الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضرورة صناعة طبقة وسطى من حيث الدخل في العراق

جاسم المعموري

2019 / 10 / 24
الادارة و الاقتصاد


مازال النظام العراقي بكل رموزه ودوائره ومؤسساته يعيش في فوضى عارمة ، وفساد لا نظير له ، وفقدان للامن والخدمات وتفشي الرشوة وسوء الادارة ، والاستهتار بالقوانين بسبب ارتباك النظام وخوفه ، وعدم إستقلالية القضاء ، وعدم انضباط الجيش والقوات الأمنية ، وكثرة المليشيات ، وتجييش العشائر حتى أصبحت وكأنها دول داخل دولة ، الى اخره من الفوضى العارمة في كل شيء ، حتى على المستوى الاجتماعي ، فاصبح المجتمع تحكمه قوانين الغاب ، يقتل بعضه بعضا ، ويسرق وينهب ويغش ويكذب ويزور ، ويعتدي على جميع الحرمات ، ولا يوجد قانون او عرف او خلق الا وخالفه بامتياز ، حتى قوانين المرور وأمثالها.
ولذلك - بالطبع - أسباب كثيرة لايمكن التفصيل فيها جميعا الان ، بل تحتاج الى بحوث مستقلة ودراسات علمية معمقة ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ، ما خلفه النظام البائد السابق من ظلم وفساد ودمار ، وما يمارسه اتباعه اليوم في دوائر الدولة ومؤسساتها من فساد وتدمير ، وذلك لتمويل نشاطاتهم وتحركاتهم ، ولتمويل الاٍرهاب والإعلام والدعاية الخاصة بهم ، وتمويل مشروعهم القديم والذي جاء معهم حينما جاءوا ، وهو تقسيط كل من يبرز في المجتمع حتى ولو لم يكن سياسيا ، بل حتى وان كان نشاطه لايضرهم في شيء ، لذلك نرى حملات التقسيط لجميع الشخصيات السياسية والاجتماعية والعلمية والدينية قايمة على قدم وساق ، وبشكل مكثف منذ سقوط ذلك النظام ، ،كل هذا من اجل إسقاط النظام الديمقراطي الحر الذي جاء بعدهم في العراق .
ولا يعني هذا اعفاء النظام الحالي من المسؤولية ، فرموز هذا النظام ومنذ الأيام الاولى لسقوط النظام البائد اتصفوا بالتردد والارتباك والخوف ، مما أدى الى تشجيع ازلام النظام البائد ليأخذوا دورهم الأساس في تدمير البلد والتحكم بثروات الشعب ، جنبا الى جنب مع احزاب النظام الجديد الحاكم وأدواتها المتعددة ، كما اتصف النظام الجديد بغباء بعض القيادات فيه ، ليلتقي مع الجهل العام الذي يغزو عقول وقلوب الكثيرين منذ ايّام الحصار الدولي على الشعب العراقي الذي استمر لأكثر من اثني عشر عاما ، مما أدى الى ندرة الوطنية الخالصة والاخلاق الرفيعة ، فساهم بشكل كبير في هذه الفوضى العارمة ، اما الطائفية والمناطقية والحزبية والعنصرية والعشائرية والمحاصصة السياسية وغيرها كالخصخصة المرتبكة والسريعة والمقتصرة على الأحزاب وزعمائها ، فحدث ولا حرج .
ان جميع الشعوب في العالم تناضل من اجل نيل العدالة ، لا من اجل الحصول على الديمقراطية والحريّة ، لأنهما بدون العدالة الاجتماعية خاصة لايمكن لهما ان يستمرا ، بل ان النظم السياسية لايمكن لها ان تستمر بدونها ، لانها الأساس القوي المتين الذي تقف عليه الديمقراطية والحريّة ، وهذا لعمري واضح لكل ذي بصيرة اذا نظر الى الدول الديمقراطية المتقدمة وعرف سر بقاء انظمتها الى اليوم .
ولكي نساهم في تسليط الضوء على مشاكل العراق الداخلية ونجد لها الحلول القابلة للتطبيق علينا ان نكون محايدين وموضوعيين ومنصفين ، وان نجتهد مخلصين من اجل الوصول - ولو - الى الحد الأدنى من العدالة ، عن طريق صناعة طبقة وسطى قوية من حيث الدخل تنهي بذلك حالة الفقر ولو بشكل جزئي ، حسب اعتقادي.
وإذا ارادت الطبقة الغنية ، تلك الطبقة التي صنعتها الحروب والمحاصصة والارهاب والفساد والفوضى ، ان تبقى غنية ، عليها إذن ان تساهم في صناعة الطبقة المتوسطة ، بل لكي يبقى النظام السياسي هذا قائما ، عليه ان يجد وسيلة لصناعة تلك الطبقة ، من خلال إيجاد فرص العمل لها لا لغيرها ، الا اذا توفرت للجميع ، وجباية الضرائب ، وإعادة توزيعها بطرق مختلفة على الطبقة الفقيرة ، ومن خلال محاربة الفساد ضمن اليات قانونية وطرق أمنية تكنولوجية متطورة وقادرة على كشف الفساد والفاسدين ، وإيجاد ارضية قوية لاستقطاب الشركات ورجال الاعمال للاستثمار في العراق وتيسير أعمالهم والغاء كافة المعوقات في طريقهم والقبول بشروطهم مهما كانت قاسية اذا كانوا قادرين على توفير فرص العمل ، والمساهمة في تعدد الدخل القومي للارتقاء باقتصاد البلد ، وهناك الكثير من الطرق الاخرى التي يطول الحديث بذكرها جميعا .
ولكي نعرف الفقراء من الأغنياء ، ونقوم بعملة فرز بينهم ، علينا إيجاد وسيلة صحيحة ومجرّبة في بلدان متقدمة ، واعتقد ان وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وبالتعارف مع بعض الوزارات الاخرى ، هي الانسب لدراسة هذا الامر ، وإعداد خطة حكيمة وسريعة وقابلة للتنفيذ ، كما اعتقد ان الكثير من الإمكانيات الفنية والتكنولوجية متوفرة اليوم في العراق للقيام بذلك بالتعاون مع المؤسسات الاخرى . ولا يتعدى الامر الحاجة الى استمارة الكترونية او ورقية ، يقوم من يدعي الفقر بملئها ، وعلى ضوء المعلومات الواردة فيها يتم مراجعة المؤسسات والدوائر ذات الصِّلة للتأكد من المعلومات ، وتحتوي هذه الاستمارة على الأغلب على المعلومات الشخصية ، كالارقام الوطنية لكل فرد من أفراد الاسرة ، وعنوان السكن ورقم الهاتف وعنوان الايميل ، وعددافراد الاسرة وأعمالهم وتحصيلهم الدراسي ، وان كانوا يعملون ام لا ، كما يطلب من المستفيد معلومات الملكية العقارية ان وجدت ، والمعلومات والمالية والمصرفية والقروض وغيرها .
وإذا أمكن انشاء فرق جوالة تبحث عن الفقراء في أحيائهم لاسيما احياء التجاوز ، والتاكد من حالتهم الاجتماعية والمادية ، فليس كل من في احياء التجاوز فقراء ، فمنهم من بنى عمارات وأسواق كبيرة تدر عليه الكثيرر من المال ، وهناك من يمتلك أمكنة متعددة يقوم يتاجيرها او بيعها او الاستفادة منها مستمرا على ذلك منذ سنين طويلة ، وأكاد اقسم لكم ان الفقراء لا يعرفون كيف يسرقون او يتجاوزون على الملك العام للدولة ، وإنما هم يشترون هذه البيوت من عصابات ومافيا التجاوز التي أصبحت في مصاف الأغنياء من أهل الاملاك والاموال الطائلة .
وبعد عملية الفرز تقوم الدولة بما يأتي :
1- منح البطاقة التموينية للفقراء حصرا ، فليس من المعقول ان يأخذ الغني كما يأخذ الفقير
2- على الدولة إصدار بطاقة صحية مجانية بالسرعة الممكنة ومنحها للفقراء حصرا
3- عدم فرض ضريبة على الفقير اذا بنى بيتا بعد سنين طويلة من العمل على ذلك ، بل يجب تشجيعه وإعطاءه منحة لاتقتل عن خمسة ملايين دينار .
4- توزيع الاراضي او المساكن والقروض والمنح للفقراء حصرا ، وليس إعطاء الغني أكثر من الفقير ، فلقد رأيت ان الدولة تمنح المدراء والأطباء والضباط من موظفي الدولة وغيرهم قطع أراض اكبر بكثير مما تمنح للموظف الفقير وصاحب الدخل المتدني ، بينما كان يجب ان يحدث العكس تماما ، بل كان يجب ان يكون للفقير حصرا دون سواه
5- منح قروض ميسرة لاصحاب المشاريع الصغيرة بعد تأهيلهم ، واُخرى للبناء بعد توزيع الاراضي
6- فرض ضرائب اعلى على الأغنياء واصحاب المشاريع الكبرى ، ومنها على سبيل المثال شركات الهاتف المحمول والإنترنت وغيرها ، او إجبارها على خفض أجورها لرداءة وتخلف خدماتها التي تقدمها للزبائن
7- تشريع قانون للإفلاس لمساعدة ذوي الدخل المحدود واصحاب الاعمال الحرة الصغيرة وحمايتهم من القانون عندما تفشل مشاريعهم ، لان مشاريعهم يجب ان تكون ضمن خطة للمصرف الذي يقدم هذه القروض ودراسة للجدوى يشترك فيها المصرف لكي يكون هو الاخر مسؤلا ايضا عن الفشل المحتمل .
وهنالك الكثير مما نتركه لذوي الاختصاص ، وإنما أردنا من خلال اقتراحاتنا هذه التنبيه على أهمية الوقوف مع الفقير .

وهكذا تضع الدولة وحكومتها القدم الاولى على طريق العدالة بشكل ثابت وقوي ، لتحقق أهدافها التي جاءت من اجلها ، وهي تحرير الشعب من الديكتاتورية والاستبداد والعبودية التي كان يعيش في ظلها لعقود طويلة ، والنهوض بالفقراء وإخراجهم من مستنقع الفقر المظلم الآسن الذي يحطم الشعوب والامم ويقضي على امالها للعز والكرامة والتقدم ، ولتبني أسسا متينة قادرة على التحول الى الديمقراطية الحقيقية والحريّة التي تحترم القانون والدستور والدين والاعراف ، وتنتشل الشعب من الجهل والظلام الذي يعيش فيه ، وتجعل منه شعبا واعيا يتمتع بالعلم والإيمان والقوة والازدهار ، ولايمكن تحقيق اي من هذه الامال والاهداف النبيلة دون تحقيق العدالة اولا .

النجف الاشرف
24 / 10 / 2019








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما تداعيات الاستيطان على الاقتصاد الفلسطيني؟


.. التونسيون يستعدون للاحتفال بعيد الأضحى رغم التحديات الاقتصاد




.. احتدام المنافسة بين المحافظين والإصلاحي الوحيد في الانتخابات


.. تحديات أمام الانتخابات الرئاسية الإيرانية في ظل منافسة كبيرة




.. بعد زيادة عيار 21.. سعر الذهب اليوم السبت 15-6-2024 في الصاغ