الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


!القضاء القضاء

خالد خالص

2006 / 5 / 20
حقوق الانسان


عقدت وزارة العدل بتنسيق مع مجلس وزراء العدل العرب وجامعة الدول العربية يومي 26 و27 ابريل 2006 بمدينة مراكش ندوة حول السياسة الجنائية في الوطن العربي انتهت بعدة توصيات منها "السعي للاتفاق على مضمون موحد لاستقلال القضاء وطبيعة العلاقة التي يمكن ان تربطه بالسلطتين التشريعية والتنفيذية" و"تقليص دور السلطة التنفيذية في ادارة عمل السلطة القضائية" (انظر مجموع التوصيات بجريدة العلم ليوم 17 ماي 2006، ص. 6 ).
ويمكن القول - من خلال هذه التوصيتين- على ان المسؤولين على اجهزة العدل في الدول العربية اضحوا يفطنون اخيرا الى ضرورة استقلال القضاء والى خطورة انعدام استقلال القضاء داخل مجتمعاتنا العربية واصبحوا يبحثون او على الاقل يفكرون في البحث عن الوسائل الناجعة لتكريس هذا الاستقلال بالنسبة لباقي السلط. وفي انتظار منع السلطة التنفيذية من التدخل في ادارة عمل السلطة القضائية فانهم اوصوا" بتقليص" دور السلطة التنفيذية في ادارة عمل السلطة القضائية.
والقضاء الذي هو ركن من اركان الدولة - اذا انهار انهارت معه الدولة، هو الساهر على فرض احترام القانون من طرف الجميع ودون تمييز بين الاشخاص سواء من حيث اللون او الجنس او اللغة او الدين او الرأي السياسي او غيره من الآراء او المنشأ الوطني والاجتماعي او الاصل العرقي او الملكية او المولد او الحالة الاقتصادية او اي وضع أخر.
والقضاء هو حامي الافراد والجماعات من التعسف والشطط والظلم وهو الذي يحد من التجاوزات ويوفر ما استقر عليه الجميع بانه "عدل". و يتبوأ القضاء منزلة كبيرة في الدولة نظرا لما يقوم به من وظيفة من شأنها بت الأمن ومحاربة الفوضى في المجتمع. إلا أن القضاء لا يمكنه أن يحقق المكانة الجديرة به إن هو لم يحض بثقة المواطنين عامة و بثقة المتقاضين خاصة. و أن ثقة هؤلاء و أولائك لن تتحقق إلا من خلال برهنة القضاة أنفسهم على تجردهم و نزاهتهم و استقامتهم و استقلالهم عن أي تدخل أو تأثير.
كما يعتبر القضاء أداة للنهوض بالاستثمار و النماء الاقتصادي، إذا ما عزز مناخ الثقة التي تعد حجر الزاوية للإقتصاد الليبرالي. فالتوجه الذي يسير عليه العالم نحو العولمة و الإنفتاح على الآخر و القدرة على المنافسة الشرسة التي تقوم عليها اليوم النظم الاقتصادية العصرية في الاسواق الداخلية و الخارجية يجعل من القضاء أداة لضمان الإستقرار الضروري للرقي الاقتصادي و أداة لتوفير مناخ تسوده الثقة لجلب الإستثمار الأجنبي و حافزا حقيقيا للمبادرة و الإستثمار الوطني.
فالقضاء اذن من اخطر السلط واوسعها باعتبار ان المجتمع ككل يسلم لمجرد شخص فان سلطة التحكم في اموال وحرية وشرف وحياة امثاله. وإذا كان القاضي بشر مثلنا فاننا ننتظر منه نحن جميعا أن يكون فوق البشر رغم وضعيته الفردية عند أدائه لمهامه وقلة الإمكانات وتراكم الملفات ورغم عدم استقلاله عن باقي السلط. غير أن الاستقلال الفعلي للقاضي رهين بضميره و بحياده و بنزاهته، ففض النزاعات بكل أمانة وموضوعية دون التحيز لفائدة أحد الخصوم يقتضي من القاضي أن يكون محايدا ونزيها والا يمتثل الا لصوت ضميره. وعلى المجتمع ان يوفر له الاستقلالية التامة لاداء مهمته على احسن وجه وفي




احسن الظروف حتى يكون له دور فعال في المجتمع. و الاستقلال يعني الحصانة ويعني الحرية في إصدار
الأحكام دون تدخل أو تأثير، و هذا الاستقلال لا يجب أن يقتصر على السلطتين التشريعية والتنفيذية و لكن عليه أن يمتد لسلطة الرأي العام و سلطة الإعلام و سلطة المال و سلطة النفس الأمارة بالسوء التي تحاول دائما استتباعه وتدجينه. ففلسفة العدل التي يجسدها القضاء لا تعرف تقديس الاشخاص ولا تقديس المال.
ولا احد يجادل في كون القضاء يشكل احد اعمدة الديموقراطية واداة لا مناصة عنها لبناء دولة مستقرة وان القضاء اذا لم يكن مستقلا فانه لن يشكل الا اداة للفوضى وعدم الاستقرار ان على المستوى الاجتماعي او على المستوى الاقتصادي. فلابد اذن من الانكباب جديا على ايجاد الحلول للوصول الى استقلال القضاء سواء في ما يتعلق بالنصوص المنظمة او فيما يتعلق بارض الواقع وهو ما اوصى به مجلس وزراء العدل العرب.
وتعتبر التوصية الثانية المشار اليها في بداية هذا المقال من اهم التوصيات التي صدرت على اثر الندوة حول السياسة الجنائية اذ ثم التنصيص على "التقليص من دور السلطة التنفيذية في ادارة عمل السلطة القضائية". الا اننا نرى بان الامر لا يجب ان يقتصر على التقليص بل على الانفصام التام لان ادارة السلطة القضائية من طرف السلطة التنفيذية هو العائق الاول لاستقلال القضاء. وقد سبق لنا ان تقدمنا امام المؤتمر 25 لجمعية هيئات المغرب المنعقد في شهر يونيو 2005 بمكناس بدراسة ورد من جملة ما ورد بها ان تداخل اختصاصات السلطة التنفيذية في الوضعية الفردية للقضاة وفي كل ما يسبح في المحيط القضائي من موظفين واعوان ومفتشين وبنايات وموارد مختلفة وغيرها جعلتنا نفكر في ايجاد حل ليصبح للقضاء سلطة مستقلة استقلالا مطلقا عن السلطة التنفيذية كما هو الشأن بالنسبة للسلطة التشريعية. وهذا الحل لن يتأتى إلا بالإرادة السياسية المغربية التي بإمكانها أن تكون السباقة في خلق جهاز مستقل يطلق عليه إسم "المجلس الأعلى للقضاء" على غرار مجلس النواب تكون له ميزانية خاصة و مستقلة وتجمع فيه جميع الموارد البشرية ( والمادية ) التي تعمل في حقل القضاء وحدف وزارة العدل من التشكيلة الحكومية والغاء منصب وزير العدل وخلق وزارة مكلفة بالعلاقات مع المجلس الاعلى للقضاء على رأسها وزير على غرار الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان. واذا كان البعض يعتقد بان هذا حلم بعيد المنال فانني افضل الحلم على الموت قبل الموت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة المياه تهدد حياة اللاجئين السوريين في لبنان


.. حملة لمساعدة اللاجئين السودانيين في بنغازي




.. جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في ليبيا: هل -تخاذلت- الجن


.. كل يوم - أحمد الطاهري : موقف جوتيريش منذ بداية الأزمة يصنف ك




.. فشل حماية الأطفال على الإنترنت.. ميتا تخضع لتحقيقات أوروبية