الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علمٌ حاضر وصورةٌ غائبة (٢)

مهند طلال الاخرس

2019 / 10 / 23
سيرة ذاتية


قبل ان يغادرنا ذالك النهار الذي حمل في احضانه غبار اسلو وما انتجه ذلك الاتفاق تحضرني ذكريات ومواقف ونصوص عديدة لاصدقاء واخوة اعزاء ورفاف درب ومسيرة، منهم من فارق الحياة، ومنهم من فارق ما اعتقد، ومنهم ورغم تبدل الظروف والمعطيات مابدلوا تبديلا.

اجمل هذه المواقف والتي ما زالت تعلق بذاكرتي ترتبط بذكريات المدرسة والعمل الوطني بها؛ ففي ذلك اليوم قُرع جرس الفورسة في ثانوية البقعة للبنين حيث ندرس، وخرجنا على مهل نشتري ما يسمح به مصروفنا لذلك اليوم، فصادفت صديقا معروفا لدى القاصي والداني في المخيم-ابو جنيد- وكان مجرد تواجده في ذلك المكان والتوقيت مدعاة للشبهة والريبة هذا عداك عن ملاحقته من قبل " الفوكس" واعوانها وعيونها، فتنبهت للموضوع سريعا، فذهبت اليه وغمزت له بعيوني كي ينتبه لما يجري من حوله ولمن يرّقُبه ويُراقِبُه، فناداني بغير اسمي فتنبهت للامر سريعا، واخبرني امام الجميع وبصوت مكسور ومبكي وبحرقة" بأنهم باعوا فلسطين" اقتربت منه اكثر والعيون تلاحقني، ربتُ على كتفيه ووضعت يدي بيديه وسرنا بمحاذاة سور المدرسة، ورويدا رويدا غابت خطواتنا على الطريق الى ان وصلنا الى المستنبت" المركز الوطني للبحوث الزراعية"، وطلبت منه اخباري بما حدث بالتفصيل، فأخبرني بأن مراسم توقيع اتفاق اوسلو ستجري هذا اليوم، وانه لا بد للمخيم والقوى الوطنية من موقف حيال ذلك الامر الجلل..

تفهمت الامر سريعا وطلبت منه ان نعود ادراجنا الى المدرسة والتي كان طلابها قد انتظموا في طابور الفورسة متجهزين للعودة الى الصفوف...

وصلنا الباب وجدنا الاستاذ المناوب والمدير ورهط اخر من المعلمين ترقبهم وترقب المدرسة عيون العسس وتراقب الجميع سيارات الامن...

وصلت باب المدرسة مشحونا ومعبئاً وبقلب يكاد ان ينفجر من الغضب، منظر واحد اشعرني بالحسرة والانكسار وانعدام اليد والحيلة، كان كافيا حجم هذا الانكسار الذي ارى لاخرج عن المالوف وابدا ما يتخوف منه الجميع.

توجهت نحو المعلم المناوب وامسكت العصا التي كانت بيده والتي يستقوي بها احيانا ويمزح بها احيانا اخرى وقلت له: هذه العصا ليست لمن عصى إنها لمن طغى، واكملت بقولي اتستطيع ان ترفع عليها علم فلسطين، لم يُجبني وطلب مني الالتحاق بالطابور حرصا عليّ من الاعين التي ترقُبُني ومن الخطوات التي تلاحقني..

اجبته بعصبية: ذهب الذين نحبهم وذهبت معهم فلسطين، وذهب ذلك الوقت الذي كنا فيه نخاف، وانتزعت العصا من يديه بحركة خاطفة وسحبت من جيبي علم فلسطين والذي كان لا يغادرها إلاّ يوم الجمعة؛ حيث يذهب البنطال الى الغسيل واذهب انا الى سوق الجمعة؛ حيث المرزوقي وسوق الكتب القديمة، والخردوات والانتيكا، وكثير من الذكريات التي تخلى عنها اصحابها واخذت طريقها على ارصفة الطرقات.

بسرعة خاطفة، وفي حركة واحدة وبثواني معدودة، ادخلت العصا في مقبض العلم، وهممت برفعه، واذا بي ارتفع فوق اكتاف الطلاب انا والعلم، وحينها وجدت كل المدرسة تُعيد من خلفي الهتاف الذي انطلق من حنجرتي "وحد صفك وحد صفك" وانطلقت الجموع واصبحت انا والعلم تتناقلنا الاكتاف..

يتبع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الأميركي: دمرنا محطة تحكم و7 مسيرات للحوثيين في اليمن


.. درجات الحرارة بالعراق تتجاوز الـ50 والمختصون يحذرون من الأسو




.. ما آخر تطورات العملية العسكرية بحي الشجاعية شمال غزة؟


.. رقعة| تدمير الحي الإداري برفح نتيجة العدوان الإسرائيلي على غ




.. وزارة الداخلية الإيرانية تعلن التوجه إلى جولة ثانية من الانت