الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يتظاهر المواطن اللبنانى ضد نفسه أم ضد الطبقة السياسية؟ تحديات الانتقال من التعميم الى التخصيص.

خالد فارس
(Khalid Fares)

2019 / 10 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


هل يمكننا القول بأن الشعارات المرفوعة فى لبنان, "ربيعا عربيا لبنانيا", صافية "ربيعيا"؟. من الحصافة النظر الى الشعار المرفوع فى سياق الخلفية التى نشأ فيها, وفى سياق العمومية التى تضع هذا الشعار أمام عدم امكانية الاجابة عليه, أو أن هناك "قصدية وغائية" نخب.
لبنان بلد المديونية التى تفوق قدراته الاقتصادية الانتاجية, وبلد المقاومة والتحرير, وبلد فيها قوى 17 أيار فاعلة, وقوى البترودولار تعمل ليل نهار, وقوى متصارعة اقليميا: السعودية ايران سوريا تركيا, و بلد تضيع فيه قشة الحقيقة فى كومة متناقضات. فهذا البلد, بحاجة الى متظاهر ضد النظام السياسى, وضد مستنقعات العموميات فى لحظة أحوج ما تكون الى التخصيص.

تنبع صيغة النظام السياسى فى لبنان من عقد تاريخى سياسى, اسمه اتفاق الطائف. وكل ما بنى على الطائف فهو طائف, بل طائفى: وهذه الحقيقة بحاجة الى انتاجها فى الحراك كمقدمة لتغيير النظام السياسى.

ان ضالة أى حراك مجتمعى, هو التغيير المنشود, لكن يبدوا أن الشعارات المرفوعة, مازالت فى مرحلة التكيف مع التغيير "المفقود". الأمر الذى يضعنا أمام اشكال. الأول: أن التصميم على عمومية الشعار قد تكون مدفوعة ومقصودة من جانب نخب بذاتها (غايتها تمييع الخصومة وتمييع الفروق الجوهرية بين الطالح والصالح). ثانياً: "افلاس" الحراكيين وعجزهم عن بناء شعار له مفاعيل تغيير حقيقية. ثالثاً: عفوية الحراك وعدم وجود قيادة له تساهم فى انتاج صيغة عمل سياسى وبرنامج. رابعا: أن هناك شعارات جاهزة لم يتم طرحها بعد, وينتظر أصحابها الوقت المناسب. خامساً: أن هناك قوى سياسية امتنعت عن المشاركة فى الحراك وفى آن ترفض التعميم, أرادت أن تتخذ موقف "ايجابى" من الحكومة. سادساً: كلفة التخصيص باهظة جداً, لذلك على الحكومة والرئيس الاستماع للحراكيين, وتلبية مطالبهم وفقط, ما يهمنا هو أن يتخذ الرئيس خطوات ملموسة.
ولكن هناك تخصيص من نوع ما. فمثلاً طالب البعض بتشكيل حكومة عسكرية, ولا ندرى اذا كان ذلك بالونة اختبار, أم ماذا؟. فالشعوب التى تنشد الحرية, لا تطالب بأن ينقض الجيش على الحكم, الا اذا كان هناك من مهمة للجيش المطلوب منه أن ينفذها فى فترة زمنية ما, وهى ثلاثة أشهر.

ثم هناك تخصيص آخر, وهو حكومة تكنوقراط, وتجدر الملاحظة هنا, أن الذين تحدثوا عن حكومة تكنوقراط, لاحقاً استبدلوا عبارة "تكنوقراط" بعبارة "اختصاص", وهذا التغيير من عمل النخب وليس من الشارع, ما قد يشير بأن هناك عمل للنخب ليس ظاهراً.
ولكن أن تتم الدعوة الى حكومة عسكرية بقيادة الجيش, لمدة ثلاثة أشهر, وبعدها حكومة تكنوقراط-اختصاص, فان هذا التتالى, هو تخصيص مهم, لأنه لن يتم تشكيل حكومة تكنوقراط اذا لم ينتهى الجيش من المهمة التى ستوكل له. وفى هذه الحالة, يقع البلد تحت حكم العسكر, أو حكم الجيش لمدد غير محدودة, وحتى يستطيع الجيش أن يحكم كما هو "مطلوب منه" أو كما هو جيش بالمعنى الحقيقي للكلمة, فان الجيش هو ممثل للسيادة والسلاح وقرار الحرب والسلم.
وهو ما سيؤدى الى وضع الجيش والمقاومة وجها لوجه. وهنا يصبح الجيش و"الشعب الذى تظاهر" فى مواجهة المقاومة. المعادلة التى انجزها حزب الله فى الصيغة السياسية اللبنانية: جيش-شعب-مقاومة. فيصبح المطلوب تدمير وتحطيم هذه الصيغة. يعتبر انجاز حزب الله لهذه المعادلة تخريب للغايات التاريخية من الطائف, بل ابقاء الطائف مجرد منصة لشرعنة ميزان القوى.

هناك تخصيص أهم, وهو عابر للطوائف, والانقسامات, ذلك الذى يتعلق بالفساد والعمل والأجور. ونعتقد أن هذا النوع من التخصيص هو الذى يمكن أن يكون قاعدة للبناء عليه.

وفى رأينا, فالسؤال المطروح فى لبنان, كيف نعرف ماهو الممكن السياسى؟

الفرقاء فى لبنان, فى حيرة من أمرهم, لان أى تخصيص للحراك وشعاراته سيصطدم مع الجدار السلطوى والتحالفات. تجزئة الطائف (من اتفاق الطائف) للمجتمع اللبنانى فرض على الانسان فى لبنان أن يكون فى السلطة وخارجها فى آن.
فعلى سبيل المثال, حزب الله, تيار المقاومة, أى أنه جوهر المعارضة ورأس حربتها, بحكم المنطق البنيوى للحزب, ولكنه فى الدولة. فوجوده في الدولة, نتيجة تسوية وتناقض, مهما كانت التبريرات التى تجعل هذا الأمر منطقى فقط فى سياق ضرورات العملية السياسية فى لبنان. حزب المستقبل نشأ فى السلطة مع مجىء رفيق الحريرى, الا أنه انتقل الى صفوف المعارضة أيضا, ولم يخرج من السلطة. حتى حزب القوات اللبناينة, الذى استقال وزرائه, فهو لم يخرج من السلطة, ومازال فيها وان اختلفت تكتيكات الوجود.

المعادلة الطاغية فى لبنان والمفروضة كلعبة سياسية هو أن "تلعب" أو تتحرك فى حيز المعارضة والدولة/السلطة الرسمية. اللبنانى فى المعارضة والسلطة فى ذات الوقت, فى آن. فهى عملية تناقض تقود سيرورة المستوى السياسى اللبنانى. ومن هم خارج السلطة, المعارضة الحقيقية, تعتبر فى لبنان حالة "شاذة" أو خارج سياق المألوف. فالمعارضة الحقيقية هى التى أخرجها الطائف, ولم يسمح الا الى تقسيمات ذات مضمون طائفى.

سيبقى يتظاهر المواطن اللبنانى ضد نفسه, وليس ضد النظام السياسى, اذا لم يضع التخصيص أولوية لها وقتها المناسب. لهذا فمن المنطقى أن يبحث المواطن اللبنانى عن هوية جديدة للحراك, لا تضطره الى أن يكون فى موقعين متناقضين فى آن واحد. فهو بحاجة الى أن يتناقض مع آخر ليس ذاته.

نعتقد أن الشعار المطلوب تمكينه سياسياً, يجب أن يركز على اسقاط الطائف, واعادة بناء المستوى السياسى على أساس حقوق الانسان اللبنانى فى المسكن و التعليم والصحة والتعبير الحر. ما هو الأساس الذى تقوم عليه هذه المطالب؟ أن يتحرر الانسان. ويتطلب من بين أشياء عديدة, أنه فى حالة أن اضطر الشارع الى ابقاء الطائف قاعدة فقهية عامة, فالتعديل الملح هو فى السماح للقوى التى تعمل بدون غطاء طائفى, مثل الحزب الشيوعى والتيارات المدنية والقومية وغيرها, بأن يكون لها تمثيل حقيقيى, و بالقانون.
ومن الجدير ذكره أيضا, فان المطالبة بعودة اللاجئين الفلسطينين, هى أيضا جزء من لبنان الحديث والمعاصر. وقد يعتقد البعض أن ذلك اقحاما للقضية الفلسطينة فى الحراك, وهى ليست كذلك, لأننا نطالب بها فى سياق المشروع السياسى الجديد للبنان, أى أنها عملية تكامل بين مشروع الشعب اللبنانى والشعب الفلسطينى.

الفلسطينى فى المخيم, معتقل منذ أكثر من سبعين عاماً, والنظام السياسى اللبنانى الذى يتظاهر ضده الناس, هو الذى يسجن هؤلاء, ويمنعم من العمل والتحرر والعودة. ليس المطلوب تحميل الحراك وزر المخيم وقضيته, وانما المطلوب عدم نسيانه وعدم تذكره فقط فى الهتاف والشعار, مع التحية والاجلال لشعب لبنان العظيم الصامد والمقاوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام 


.. انفجارات وإصابات جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب




.. مسعفون في طولكرم: جنود الاحتلال هاجمونا ومنعونا من مساعدة ال


.. القيادة الوسطى الأمريكية: لم تقم الولايات المتحدة اليوم بشن




.. اعتصام في مدينة يوتبوري السويدية ضد شركة صناعات عسكرية نصرة