الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انسحاب ترامب من سوريا: صراع قومى-قومى.

خالد فارس
(Khalid Fares)

2019 / 10 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


انسحاب ترامب من سوريا. صراع قومى-قومى.


ننظر الى قرار ترامب القاضى بالانسحاب من سوريا, كأحد التجليات, للصراع الدائر بين ثلاثة اتجاهات, ذات مضمون كونى.

الاتجاه الأول: "الترامبولوجيا (من دونالد ترامب) ": يقارع دونالد ترامب فى ساحات المدرسة الأمريكية التقليدية, التى أنضجها الديمقراطيون, على أسس ليبرالية رأسمالية تنطلق من تعدد الهويات والمواطنة المعولمة.

يتحرك دونالد ترامب كرأس حربة لتفكيك فكرة عولمة تقوم على تعدد الهويات, لانه يطمح الى عودة منطق السياسة العالمية الى معادلات قومية أو تبادل قومى (بلغة الاقتصاد تبادل علاقات اقتصادية على أساس قومى), وهى مدرسة فى السياسة بزغت مع الجاكسونية (نسبة الى الرئيس السابع للولايات المتحدة الأمريكية). "القومية الجاكسونية" التى ترى فى التمركز القومى منطلقاً.
هذا التيار, يكره سياسات الهوية أو المواطنة المتعددة الهوية, وكاره بشدة لليسار. وهو التيار الأقوى, و الذى يدير "اللعبة" السياسية الكونية, وتكتيكاته لها أثر مباشر على دفة الصراع.

الاتجاه الثانى: تيار أوروبا الموحدة, الذى يعيش اليوم محاولة يائسة للانتقال الى "أمة مواطنة".

يقول ألان تورين فى كتابه براديغما جديدة لفهم عالم اليوم " حيث تولى ألمان أمثال يورغان هابرماس ودانيال كوهن -بنديت, قيادة حملة تدعو الى إنشاء مواطنية أوروبية, بدافع من عدائهم العميق لكل قومية ألمانية,... عادت فأطلقت بعدها مجدداً فكرة إنشاء دستور.....فقد تراجعت الفكرة الفدرالية... لقد حاز الاوروبيون على جواز سفر "أوروبى" يحدد جنسيتهم الجديدة, بالتأكيد, ولكن هل يخولنا ذلك الكلام على مواطنية أوروبية, بالمعنى الذى كان يقصده فَرَنْسيو الحقبة الثورية حين كانو يتنادون بإسم "مواطن".
هذا التيار كاره للقوميات, يمقت اليسار الراديكالى الشيوعى. جاء قرار البرلمان الاوروبى بتاريخ 18/9/2019, الذى طالب "بادانة النازية والشيوعية غير الديمقراطية", تجسيدا لذلك.

الاتجاه الثالث: اليسار فى العموم المنتشر فى أوروبا وأميركا والعالم,

أحد أبرز قادته, وزير المالية اليونانية المستقيل Varoufakis, ففى مقابلة له بتاريخ 31/3/2016 مع برنامج Hard Talk , http://www.bbc.com/news/uk-politics-eu-referendum-35933841 يقول: "أن أروروبا وحش بحاجة الى تَحَضرْ....لقد خلقنا هذه الوحش, ...إنه يحتقر الديمقراطية من أعماقه....إجماعنا عليه لايعنى أننا نوافق عليه, بل أن تفكيكه لن يقودنا الى الأفضل, لذلك علينا أن نجعله أكثر حضاريا وأكثر ديمقراطية ".
وهذا التيار كاره للقوميات المنغلقة و المواطنة الليبرالية, ويدعو الى استعادة دور المجتمع فى الحياة العامة السياسة والاقتصادية والثقافية, و الغاء التمايزات الطبقية.

ماعلاقة ذلك كله بما يجرى فى سوريا؟, "الفِتَنْ القومية"

انسحاب ترامب من سوريا يأتى فى سياق التكتيكات لتعزيز الصراعات القومية, و خلق حاجة الى أميركا القومية الرأسمالية, أو على أسس من توازن المصالح على أسس قومية. يرى فى روسيا وتركيا مشاريع قومية. كلاهما يعمل على أسس قومية, روسيا تطمح الى بناء مشروعها القومى, وتركيا تطمح الى بناء مشروع قديم, تم تسميته سابقا "أمة عثمانية جديدة تجمع بين الاتراك و العرب, المسلمين".
اذا تشكل فى المحيط الأوروبى كُتل قومية أو مشاريع قومية, سيضع أوروبا أمام تحديات جديدة, منها اطلاق شرارة المشاريع القومية من الداخل الأوروبى. فى نفس الوقت, سيضع اليسار الراديكالى الأوروبى, أو اليسار فى العموم, أمام معضلة كبيرة, فالقوميات ليست الحيز الذى يحبذه اليسار التحررى, لان الطبقات الاجتماعية ستتعرض الى انصهار فى تكتلات قومية, أخطرها تلك التى لها أبعاد دينية-قومية وعرقية. ينظر ترامب الى أوروبا (الالمانية الفرنسية) أو اليسار الاوروبى, على أنها عبئاً, يجب التخلص منه. من أجل ذلك, تحمس كثيراً لجونسون, رئيس وزراء بريطانيا.

لا يؤمن ترامب بأن هناك أى امكانية للأكراد للبروز كقوة قومية. وجد فى مشروعهم مضيعة للوقت وخسارة مالية, ولكن للأكراد دور تحريضى, فى اشعال الفتيل القومى. وجد ترامب فى "اسرائيل", كل ما يحلم به (الحلم القومى اليهودى) الذى سيتصدى الى أوروبا الموحدة واليسار العالمى وحتى يسار حقيقى ينبع من تحالف يهود مع تيار عالمى أو أوروبى.

والأهم بالنسبة له, ومعه "اسرائيل", فان اشعال المعركة القومية بين القوى الكبرى فى المنطقة, سوف يهدد فرص مشروع قومى عربى, وحدوى. لأن تحويل الصراع فى العالم و المنطقة, الى قومى-قومى, سيعزز أفكار الانفصال والانقسام, وخلق "أوطان" بديلة وجديدة, كما حدث ابان الدولة العثمانية وهيمنة القوميات الامبريالية الاوروبية.

المشروع العربى الحديث, الذى يعيش مرحلة مخاض طويل, وصراع بين اقطاب, يرتهن, حسب ما أعتقد, الى ما ستؤول له المعركة فى سوريا, والى ما ستوؤل له المواجهة بين المقاومة والكيان الاستعمارى الصهيونى, هذا من جهة, ومن جهة أخرى الى ماتؤول له حراكات الشارع العربى فيما بعد "الربيع العربى", واطلاق حراكات جديدة مثل حراكات نقابة المعلمين فى الأردن, وحراك الشارع العراقى, وغيرها.
هل ستوجه هذه الحراكات البوصلة باتجاه ثلاثة مسائل: أولاً: الاستقلال, والتخلص من معادلات المشروع الصهيونى الممتد فى حواشى السياسة العربية, ثانياً: عمل الشباب وحقهم فى العمل المنتج واجور مناسبة لحياة كريمة, ثالثاً: الحرية الفردية التى تحقق للفرد استقلاله (وليس تبعيته) متكاملاً مع مجتمعه. وهل ستشكل هذه مفاصل فكر عربى حديث (كونى)؟

سيحارب ترامب من أجل تحويل الملف الكردى وملفات أخرى الى تناقضات ذات طابع قومى, أو أن تكون مركزية القومية منطلقا لعلاقات الاقتصاد السياسى, لكى يتم فتح الطريق للقوى ذات المنطلقات القومية لقيادة العالم.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا نعرف عن انفجارات أصفهان حتى الآن؟


.. دوي انفجارات في إيران والإعلام الأمريكي يتحدث عن ضربة إسرائي




.. الهند: نحو مليار ناخب وأكثر من مليون مركز اقتراع.. انتخابات


.. غموض يكتنف طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران




.. شرطة نيويورك تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتعتقل طلابا محتجين عل