الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علمٌ حاضر وصورةٌ غائبة (٦)

مهند طلال الاخرس

2019 / 10 / 26
سيرة ذاتية


في ذلك الوقت وعند ذلك المشهد كنت وحدي اجلس على دربزين الطريق انتظر وارقب انتهاء ذلك المشهد المجنون، جنود يختبئون خلف مدرعاتهم والتي تسير ببطء ثم تنطلق بين الناس فجأة وبسرعة كبيرة يحميها صوت اطلاق رصاص في الهواء يتبعه وابل من الغاز المسيل للدموع وصوت زعيق ينطلق من صفارات الانذار، تقتحم المدرعات صفوف المتظاهرين متجاوزة سواتر الكاوتشوك والحجارة والنيران، يترجل افراد الامن من المدرعة بسرعة البرق يعتقلوا من يتأخر من الناس عن فهم قواعد اللعبة في مثل هكذا ظروف..ثم يعاود الشباب الكرة من جديد، رجم حجارة واشعال اطارات، يتقدم الامن ليحدث مزيدا من الاعتقالات تستمر اللعبة ويطول المشهد...

منظر غريب شدني ساهم بكسر حدة هذا المشهد ورتابته؛ شاب ملثم بالعلم بيده تنكة ماء، وما ان تسقط قنابل الغاز بين الجموع ينطلق سريعا ويقتحم ساحات المواجهة، ينتظر قنابل الغاز غير آبه برائحتها او دخانها، وبمجرد ان ترتطم بالارض يخمدها بماء التنكة، ثم يعلوا التصفير والتصفيق عند كل محاولة ناجحة فيزداد الجو حماسة لدى المتظاهرين ويزداد حقدا ورجما لدى الجهة المقابلة..

بقيت ارقب ذلك المشهد البطولي للفتى الملثم بالعلم، تركت مجلسي على دربزين الشارع واتجهت اكثر نحو المواجهات واقتربت اكثر من ذلك الشاب. ذهلت حين رأيت ذلك الشوال "ابو خط احمر" والذي إمتلأ بتلك القنابل الفارغة، في تلك اللجة تسرب الى مسامعي ما كان يتناقله مجموعة من الفتية حول رغبتهم بسرقة ذلك الشوال وبيعه المنيوم...
عزّ علي تعب ذلك الفتى فذهبت اليه في وسط المواجهات واخبرته بنية تلك المجموعة..

عاد معي مسرعا وهو يمسك بتنكته إحدى قنابل الغاز، وصلنا الجانب الآمن من المناوشات ونحن منحنيي الجسم هروبا من ما قد يضر بالرأس او يصيبه في مثل تلك الاحوال...
وصلنا المكان المأمول حيث تختبيء مجاميع الشباب والشوال إلا اننا وجدنا الشباب وقد تبدلت ملامحهم واختلفت مجاميعهم واختفى الشوال..
صاح الفتى اين الشوال؟
اجابه احدهم؛ أخذته المجموعة التي كانت ترابط هنا.
جثى الفتى على ركبتيه واشاح بالعلم عن وجهه واذا بالدمعات تتقاطر على وجنتيه وتختلط بسواد الكاوتشوك المحترق كأنها كحل عربي دامع باك كايام الشعب الفلسطيني...

انحيت امامه واجلست ركبتي بمقابل ركبتيه، وقلت له: اتبكي لاجل علب الالمنيوم تلك، لا عليك، سأعوضها عليك، لكن لا تبك، فأمثالك ومن يتمتعون بكل تلك الجسارة يجب ان لا يبكي...

مسح بيده المسودة بالغبار والدخان ما تبقى من دموع وقال: لست ابكي على ضياع تلك العبوات الفارغة، بل ابكي على جهد لا يقدّر في سوق الطفولة والنحاس والالمنيوم والتنك، ابكي على صغار لا يعلمون من النضال واظهار الحقائق شيء، ومد يده الى التنكة واخرج منها قنبلة الغاز الفارغة، واخذ يقربها الى عينيه وينظر اليها بتمعن، لعله يلمح اي شعاع ضوئي يعينه على قراءة تلك السطور المكتوبة على العبوة، حتى استطاع ان يبلغ مبتغاه، حينها انقلبت دموعه صرخات من الفرح والضحك الطويل، سألته ما الامر؟ لم يجبني، ومع استمراره بالضحك اعدت السؤال؛ فشدني من يدي ونهضنا سويا وقادني وهو يضحك الى حيث شعاع نور منبثق من السماء وناولني قنبلة الغاز الفارغة مشيرا اليّ بقراءة ما عليها من معلومات، لم أتفاجأ عندما قرأت عليها عبارة صنع في امريكا(made in u.s.a )...
لكني تفاجئت اكثر حين قرات عليها بأن تاريخ صلاحيتها كان قد إنتهى؛ فصحت بأعلى صوتي: سأخبر الشرطة؟
فضحك هو وبكيت انا على حال لا يسر الصديق ولا يغيظ العدا...

انتهى(٦/٦)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة دخول بايدن وترامب إلى المنصة لبدء المناظرة الرئاسية


.. بايدن بالمناظرة الرئاسية: حماس الطرف الوحيد الذي يريد استمرا




.. ترامب: أميركا في عهد بايدن أصبحت دولة من العالم الثالث | #عا


.. مناظرة بايدن وترمب: -لا مصافحة-.. واتهامات متبادلة بالفشل وا




.. بايدن: بوتين -مجرم حرب-.. وترامب يعلق: الحرب في أوكرانيا لم