الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رقصة الماء /قصة قصيرة

حسن كريم عاتي
روائي

(Hasan Kareem Ati)

2019 / 10 / 17
الادب والفن


لم يكن مصدر ماء الشرب غير كتل كونكريتية ، مثبت فيها انابيب ماء للاستخدام المتعدد والمشترك .تأتي الفتيات من البيوت كأسراب القطا .يكتلن الماء منها . فيكون وقت الفجر أفضل الاوقات ، لقوة تدفقه ، وقلة المكتالين منه . غير ان المدة ما بين الضحى وحتى المغيب تشهد تنازعهن على الدور ، وتنافسهن على الاسبقيات ، فيرتفع الضجيج من أصداء الاواني في محاولة أولى لتحقيق الخصومة . يليها ضجيج أصواتهن ، وتشابك أيديهن التي تترك الاواني في محلها ، لتتشبث في شعور الاخريات.
عراك قد ينجم عنه سقوط احداهن في بركة المياه الآسنة التي تحيط بكتلة الكونكريت . وقد ينجم عنه شق الثوب ، لتخرج كنوز الجسد عارية إلى هواء طلق ؛ ويؤدي إلى امتداد اوار العراك إلى رجال الحي . لتنتفض الشاكرية باجمعها بين مهاجم أو مدافع أو طالب صلح .
حين ينتهي اليوم بسلام ، يرجعن يترنحن تحت وطأة ثقل الاواني المنقولة من قرب معمل تصليح عربات السكك الحديد إلى بيوتهن البعيدة . وهو ما يبرر المشي بتثاقل وبايقاع يثير شهية الناظر . يتمنطقن بعباءاتهن على وسطهن بقطعة قماش ، يُترك الجزء العلوي منها ينسدل إلى اسفل ، مشكلة كتلة سوداء لماعة على العجيزة ، التي تبدو أكبر من حجمها المعتاد . وهو ما يمنح مشيتهن إيقاعاً خاصاً ، يجعل من كل خطوة ، حركة نافرة إلى خارج الجسد ، الذي يرتد بالخطوة التالية إلى الاتجاه المعاكس لها بالايقاع نفسه .
وبتناوب الايقاع تتعلق الابصار باجساد تتلظى تحت وقع الحاجة إلى الراحة ، والتوق إلى النشوة . وحين يسرعن في خطوهن تحكم اجسادهن ضرورة بقاء النصف العلوي ثابتاً حفاظاً على الماء المترعة به الاواني الموضوعة فوق رؤوسهن ، يفصل بينه وبين عظام الرأس (الوقاء) .فيترنح النصف الاسفل بايقاع آخر مختلف ، فتزداد سرعة الورك بقذف نفسه إلى خارج الجسد يميناً وشمالاً ، وتتحرك الساقان بالايقاع نفسه ، وكأنهن لا يحركن سوى الساقين والوركين في سباق مشي لا ينتهي الا عند بيوتهن ، فيدخلن الازقة ، وقد تبللت الاثواب من ماء ينساب من فوهات الاواني ، لينزل على الجباه المكتحلة والشفاه المصبوغة بلون (الديرم) . فينساب الكحل الرخيص من بين المآقي على الخدود . فينزل خطاً اسودَ . يُحاذرن على مسحه بأكمام اثوابهن . ينزل البلل إلى الصدور المزدانة بزهرات كبيرات رُسمت على قماش الثوب الذي يتعمدن أن يكون ضيقاً عند هذه المنطقة . فيشترك الماء باظهار مفاتن الجسد الذي يضج له الناظر من شباب الشاكرية ؛ عجباً وتأوهاً . فينساب إلى منطقة البطن ، ليتوقف عند حزام وسطهن . فيشارك الجسد رغبة البوح بمفاتنه.
بصمت الشفاه ، ولغة العيون ، وعض الشفة السفلى ، وحركة الرأس المتباطئة إلى يمين وشمال ، واطلاق حسرة تطول حتى انتهاء حركة الرأس . يتغنى بعض منهم ، بانشاد معروف ، وبقصد معروف ايضاً ، مظهراً براءة الغناء :
_ (( لعنه على الوداج للمي تترسين...)).
تلتفت احداهن وبانفعال واضح تجيب بغضب:
_ ((لعنه على امك وابوك...)).
وقبل ان تكمل شتائمها ، ينسل الفتيان خجلاً من المكان ، في حركة أقرب إلى الهرب ، في انتظار جولة جديدة من ذهاب واياب إلى الماء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا


.. ياحلاوة شعرها تسلم عيون اللي خطب?? يا أبو اللبايش ياقصب من ف




.. الإسكندرانية ييجو هنا?? فرقة فلكلوريتا غنوا لعروسة البحر??