الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أهل الدستور؟ يا أولاد الافاعي (1)

ليث سمير

2019 / 10 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


كان ياما كان بِقريب الازمان، في مَدينة اسموها دار السلام، حاكماً جائراً؛ سادت في عصرهِ الآلام. زالَ ذلكَ الحاكم، فكانَ لابُدَّ مِن إرساءِ دعائِم جَديدة للنِظام، لِإدارةِ شؤون الشعب وتوفير الأمان وتعويضه عن الحزنِ والحِرمان.
وبِغَفلَةٍ مِنَ الأوان، تَسلَّطَت ثُلَّةٌ مِنَ الرعيان على باقي ابناء المدينة. وقَرَّرَت إصدار فِرمان.
ظَل الشعبُ مُتسائِلاً: ماذا عَساهُ أن يكونَ ذلك؟
وَبعدَ قصر انتظار، نَزَلَ الطبَّالُ إلى شوارع المدينةِ وهو يصيحُ داقَّاً على طبلهِ طُب طُطُب طُب طُب : يا أهل المدينة، يا أهل السلام، صَدَرَ الفِرمان. كَتَبنا دستور، بِأحرفٍ مِن نور، يَضمن سعادة الفرد ويمنع الجور. طُب طُطُب طُب طُب، يُصلِحُ المكسور، ينفَعُ المضرور، يُرجع المهجور، طوبى لكم ياشعب هذا السرور.
أثناء ذلكَ وبين إصغاء الجموع وزحامها وضَجيجها ، كان هناكَ رَجُلاً مُسِنَّاً وقوراً، ملابسه قديمة لكنها نظيفة و انيقة و كانَ جالِساً بهُدوءٍ، يُصغي و يُراقِبُ مايحدث. فَوَلَّى وجههُ إلى حيث الطبَّال وأخَذَ يرمقهُ بنظراتِهِ العميقة. ثُمَّ هَمَّ مُتَّكِئاً على عَصاه واقتربَ بخطواتٍ وقورة اليهِ وقال: يا حضرةَ الطَبَّال، هَل لي بِنُسخةٍ مِن هذا الدستور؟
فأخَذَ الطبَّالُ يَتلفَّتُ يميناً ويساراً مُتَفادياً النظر إلى عيني الرجل.
- قالَ المُسِنُ: يا ولدي، أما سَمِعتَني؟
- وأخيراً أجابَ الطبَّال: يا عجوز، مالي ولَك. لَقد قالوا لي إذهب واقرأ هذا المنشور، إنَّهُ يومُكم إنَّهُ يوم الدستور.
قَرَّرَ الرجُلُ المُسن أن يسيرَ في شوارعَ المدينة عسى أن يجِد نسخةً لقِراءتِها. وما هيَ إلَّا خطوات معدودات حتَّى التقى بمجموعةٍ من الشباب المُبتهِج، راقصين مُهَللين. فَأفرحَهُ فَرحهم. اقتَرَبَ مِنهُم قارِئاً عليهم السلام.
- أجابوه: وعليك السلام، مبروك يا حاج مبروك، اليوم كُتِبَ الدستور.
- خير إن شاء الله، واتبع قائلاً: هل لديكم نسخة زائدة؟
- نسخة من ماذا؟
- من الدستور.
سادَ السكونُ قليلاً، وبابتِسامةٍ بسيطة، رَدَّ أحدهم: ليسَ لدينا يا عم.
- الَم تَقرؤوه؟
- نَقرأُ ماذا؟
- الدستوووور.
وبعد ثوانٍ من الصمت، قهقه أحدهم فقال: لِمَ نقرأهُ؟ لقد كتبه المتنورونَ واطَّلَعَ عليهِ رؤساء كهنة المعابِد المختلفة بل وأسهموا في كتابتهِ، نحنُ راضونَ مادامَهم راضين.
- فقالَ المُسِن: كُلُّ الكَهنة.
- طَبعاً، ثمَّ إستدركَ مُتَمتِماً، كل كهنة الإله شَمَش، كهنة الإله سين لم يكونوا راضين في البدء ثم رضا به اغلبهم بعدَ المُداولات.
- الباقي؟
- أيّ باقي؟ اااه، تَقصِد باقي كهنة المعابد الاخرى. قالوا نحن أقلّية، سَنوافِقُ على ما تقولونه، بِشرط ضمان حقوقِنا.
رَفَعَ المُسِّن رأسهُ الى السماء وارتسمت الحسرة على ملامح وجهه، إذ تَذَكَّر صديقه المُقرَّب الذي كان يقول له في ايام الصِعاب " لا تَخَف ياصديقي، إن كانَ الإله معنا فمن علينا. الحق الحق، هو الطريق، لا تستوحشه وإن قلُّوا سالكيه".
أخفَضَ المُسِّن رأسه المُرتَفِع مُبتَسِماً باستغراب ثُمَّ غادَرَ الشَبابَ، بَعدَ شُكرِهِم.
خلال السير بين الهرج والمرج في شوارع المدينة، إرتأى المُسن أن يأخذ قسطاً من الراحة على كرسي من كراسي أحد المقاهي. طَلَبَ الشاي والماء، وبعد أول رشفة ماء، سَمِعَ أصوات عالية وغاضبة تخرج من فَرع الحي القريب، كانوا مَجموعة من الشباب يرددون ويصرخون " خونة...عملاء...خونة...عملاء". حتى وصلوا المقهى وجلسوا فيه وما كَفُّوا عن صراخهم. نَهضَ المسن من على كرسي الراحة مُقترِباً بِحَذرٍ من بعضِهم وسألَ: ماذا بِكم يا أخوتي؟
- قالَ أحدهم: أولئكَ الخونة، كتبوا دستور يُدمِّر البلاد والعباد، إنَّهُ مصدر بلاء، اااهٌ ياخونة اااهٌ ياعملاء.
أخذَ المسن نفَساً عميقاً، عَلَّهُ يعيد اليهِ الهدوء الذي غابَ قليلاً لما يحيط به من طاقات سلبية، ثُمَّ سألَهم:
أيمكن أن أجِدَ عندكم نسخة منه، إذا سمحتم؟
- فنَظر إليه احدهم مُبحلِقاً بِغضب وباستهجان وقال بِتهكُّمٍ: ماذا؟
بَعد أن بَلعَ المسن ريقَهُ، اجاب:
- أليسَ لديكَ نسخة منه؟
- وماذا افعل بها ياهذا؟
- ألم تقرأهُ؟
فجاء الرد مُدويَّاً: قلتُ لكَ إنَّهُ دستور الخونة والعملاء، كيفَ تريدني أن أقرأه؟ أستغفِر الإله... أستغفر الإله.
اجاب المُسن بِحذرٍ مع قليل من القلق: شكراً شكراً لكَ يا ولدي، آسِف لازعاجِكم.
خطا المسن بعض الخطواتِ إلى الخلف، عائداً إلى شاييه الذي بدا وكأنه بَرُدَ قليلاً. وبعد الرشفة الثالثة حوَّلَ نظره بين اليمين وبين اليسار فاذا به يلمحُ في احدى الأركان البعيدة مجموعة من أصدِقائهِ ورِفاق عَمَلِهِ فَوضَعَ حساب الشاي على الطاولة وهبَّ مُسرعاً تجاهَهُم وهو يصيح: مرحبا يا اخوان. لَكنَّ الغريب أنَّهم ذهبوا بصمتٍ متفرقين بِسرعة وكأنهم متهربون، وما ردَّ السلام إلا واحداً مُلوِّحاً بيمينهِ ولكنَّه كانَ صامتاً هو الآخر.
أصابَت المسن حالة من الذهول والاستغراب، وبينما هو يسير هائماً لا يعي حتى وجهته، مَرَّ موكبٌ من العربات والفرسان بسرعة مثيرةٍ للغبار و كاد أن يدهس المُسِن. لكن الموكِبَ توقف بعد قليل، وترجَّلَ من إحدى عرباتهِ شخص بحماية الفرسان، ومن بين العجاج المُثار، لاحظهم المُسن يقتربون نَحوه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصعيد إسرائيلي ضد حزب الله.. هل نشهد غزة جديدة في بيروت؟ | #


.. الرئيس التنفيذي لدائرة الحلول منخفضة الكربون في -أدنوك-: نست




.. المتحدثة باسم البيت الأبيض: الإدارة الأمريكية تشعر بالقلق إز


.. رصد لأبرز ردود الغعل الإسرائيلية على اغتيال القيادي في حزب ا




.. وزير الخارجية اللبناني يتهم إسرائيل بـ-الإرهاب- بعد انفجارات