي.....

ومنذ استلام بشار الأسد للسلطة، وإلقائه خطاب القسم، اعتبرت بعض أوساط المعارضة بأن الوقت قد حان للانطلاق بالأفق المعارض إلى مرحلة أكثر رحابة واتساعاً.
لكن اللطمة الأمنية الأولى التي تلقتها والتي سميت اعتقالات ربيع دمشق، لم ترفع عنها حجب الأوهام، ولا أعادتها إلى جادة الحقيقة، وهي أن النظام يمهل ولا يهمل، وبأنه وحده صاحب المنح والمنع!.
فاستمرت في إصدار عرائض التنديد والاستنكار، وأخذت في تحدًّ واستخفاف واضحين، بمغازلة الأخوان المسلمين، أحد أكثر خطوط السلطة السورية احمراراً، وتتوج ذلك في إلقاء السيد على عبد الله لرسالة البيانوني في منتدى الأتاسي.وسرعان ما أصبح هذا المنتدى الذي كان النظام يسمح لمعارضته بالتنفس عبره، أثراً بعد عين!.
كذلك، وبعد اغتيال الحريري سارع عدد من المثقفين إلى إصدار البيانات والتصريحات التي تحمّل النظام السوري المسؤولية، بعبارات صريحة حينا، ومبطنة أحيانا، وذلك في خفّة عز نظيرها!.
وفي رسائل وبيانات مماثلة عبروا عن وقوفهم إلى جانب بعض الرموز اللبنانية من أعداء النظام، وحمّلوا أيضاً النظام السوري مسؤولية الاغتيالات والتفجيرات التالية على الساحة اللبنانية..
كما جاء موقف البعض المؤيد لتحالف خدام والبيانوني، وموقف البعض الآخر المتحفظ والمائع، ليصب الزيت على نار السلطة المتشوقة لإعادة الاعتبار لها بوصفها إلها منزّهاً عن النقد أو الاتهام أو المعارضة..
كثيرة هي المواقف العدائية التي اتخذتها المعارضة تجاه النظام، فجعلتها تخطو خطوات واسعة في مواجهته، دون أن تكتشف إلا في لحظات التجلّي بأن ظهرها قد صار مكشوفاً أكثر من اللازم، في مواجهة سلطة لا ترحم ولا تزال تملك قبضة قوية باطشة..
وحتى الشعب السوري الذي حاولوا إيهام أنفسهم بأن كبرى مطالبه هي الديموقراطية وحقوق الإنسان، فإنه لم يعد ينظر إليهم إلا على أنهم مجموعة من المثقفين المغرورين عملاء كونداليزا رايس ورامسفيلد وبوش.وذلك نتيجة لـ(البروباغندا)التي مارسها الإعلام السوري ببراعة.

النظام السوري من جهته، والذي يحقق اليوم بعض الانتصارات على الساحتين اللبنانية والفلسطينية، وبدعم من الحليف (النووي)الإيراني!، وجد أن فرصته سانحة كي يزيل بعض عوامل التنغيص والإزعاج من طريقه، خصوصا في هذه اللحظات المصيرية التي عليه أن يتفرغ فيها لمواجهة أكثر من استحقاق.
وبرأينا، فإن أهم تلك الاستحقاقات على الإطلاق، هي الوضع الاقتصادي الداخلي الذي بدأ كما يعتقد الكثير من الخبراء مسيرة اللاعودة على طريق الانهيار.
ومع ما سيسببه هذا الانهيار من أزمات، فإنه من غير المستبعد على الإطلاق أن تتهيأ السلطة منذ الآن لمواجهة أية ردود فعل من جانب الجماهير التي ستكون غاضبة بالتأكيد حين يصل الأمر إلى لقمتها ولقمة أطفالها.وبالتالي فإن السلطة ترى بأن تتفرغ كلياً لضبط ما قد يسفر عنه غضب الشارع الشعبي، دون تشويش من قبل أية معارضة منظمة وواعية قد تحاول الاستفادة من الوضع الناشئ لتزيد من شعبيتها.
من ناحية أخرى، فإن مفاعيل لجان التحقيق الدولية، وما يجري من تسييسها، وجعلها سيفا مصلتا على رأس النظام، تجبره الاحتياط سلفا مما سيؤول إليه حال هذه اللجان، وما سيتمخض عنه الضغط الغربي المتواصل من افرازات.
والنظام يعرف بأن الانحناء لمطالب المعارضة الإصلاحية، أو الرضوخ للضغوط الخارجية معناه..(خراب البصرة!).لذلك وكما عبّر الرئيس بشار الأسد سابقا، فإن خيار النظام الوحيد هو الصمود والمقاومة.
وأخيراً، فإن الهاجس الأكبر الذي يتملك السلطة السورية دائماً وأبداً هو الهاجس الأمني قبل أي شيء آخر.
ولعل أحد تجليات هذا الهاجس، هو في اعتقال بضعة عشر من رموز المعارضة وإلقائهم في غياهب السجون!!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد قضية -طفل شبرا- الصادمة بمصر.. إليكم ما نعرفه عن -الدارك


.. رئيسي: صمود الحراك الجامعي الغربي سيخلق حالة من الردع الفعال




.. بايدن يتهم الهند واليابان برهاب الأجانب.. فما ردهما؟


.. -كمبيوتر عملاق- يتنبأ بموعد انقراض البشرية: الأرض لن تكون صا




.. آلاف الفلسطينيين يغادرون أطراف رفح باتجاه مناطق في وسط غزة