الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قوى اليسار وتأثيرها في صمع التغيير

صادق محمد عبدالكريم الدبش

2019 / 10 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


قوى اليسار وتأثيرها في صنع التغيير .
ربما قائل يقول بأن هناك ازدواجية وقصور في الرؤيا لدى قوى اليسار وتأثيرها في دفع عملية التغيير المراد خلقه في عراق اليوم ، أو عدم توفر أدوات التغيير الضرورية في الوقت الحاضر أو هكذا يعتقد البعض .
ربما ينتظر البعض حتى تأذن الظروف بظهور منظومة فكرية وسياسية وتنظيمية ، كضرورة تحتم قيام هذا المخاض وحدوث هذه الولادة !..
وسيحل نظام جديد وبرؤية جديدة ومختلفة تماما عن النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي والفكري القائم اليوم ، الذي أصبح معوق لحركة المجتمع وتطوره وتقدمه ورخائه .
هناك أراء شتى ما زالت تدور في دائرة الشك ، في غياب إمكانية خلق التغيير ، وربما حتى المراوحة والتراجع الى الخلف ، لأسباب موضوعية وذاتية لقوى اليسار ، أو هكذا يعتقد البعض ، وقد يقول بأننا تحتاج الى أدوات لتحريك الساكن وإخراج ( الحياة ) من قمقمها أو من الغرف الحديدية المقفلة عليها بإحكام من قبل النظام القائم اليوم !..,
قد يكون ما ذكرناه يشكل جزء من الحقيقة ، أو نصف الكأس المليان حسب رؤية البعض وقد أكون أُخالفهم الرأي !..
فأنا ومن دون تردد أقول بأن شعبنا وجماهيرنا قد تطور وعيها وعظمة شكيمتها وصلب عودها ، واليوم أمست قادرة على تحديد طريقها وبوصلتها ، وستصنع التغيير مهما كبرت التضحيات وتكالب عليها الأعداء والتدخلات ، الرامية لإعاقة شعبنا من تحقيق أهدافه في الرخاء والنماء والأمن والسلام والعيش الكريم .
لا شك أن هناك تراجع واضح وبين ، في تدني وعي المجتمع العراقي بشكل عام وقوى اليسار بشكل خاص من وجهة نظري ، وضعف في التنظيم والعمل الجمعي ، والتشرذم والتشتت الحاصل في هذه القوى ، وقلة الحيلة والمبادرة والابداع في فنون البحث والتطوير بروح العمل الجماعي ووحدة الإرادة ، وعدم الترويض والتمرس والتعلم في مواجهة التقلبات والمتغيرات السياسية ، وتأثير تلك المتغيرات السريعة والمفاجئة ، في موازين القوى والاصطفاف الفكري والسياسي ، وتأثر القاعدة الاجتماعية المتحركة يمينا ويسارا ، والتباين والتشرذم في الطبقات الاجتماعية نفسها نتيجة تأثير أُسلوب الإنتاج ، وغياب شكل محدد ( للدولة ! ) للعملية الإنتاجية وإدارة الاقتصاد لإنتاج الخيرات المادية في المجتمع [ بمعنى نوع الاقتصاد في العراق !.. هل اشتراكي ؟.. أو رأسمالي .. أو مختلط ؟.. لا وجود لنمط محدد ولا رؤية للنظام السياسي واضحة المعالم ] .
ولا يعدوا كونه اقتصاد ريعي يعتمد بشكل شبه كامل على تصدير النفط وبيعه في الأسواق العالمية ، وصرف جزء يسير منه لإدارة شؤون البلاد والباقي يدخل في جيوب الفاسدين .
الاقتصاد تهيمن على إدارته شرائح طفيلية ، نشأت من رحم الفساد ومن رحم الإسلام السياسي ، هذه الشريحة لا تفقه شيء في إدارة الاقتصاد ولا إدارة ( الدولة ) فدمرت الاقتصاد والدولة معا ، وسيادة الارتجالية في التخطيط والبرمجة الاقتصادية بفعل ورد فعل ، وظهور بدل ذلك كما ذكرنا الشرائح الطفيلية واللصوصية السارقة ، التي أسهمت بشكل كبير في تكريس فلسفة ونهج النظام السياسي الفاسد ، والطبيعة الفكرية والطبقية والسياسية المتخلفة لهذه القوى الحاكمة الفاسدة والطائفية .
اليوم الكثير من القوى السياسية العاملة والمؤثرة في المشهد السياسي العراقي ، ربما تكون قد فقدت طابعها الفكري والطبقي وهويتها الوطنية ، وتعمل من دون هدى ومن دون بوصلة .
وهذه تنسحب على الأغلبية الساحقة من الأحزاب والمنظمات والجمعيات وحتى على منظمات المجتمع المدني ، كرؤيا محددة وأهداف واضحة المعالم !.. فتأثرت بشكل بالغ نتيجة غياب الدولة والقانون والنظام .
الهيئات القيادية والكوادر الوسطية لهذه الأحزاب هي الأخرى نتيجة لما بيناه ، تأثرت في الكم والكيف ، وفي الوعي والثقافة والالتزام والطاعة الحزبية الواعية ، وعزوف قواعد هذه الأحزاب وجماهيرها أو لنقل أغلبها عن العمل السياسي والمشاركة الفاعلة بشكل عام .
لا شك إن الحروب الطاحنة والحصار والاحتلال والمنظمات الإرهابية داعش والقاعدة والجريمة المنظمة والمخدرات والميليشيات الطائفية والسلاح المنفلت ، والدكتاتورية والقمع والعنف وغياب الأمن ، وغياب الديمقراطية والحريات والحقوق ، وسيادة المحاصصة والطائفية السياسية والعرقية والتمييز على أساس المنطقة والعشيرة .
هذه وغيرها قد أثر سلبا على عملية التجديد لدماء شبابية في الهيكل الهرمي والأفقي للقوى السياسية العراقية بشكل عام ولقوى اليسار بشكل خاص .
أضحت بعض من قوى اليسار ، أفراد وجماعات غير فاعلة ومؤثرة في المشهد السياسي ، وكأنهم ، ينتظرون وقوع الحدث من دون أن يكون لهم دور في صنعه ، وأعتقد بأن سبب ذلك هو الافتقار الى الخبرة والتجربة في العمل السياسي ، نتيجة الانقطاع الطويل عن طلائع القوى السياسية نتيجة الدكتاتورية والقمع والقتل وهجرة الألاف من قادتهم وكوادرهم المجربة خارج الوطن ، فأثر سلبا على نشاط وتوسع قاعدة قوى اليسار ، فضعف تأثير هذه القوى في المشهد السياسي وتفاعل والتصاق الجماهير بها .
أعتقد بأن أمام قوى اليسار عمل كبير واستثنائي ، للارتقاء بتنظيماتها الى مواقع أكبر وأقرب الى الحس الجماهيري ، وتحتاج الى خطاب اعلامي مختلف وإمكانات مادية ومعنوية لتتقرب أكثر من جماهيرهم ، ويحتاجون الى تنشيط عمل الكوادر الوسطية والميدانية والمنظمات الديمقراطية والمهنية ، والتمرس على مختلف الأنشطة الاجتماعية والسياسية والفكرية ، لمواكبة الأحداث والتطورات العاصفة التي ربما ستحدث بشكل مفاجئ .
لتجاوز هذا الواقع المرير , فما على قوى اليسار إلا أن يسارعوا الى الجلوس وراء طاولة واحدة والبحث عن المشتركات ، وترك كل ما يحول دون الاتفاق على القواسم المشتركة التي تساهم وبشكل حقيقي على الاتفاق على برنامج عمل طموح وقابل للتحقيق وللحياة ، وتحديد الأهداف المراد تحقيقها وهذا ليس بمستحيل .
حتى ترتقي قوى اليسار وتأخذ موقعها الطبيعي في أوساط الجماهير وتتصدر نضالاتها ، يجب أن تمتلك حد أدنى من الحدس والحس الثوريين ، والخبرة الفكرية والثقافية والتنظيمية ، تؤهل أعضائهم وكوادرهم للتفاعل مع الواقع وما يستجد في المستقبل ، وأن لا يغيب ذلك عن أذهانهم وبرامجهم .
على القوى الديمقراطية والتقدمية ، قراءة المشهد السياسي وتقلباته بعناية ، ولفهم ما يحدث من تغيير مرتقب ، وربما يكون قد غاب عن ذهن اليسار أو البعض منهم هذا بعض الوقت ، وعدم توقع حدوث تلك التطورات السياسية والاجتماعية .
ويكون معلوم ومفهوم للجميع بأن المسار السياسي ، لا يسير بخط بياني واضح ومحسوس ومباشر ، بل العكس ربما يحدث التغيير وبشكل مفاجئ ومن دون إشعار كما هو الزلزال .
يجب أن تكون هذه القوى مستعدة لأي تغيير ، وتعي الطريق والأُسلوب المناسب في التعامل مع الحدث ، ونحن مقبلون على أحداث وتقلبات ربما ستكون عاصفة .
وفي جانب أخر.. كوننا قوى تساند وتدعم قوى اليسار ، فالواجب يحتم علينا أن نكون منصفين وموضوعيين ، ولا نصدر رؤى وتعليلات وتفسيرات غير واقعية وتعجيزية أحيانا أخرى ، فقد نقع نتيجة التسرع في مطبات ، ناجمة عن القصور في الرؤيا ، وربما فيه شيء من المغالاة بصواب رؤيتنا وتصوراتنا .
وعلينا تفهم ما تتعرض إليه قوى اليسار من ضغوط ، ومحاولات الحط من مكانتها والتقليل من شأنها وأهميتها ، التي يمارسه خصومهم السياسيين .
وعلى الخيرين من بنات وأبناء شعبنا دعم قوى اليسار ومساندتها وبكل ما أُتينا من قوة .
إن تأثير الخصوم السياسيين على قوى اليسار غير قليل ، وما تستخدمه من أدوات التأثير الإعلامية والمال السياسي المسروق، وسطوتهم على مؤسسات الدولة ووقوف المؤسسة الدينية والمنابر الدينية واستغلال الشعائر الحسينية لإضفاء شرعيتهم وهيمنتهم ، لتظليل الناس بأُسلوب الخداع والكذب ، وتحريضهم ضد قوى اليسار ، لا شك بأن لكل ذلك تأثيره السلبي على موقف الجماهير من قوى اليسار وإن كان حتى حين .
أعتقد بأن هذا التأثير والتظليل والكذب الذي مارسته قوى الإسلام السياسي وما زالت ، والمتحالفين معهم من الرجعيين والطفيلين ، بدأ يتقلص الى حد بعيد ، وما شاهدناه في الفاتح من أُكتوبر وانتفاضة شعبنا والشعارات التي رفعت والتي تدين بشكل كبير هذا النظام وأحزابه الفاسدة ، وحتى ما سبق انتفاضة أُكتوبر من 2011م وحتى اليوم كلها كانت تفضح سلوك ونهج هذا النظام وأحزابه الفاسدة .
هذه الصورة وغيرها تشير ، بإن عرس الإسلام السياسي وشهر عسلهم قد انقلب الى شهر بصل !.. فوهنت قوتهم وضاقة حيلتهم ، واليوم يشعرون بالحرج والحزن نتيجة لفظ الشعب لهم ، وكفة الميزان تميل اليوم لكفة الشعب والملايين الساعية للغد السعيد .
والصورة القديمة وسبب ضعف اليسار وفاعليته ، تعود الى الحقبة المظلمة من التأريخ العراقي وتراكماته وما حدث بعد الاحتلال ، والذي أدى الى تدني وعي وثقافة ونشاط الفرد والجماعة لدى قوى اليسار بمجمله ، إلا من رحم ربي ، وينسحب ذلك على من هم خارج قوى اليسار والقريبين منهم ، وكما بينا فإن هذه القوى عليها أن تعمل جاهدة الى رفع وعي وكفاءة وأداء هذه الأحزاب والمنظمات وكوادرها .
لو قيض لقوى اليسار أن تتوحد ، وتعالج ما يعيق عملها ونشاطها من معوقات وموانع ، وبرؤيا متبصرة وعمل دؤوب متواصل وتعاون مشترك ، وتأمين الظروف لتجاوز تلك المعوقات ، لأصبحت قاعدة اليسار أوسع وأكبر وأكثر تأثير على شرائح وطبقات وفئات المجتمع العراقي ، وسيتضاعف عدد الجماهير التي تقف معها وتساندها وتعزز من رصيدها ، إن أرسلت الى هذه الملايين الاطمئنان ، بأن قوى اليسار ما زالت بخير وعافية وثبات ، وتقف بكل قوة مع الشعب ومع نضالاته وتتصدر تلك النضالات كما كانت وما زالت على نفس الطريق تسير ، للانتصار لهموم الناس ولتطلعاتهم وأـمالهم في العيش الكريم .
وحدة اليسار شيء لابد منه ولا غنى لنا عن ذلك أبدا .
تقدم وتطور ونجاح قوى اليسار مرهون بوحدته وتعاونه وتماسكه ، ومن دون ذلك فلا حديث عن ثقل ووزن واتساع لقاعدته وتأثيره أبدا .
بوحدة وتعاون قوى اليسار ، ستتوفر العوامل الأخرى ، وسيكون بمقدورها خلق قاعدة عريضة قوية راسخة ، تتناغم مع أهداف وتطلعات كل فصائل وقوى اليسار ، والتي تتناغم كذلك مع نبض الشارع وحركة الشعب الديمقراطية .
وستكون هذه القوى قادرة على صنع ما عجزت عن القيام به ، كل القوى السياسية الأخرى وحكوماتها ، في سعيهم لقيام الدولة الديمقراطية العادلة ، دولة المواطنة والدستور والعدالة والقانون .
صادق محمد عبدالكريم الدبش
20/10/2019 م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصعيد لهجة خطاب القادة الأوروبيين حيال إسرائيل في قمة بروكسل


.. شاهد كيف ستختلف المناظرة الرئاسية بين بايدن وترامب عن 2020




.. تدريبات إسرائيلية تحاكي حربا على أرض لبنان.. وأميركا تحذر مو


.. رغم تهديد بايدن.. شحنات سلاح أميركية في الطريق لإسرائيل




.. في ظل شبح ترامب.. صناديق الاقتراع في إيران تستعد لتقول كلمته