الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفتنة الطائفية في‮ ‬العراق

عبدالرزاق الصافي

2006 / 5 / 20
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لقد كان مرعبا ما اعلنه الرئيس جلال طالباني‮ ‬الاسبوع الماضي‮ ‬من ان ضحايا العنف الطائفي،‮ ‬والقتل على الهوية بلغ‮ ‬عددهم في‮ ‬الشهر الماضي،‮ ‬وفي‮ ‬بغداد وحدها ما‮ ‬يزيد على الالف ضحية‮!‬
ولم‮ ‬يقتصر انتماء الضحايا على طائفة واحدة،‮ ‬سواء كانوا من الشيعة او السنة،‮ ‬ولم‮ ‬يخلُ‮ ‬هذا العدد من ضحايا قتلوا،‮ ‬او اجبروا على ترك منازلهم في‮ ‬عمليات‮ »‬تطهير‮« ‬لمناطق واحياء على اساس سياسي،‮ ‬اذ أجبرت عوائل سنية على ترك مساكنها في‮ ‬مناطق اراد متطرفون سنة،‮ ‬من معادي‮ ‬العملية السياسية،‮ ‬جعلها مغلقة لهم‮.‬
وهذه ممارسة سبق للبعثيين ان قاموا بها في‮ ‬اوائل ستينات القرن الماضي‮ ‬تمهيداً‮ ‬لانقلابهم المشؤوم في‮ ٨ ‬فبراير ‮٣٦٩١ ‬ضد حكم الشهيد الزعيم عبدالكريم قاسم،‮ ‬في‮ ‬الموصل،‮ ‬وفي‮ ‬الاعظمية واماكن اخرى،‮ ‬وكانت‮ ‬يومذاك،‮ ‬اي‮ ‬ممارسة‮ »‬التطهير‮«‬،‮ ‬تتم على اساس سياسي‮ ‬صرف‮.‬
ان عوامل الاحتقان الطائفي‮ ‬حاليا في‮ ‬العراق ليست بنت اليوم فقط،‮ ‬اذ تمتد جذورها الى التمييز الطائفي‮ ‬الذي‮ ‬جرت ممارسته ضد الشيعة منذ قيام الدولة العراقية الحديثة في‮ ‬عشرينات القرن الماضي‮. ‬هذا التمييز الذي‮ ‬بلغ‮ ‬حدا كبيرا من البشاعة والشناعة في‮ ‬عهد نظام صدام الدكتاتوري‮ ‬المنهار‮. ‬اذ جرى تهجير مايزيد على النصف مليون شيعي‮ ‬من العرب والكرد الفيليين بذريعة التبعية الايرانية،‮ ‬وجرى الطعن بعروبة العرب منهم في‮ ‬اعقاب انتفاضة مارس عام ‮١٩٩١‬،‮ ‬وبلغت الوقاحة بجريدة بابل التي‮ ‬كان‮ ‬يديرها عدي‮ ‬صدام حسين ان اتهمتهم بانهم‮ »‬اولاد زنا‮«.‬
وكان من الممكن ان تطوى صفحة التمييز الطائفي،‮ ‬وان‮ ‬يتم تغليب الانتماء الوطني‮ ‬العام لولا ما دأبت عليه الادارة الامريكية،‮ ‬قبل اسقاط نظام صدام حسين وبعده،‮ ‬على تصنيف العراقيين على اساس انهم سنة وشيعة واكراد‮!‬
هذا التصنيف الذي‮ ‬لم تتصد له‮ ‬غالبية القوى التي‮ ‬انخرطت في‮ ‬العملية السياسية السلمية لبناء العراق الجديد،‮ ‬مع الاسف الشديد،‮ ‬شيعة وسنة واكراد‮.‬
وعلى اساس هذا التصنيف،‮ ‬وانطلاقا منه،‮ ‬جرى تشكيل مجلس الحكم الانتقالي‮ ‬المنحل،‮ ‬والحكومتين اللتين تشكلتا بعده،‮ ‬والانتخابات التي‮ ‬جرت في‮ ٠٣/١/٥٠٠٢ ‬و‮٥١/٢١/٥٠٠٢.‬
وقد استثار بروز الاحزاب الشيعية على ساحة العمل السياسي‮ ‬وفي‮ ‬الحكومة،‮ ‬بقوة،‮ ‬ردود فعل لاتتسم بالحكمة وبعد النظر من قبل بعض الاوساط العربية السنية النافذة،‮ ‬حكومية وشعبية،‮ ‬في‮ ‬الداخل والخارج،‮ ‬متناسين ان هذا البروز هو نتيجة طبيعية لزوال كابوس النظام الدكتاتوري،‮ ‬مما عانته القوى الديمقراطية العلمانية،‮ ‬التي‮ ‬ترفض التصنيف الطائفي،‮ ‬في‮ ‬ظل ذلك الكابوس‮.‬
مما زاد الطين بله ان الارهابيين والتكفيريين وانصار النظام المنهار،‮ ‬الذين‮ ‬يعادون العملية السياسية السلمية،‮ ‬ولا‮ ‬يريدون للشعب العراقي‮ ‬ان‮ ‬يتمتع بحقوقه الديمقراطية،‮ ‬ويقيم النظام الديمقراطي‮ ‬الاتحادي‮ ‬في‮ ‬العراق،‮ ‬كل من منطلقه الخاص،‮ ‬عمدوا الى تسعير الصراعات الطائفية‮. ‬فالارهابي‮ ‬ابومصعب الزرقاوي‮ ‬اعلن‮ »‬الحرب على الشيعة‮«‬،‮ ‬وعمد هو والتكفيريون الى القتل على اساس الهوية‮.‬
وسعى انصار النظام السابق للاستفادة من ذلك،‮ ‬ومدوا لهم‮ ‬يد المساعدة بأمل تحقيق حلمهم العصفوري‮ ‬بالعودة الى الحكم‮.‬
ولما لم تفلح اعمالهم التخريبية والارهابية في‮ ‬اثارة الفتنة الطائفية في‮ ‬العراق،‮ ‬عمدوا الى ارتكاب جريمتهم الكبرى في‮ ‬تفجير مرقد الامامين العسكريين‮ »‬عليهما السلام‮« ‬في‮ ‬سامراء‮. ‬هذه الجريمة التي‮ ‬استنكرتها كل الاوساط العراقية سنية وشيعية وغيرها‮. ‬وتخلف عن ابداء الاستنكار لها من‮ ‬يزعمون انهم‮ »‬مقاومون للاحتلال‮«!‬
ولم تخل ردود بعض الاوساط الشيعية،‮ ‬ذات الوعي‮ ‬المتدني،‮ ‬من ممارسات منكرة ضد بعض المساجد والجوامع السنية هذه الممارسات التي‮ ‬زادت الاحتقان الطائفي‮.‬
وجرى استغلال حالة الفلتان الامني،‮ ‬والفراغ‮ ‬السياسي‮ ‬الناجم عن تعثر عملية تشكيل حكومة الوحدة الوطنية،‮ ‬التي‮ ‬ينشدها‮ »‬الشعب‮« ‬من قبل الارهابيين والتكفيريين وانصار النظام السابق،‮ ‬والمتطرفين الجهلة في‮ ‬الطائفتين لمواصلة اعمال الارهاب والتخريب والقتل على الهوية،‮ ‬فكانت هذه النتيجة المكربة،‮ ‬وهي‮ ‬سقوط ما‮ ‬يزيد على الالف ضحية في‮ ‬شهر واحد،‮ ‬وفي‮ ‬بغداد وحدها‮!‬
ان هذا الواقع المؤلم‮ ‬يلقي‮ ‬على النخب السياسية،‮ ‬وخصوصاً‮ ‬تلك التي‮ ‬فازت بغالبية المقاعد في‮ ‬المجلس النيابي،‮ ‬مسؤولية الارتفاع الى مستوى الحدث،‮ ‬والاسراع في‮ ‬تشكيل حكومة الوحدة الوطنية وتعبئة كل الجهود من اجل استعادة الامن والاستقرار،‮ ‬بوضع حد لاعمال الارهاب والتخريب والتطهير الطائفي‮ ‬والقتل على الهوية وتجنيب الوطن والشعب الكارثة المحرقة‮.‬
وينبغي‮ ‬ان تسهم في‮ ‬التصدي‮ ‬لهذه الممارسات،‮ ‬بحزم اكبر،‮ ‬المراجع الدينية،‮ ‬شيعية وسنية،‮ ‬والمثقفون والصحف الوطنية،‮ ‬وكل من‮ ‬يعز عليه أمن الوطن والمواطن،‮ ‬ومستقبل العراق‮.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الزمالك المصري ونهضة بركان المغربي في إياب نهائي كأس الاتحاد


.. كيف ستواجه الحكومة الإسرائيلية الانقسامات الداخلية؟ وما موقف




.. وسائل الإعلام الإسرائيلية تسلط الضوء على معارك جباليا وقدرات


.. الدوري الألماني.. تشابي ألونزو يقود ليفركوزن لفوز تاريخي محل




.. فرنسا.. مظاهرة في ذكرى النكبة الفلسطينية تندد بالحرب الإسرائ