الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين الفكر والسّلوك

ضيا اسكندر

2019 / 10 / 25
الادب والفن


كثيراً ما يتمّ التطرّق لمفهوم (عدم التطابق ما بين الفكر والسلوك لدى المبدع) طبعاً أيٍّ كان هذا المبدع؛ فنّان تشكيلي، فيلسوف، عازف موسيقي، روائي، شاعر.. إلخ. وكأن المبدع خُلِقَ من طينةٍ أخرى لا علاقة لها بتكوين باقي البشر!. حتى إن البعض يرفض قراءة أو مشاهدة أو حتى سماع ما ينتجه ذلك المبدع، بذريعة أنه يقول شيئاً ويمارس نقيضه فهو (كذّاب ومنافق ومدّعي.. وما إلى ذلك) وبالتالي يجب فضحه ومحاربته، وإن اقتضى الأمر إعدام موهبته وإبداعاته.
بالتأكيد عندما يتطابق الفكر النّيّر والسلوك لدى أيّ مبدع، فإن ذلك يسرّنا ويزيد من إجلالنا له. وربما يتحوّل فيما بيننا إلى رمز، إلى أيقونة مقدّسة. ولكن، أين هو ذلك الكائن المبدع الخارق؟
لنفترض أن مدرّساً أعطى درساً رائعاً في الأخلاق وبشكلٍ مقنعٍ جداً. لكنه خسيس وفاسد في الحياة العملية. فهل يعني هذا أن الدرس باطل؟ أكيد لا. فالدرس قوته في ذاته، بغضّ النظر عن الممارسة. وإذا ألّف فنّان تشكيلي بارع لوحة عظيمة تمجّد الحبّ والصداقة والسلام.. وتدعو إلى نبذ الحرب والتطرّف والهمجيّة.. لكنّه على الصعيد الشخصي لديه ممارسات تثير الاشمئزاز. هل نرفض إنتاجه؟ وإذا اشتهر طبيب بمهارته في اختصاصه، لكنه على الصعيد الشخصي جشعٌ فاحشٌ وعبدٌ للمال.. ومن ثمَّ، هل نكتفي بقراءة أطروحة الفيلسوف، أم من الضروري أن نعرّج على حياته الخاصة، لنرى مدى التطابق بين الادّعاء والتطبيق؟
لو قمنا بنبش الحياة الشخصية لأيّ مبدعٍ في الدنيا، سنجد العجب العجاب لجهة ممارساته التي لا تتفق ومنظومة القِيم التي نادى بها ودافع عنها وأفنى حياته في سبيلها.
إذ من النادر أن نجد تلاؤم السلوك بالفكر، لأن الفكر أنظف وأطهر، أو لنقل إن الفكر مستقلّ عن العمل.
إن قوة الفكر في ذاته بصرف النظر عن حامله. لأن فكرة “التطابق” مستحيلة. فالفكرة الميتافيزيقيّة تجعل من التحاق السلوك بالفكر أمراً وهميّاً وضرباً من ضروب الخيال. إنّ تعالي الفكر على السلوك يجعل كلّاً منهما ينتسب إلى عالم مختلف تماماً. ففي حين ينتسب الفكرُ إلى “عالَمِ المُثُل”، عالَم ما يجب أن يكون، فإن السلوكَ ينتسب إلى عالم الواقع، عالم ما هو كائن أو عالَم المُمكِن.
ولما كان الإبداع الحقيقي ليس رهناً بمرحلة زمنية معيّنة ينتهي بزوالها؛ فالإبداع الإنساني الذي يُحاكي هموم البشر وتطلّعاتهم ويساهم في ترقيتهم وتطوّرهم، خالد خلود الشمس. لذلك يجب ألّا تهمّنا تفاصيل الحياة الشخصية لمبدعه. مَنْ منّا مثلاً يعرف أدقّ التفاصيل عن الفارابي أو شكسبير أو مايكل أنجلو أو نجيب محفوظ أو طاغور.. والقائمة تطول؟ أصلاً ينبغي ألاّ تعنينا تلك التفاصيل بشيء إلاّ بما يعزّز استفادتنا من إنتاجهم.
الخلاصة: المبدعون قِلّة، علينا أن نلتفت إلى ما ينتجونه ونغضّ الطرف عن حياتهم الشخصية. فالمبدع ليس نبيّاً أو رسولاً أو ملاكاً معصوماً منزّهاً.. إنه واحدٌ من أفراد المجتمع خضع لذات النظام والعادات والتقاليد وتأثّر بها، ولديه عيوبه ومثالبه كباقي البشر. إنما يختلف عن غيره في أن الطبيعة حَبَتْه موهبةً استثنائية، استطاع من خلالها أن يقدّم للإنسانية ما جادت به قريحته. فعلينا شكره وتقديره وتكريمه والحفاظ على إنتاجه وتثميره وحسن توظيفه.. بما يحقق الخير للبشرية جمعاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان عبدالله رشاد: الحياة أصبحت سهلة بالنسبة للفنانين الشب


.. الفنان عبدالله رشاد يتحدث لصباح العربية عن دور السعودية وهيئ




.. أسباب نجاح أغنية -كان ودي نلتقي-.. الفنان الدكتور عبدالله رش


.. جزء من أغنية -أستاذ عشق وفلسفة-.. للفنان الدكتور عبدالله رشا




.. الفنان عبدالله رشاد يبدع في صباح العربية بغناء -كأني مغرم بل