الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
رواية الخائفون لديما ونوس: حين يصير الخوف أسلوب حياة!
كادي حكمت
2019 / 10 / 22الادب والفن
في عيادةِ " كميل " حيثُ الجميعُ يبحثونَ عن طوقِ النجاةِ والقشةِ التي سيتعلقونَ بها خشيةَ الغرقِ في خوفهم وهلعهم وقلقهم ، تبدأُ " سليمى " سردَ الحكايةِ . وفي المكانِ ذاتهِ تتعرفُ على " نسيم " الشابُ ذو العضلاتِ المفتولةِ والعظامِ البارزةِ - كما تصفهُ - والذي لا يقلُ حاجةً للعلاجِ عنها وعن الآخرين . العيادةُ لم تكنْ قبل 2011 مكتظةً كما هي الآنَ - كما تُخبرنا الروايةُ - إنما زادَ عددُ المرضى وتضاعفَ ، فصارَ البعضُ يضطرُ للجلوسِ على الدَّرجِ وأحياناً ، الوقوفَ إلى أنْ يحينَ دورهُ . حتى " كميل " - الطبيبُ النفسي - نفسهُ صارَ أكثرَ تعباً وقلقاً .
" أنظرُ إلى كميلَ ، فألمحُ التعبَ محفوراً على تجاعيدِ وجههِ ، وأقولُ في سري إنّهُ للمرةِ الأولى في حياتهِ يعيشُ معنا ، نحنُ الخائفون المهلوجون والممزقون ، وحدةُ حالٍ ! باتَ مثلنا ! يعاني ما نعانيهِ ، يخافُ مِنْ القذائفِ ومِنْ الموتِ ..."
تحكي روايةُ ( الخائفون ) حكايةَ الأنظمةِ التي تزرعُ الخوفَ وترويهِ وتغذيهِ وتعززهُ وتتاجرُ بهِ وتراهنُ على فاعليتهِ في استمرارها وبقائها وإحكامِ سيطرتها على شعوبِها . تلكَ الشعوبُ التي تزرحُ تحتَ وطأَةِ الاستبدادِ والقمعِ " والخوفِ من الخوفِ " في بلدانٍ ، قد يؤدي فيها الحديثُ عن الحريةِ أو التفكيرِ بنقدِ النظامِ إلى عواقبَ وخيمةٍ قد تنتهي إلى معتقلاتٍ مرعبةٍ ، تفتقرُ لأدنى حدودِ الإحترامِ لحقوقِ الحيوانِ .
" اعتقلوا نسيمَ ...جرجروهُ إلى فرعِ ( الموت والجنون ) . أَمضى فيهِ نسيمُ مع تسعين معتقلاً أخرين . كانَ مِنْ المستحيلِ رفعَ الأيدي إلى الأعلى لشدةِ التصاقهم بعضهم ببعضٍ ."
لا ينحصرُ العنفُ في دولةِ الديكتاتورِ بالشكلِّ العمودي التقليدي ؛ أَي من صاحبِ السُّلطةِ نزولاً إِلى المحكومِ فحسب ، بل يأخذُ - حينَ تِعمُّ الفوضى - شكلهُ الأُفقي أيضاً ، فالشعبُ أو المحكومُ عنيفٌ ضدَّ نفسهِ ." كتبتْ ابنةُ عمتي رسالةً تقولُ لي : " لا أتمنى أنْ يقتلوا أُمكِ السُنية ، بل أتمنى أنْ يغتصبوكِ أَمامَ عينيها ويذبحوكِ ، لتعيشَ حياتها مُعذبةً . " تُؤجَجُ أسبابُ الفتنِ في وقتِ الحربِ وتسهلُ إحكامَ السيطرةِ واستمرارُ السيادةِ والبقاءِ . إنّها الشعوبُ التي يظنُ أفرادهُا أَنهم بوعي أو دونَ وعي يعملونَ لمصلحةِ سيفِ الديكتاتورِ المُسلطِّ على أَعناقهم جميعاً .
زمنياً تمتدُ الروايةُ على مدى خمسةٍ وعشرينَ عاماً ؛ منذُ طفولةِ الكاتبةِ ( من خلالِ الفلاش باك ) حتى مرحلةِ ما بعدَّ الثورةِ السوريةِ وهجرةِ السوريين القسريةِ واللجوءِ إلى لبنانَ ودولِ الجوارِ والعالمِ .
أَمّا مكانياً ؛ فهيَ مقسمةٌ بينَ حماةَ ودمشقَ ولبنانَ ، حيثُ استقرتْ ونوسُ ، وصارتْ تعودُ بزياراتٍ قليلةٍ إلى دمشقَ بعدَّ الثورةِ . أمّا عنْ الحِبكةِ فيبدو كلَّ ما يتعلقُ بها من أَحداثٍ ، ضبابياً ومفككاً وبلا تسلسلٍ مقنعٍ أو واضحٍ ، فالقارئُ يضيعُ بينَ ما هو حقيقيٌ وما هو خيالٌ وهلوساتٌ وأحلامٌ ، يبتعدُ بذلكَ بلا وعي عن الأحداثِ والاندماجِ معها . وكأنها روايةٌ تحكي قصةَ الخوفِ والقلقِ والاضطرابِ الذي يتطورُ ليصلَ حدوداً أَقربُ للجنونِ والمرضِ النفسي منها لأَي شيءٍ آخر .
فالبطلةُ تسيطرُ على نوباتِ الهَلعِ التي تُصيبها من خلالِ " الزانكس " ونسيمٌ يصفعُ خديهِ دونَ رحمةٍ بعدَ أنْ فقدَ أُمهُ وأخواتهُ بعدَ قصفِ منزلهم ، وأُمُّ البطلةِ تمضي وقتها بالتحديقِ في الصفحةِ ( 24 ) بعدَ أنْ اختفى فؤادٌ ابنها .
قد يشفعُ للكاتبةِ أحياناً ، غرقُ المنطقةِ العربيةِ ( سوريا خصوصاً ) بالصراعِ الطائفي وبالواقعِ ، ومِن البديهي أنَّ الكاتبَ الحقيقي هو ابنُ واقعهِ ومُجسِّدهِ في أعمالهِ ، ولكنْ أن يلمسَ القارئُ بالمقابلِ تعصبَ وطائفيةَ الكاتبِ هو ما سبجعلنا نأَخذُ على روايةٍ مأخذنا . فمهمةُ الكاتبِ والمثقفِ التي قدْ لا يختلفُ عليها اثنانِ منا ، هي الدعوةُ للمحبةِ والسلامِ والتسامحِ والرحمةِ ، لا الدعوةُ إلى التعصبِ وردِّ العنفِ بمثلهِ ، إنَّ الخطابَ الإنسانيَ العقلانيَ هو الخطابُ المطلوبُ والمرغوبُ والأهم .
لعلَّ هذا المأخذُ سيجعلنا نتوقفُ طويلاً لنفكرَ ما الذي جعلَ روايةً ترسخُ الفكرَ الطائفي ، وتنتصرُ للعداءِ والكراهيةِ وهي واحدةٌ من رواياتِ القائمةِ الطويلةِ للبوكر ؟!
أما ما يحسبُ لونوس في هذهِ الروايةِ فهي لغتها الجيدةُ المحملةُ بصدقِ المعاناةِ على المستوى الخاصِ والعامِ . إضافةً إلى تجنبها وصفَ المَشاهدِ العنيفةِ ، ولعلَّ ذلكَ شعوراً وتعاطفاً منها مع القارئ العربي ، الذي يحيطُ العنفَ من كلِّ ناحيةٍ . أو لعلها كانتْ أذكى من أنْ تقعَ في فخِ الانشغالِ بوصفِ تلكَ المشاهدِ ثمَّ الإخفاقَ في إيصالِ الصورةِ الحقيقةِ لمعاناةِ الشعبِ وضحايا الصراعِ وفظاعةِ المعتقلاتِ . في النهايةِ ؛ العنفُ ليسَ موضوعُ روايةِ ونوس ، بل ما نتجَ عنهُ من خوفٍ تأصلَ في نفسِ الشعبِ السوري ، كرمزٍ للشعوبِ القابعةِ تحتَ حكمِ الديكتاتورِ على مدى عصورٍ وسنواتٍ طويلةٍ ...
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض
.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب
.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع
.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة
.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟