الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليلى والذئاب: الفصل الثامن/ 1

دلور ميقري

2019 / 10 / 28
الادب والفن


" مغارة آدم "، كانت واحدة من الكهوف السبعة، المتناثرة في جبل قاسيون بين صالحية الأكراد والشيخ محي الدين. كان كلّ من هذه الكهوف يمتلك سجلاً مقدّساً، جديراً بالرقم المبارك، الإجماليّ. وعلى الأرجح ـ أو بكلمة أدق، على زعم أساطير الأولين ـ كان أبو البشر يهيم في السفح، أقرب منه إلى الهذيان من صفة النبيّ الحكيم. وكانت تتأثر خطاه امرأته، المولودة من ضلعه، منكّسة الرأس غالباً، خجلاً وندماً. لعلهما كانا يستعيدان، في ذلك المكان المقفر، ذكريات الجنّة السماوية، التي طردا منها بسبب القدرة الخادعة لإبليس. لقد شاءَ هذا لهما أن يأكلا من الثمرة المحرّمة، المحروسة من لدُن الحيّة، المتواطئة في أمر الغش.
كم أُشْبِهَ حمّوكي بالنبيّ الطريد، على الأقل في مسألة ترك فردوسه والركون إلى بقعةٍ من الخلاء، تقع على تلّ مُشرفٍ على الزقاق، وكان غير مأهولٍ سوى بالحيوانات السائبة والمفترسة. بحَسَب حوليات الحارة، المنقولة شفاهاً من ليلو إلى جدّتنا، يبدو أنّ الرجلَ دهمه نوع من الجنون، المُحال إلى الحنين لجبله الأول. أو ربما كان يرغب بالعزلة، هرباً من ذكرى مشينة، مُتقمّصاً صفة الأم الأولى للبشر، الخجلة والنادمة: ثلاث سنين، مرت على ذلك الموقف المشين، الذي تعامل معه حمّوكي بطريقةٍ أقل ما يُقال عنها أنها اتسمت بالغل والتشفي واللؤم. في مقابل ذلك، حظيَ بفرصة بناء أسرةٍ، طالما حلم بها؛ وقد توّجت مؤخراً بابنةٍ، رُزق بها في نفس عام حلوله بذلك الخلاء.

***
عقبَ إفاقته من خدر المشهد العارم، المُنغَّم بشدو الشبق، اهتبلَ وهلةَ انقلاب الفتى إلى جانب كي يتأكّد من ظنونه. نعم، كانت هيَ؛ ابنةُ الوجيه المتعجرف، " محمد آغا "، وكان هذا بالأصل من ديريك مازيداغ. لقد سبقَ للآغا أن أهان حمّوكي أمام الملأ، وذلك لسببٍ تافه يتعلق بعمله كملاحظ لنواطير البساتين.
فكّرَ بسرعة، وكانت أحاسيسه عندئذٍ مركّزة على الفرصة المُتاحة للانتقام . ليسَ بوسعه رد الاعتبار لشرفه المهان، سوى بفضيحةٍ داوية تُلْحَق بشرف أبي الفتاة. ولكنه كان من الممكن أن يُشفق على الفتاة، لولا أن هاله تسليمها عفّتها لمن دعاه في نفسه، " هذا البدويّ القذر! ". عليه كان أن يتنحّى أولاً عن المشهد، متراجعاً بذات الخطى الخفيّة والحذرة. عاد يتوغّل بين غرس الدغل، وكان تفكيره القرويّ قد هداه إلى ما هوَ أبعد من الفضيحة الآنيّة: لِمَ لا يُساعد الفتى في الهرب بالفتاة، وكان هذا قد سعى قبلاً عند ربّ عمله كي يأذن له في العودة إلى مضارب أهله بعد انقضاء ثلاثة أعوام على انفصاله المتعسّف عنهم؟
لم يَشأ حمّوكي إضاعة الوقت، مقرراً هكذا التصرف في الحال. كمنَ للفتى في آخر الغيضة من جهة ذلك الدرب، المؤدي إلى مكان عمله. اقشعرّ بدنه اشمئزازاً، وهوَ يتخيّل مدى دناءة الخطة. ولم يغض الطرف عن إعادة حساباته، إلا مع ظهور الشخص المقصود على بُعد خطوات من موقفه. مضى يقطع عليه الطريقَ، شاداً بقسوة على ساعده: " لقد رأيتُ كل شيء، وأريدك أن تسير معي لو أردتَ الخلاص من الورطة! "
" ماذا رأيتَ، يا عم؟ وأيّ ورطة هذه، التي تتكلم عنها؟ "، رد الفتى وقد فقدَ رباطة جأشه. صفعه حمّوكي على مؤخرته بطريقة ودية، طالباً منه أن يتبعه حَسْب: " لو أردتُ قتلك، فإنك الآن تحت رحمتي وما من شاهدٍ واحد هنا "، اختتم كلامه بجملة مطمئنة.

***
طرحَ حمّوكي جانباً، مقته للبدو، والمستمد أساساً من تقاليد عشيرته، المتنازعة معهم دهراً على المراعي الخصبة في أعالي الجزيرة. صمم على تقديم العون للعاشقين، مدفوعاً مثلما علمنا برغبة الانتقام. أقنعَ الفتى بعبث لقاءاته الغرامية، وكيف ستفضي حتماً إلى كشفه والقضاء عليه عاجلاً أو آجلاً. ما عتمَ أن اقترح عليه خطفَ الفتاة إلى مضارب قومه، ومن ثم الاقتران بها هنالك: " كوني المشرف على النواطير ليلاً، فإنني سأضمن تسللكما إلى مكان آمن وبعد ذلك تنطلقان إلى البادية "، هكذا شرح الخطة بشكل مبسّط. كذلك سهّل الأمورَ، احتفاظُ الفتى بمفاتيح مكان عمله وذلك لاستعمال عربة كانت مركونة في الإسطبل مع خيلها.
في ساعةٍ محددة بعد منتصف الليل، انطلقت العربة بالعاشقين في طريقٍ آمن، خلا من المراقبة على أثر إبعاد حمّوكي لمرؤوسيه إلى مكان آخر. كان من المتوقع أن يستمرَ مسيرُ العربة الليل بطوله وجانباً من النهار، وقد أخذ الرجلُ المتواطئ على عاتقه مرافقتها على الفرس لحين طلوع ضوء الفجر وبداية حركة الناس. احتياطاً، كان قبيل منتصف الليل قد زعمَ لمرؤوسيه أنه سيخلد للنوم بسبب وعكة برد أصابته. وقد أمِلَ أن يعود إلى مأواه عند الظهر، حينَ يكون ابنا السيّد نيّو قد أخلدا إلى القيلولة: " حتى لو كشف الأخوان فقدانَ العربة واختفاء المستخدم، فلن يزد توقعهما عن احتمال ذهابه في عملٍ ما أو جولةٍ على البستان. أهل الفتاة، من جانبهم، لا بدَ وسيتكتمون على أمر اختفائها لحين أن يستجوبوا كل من يتبعهم من خدم وحرّاس ومزارعين "، خاطبَ داخله حينئذٍ وقد زال عنه القلق.

* مستهل الفصل الثامن/ الكتاب الثاني، من سيرة سلالية ـ روائية، بعنوان " أسكي شام "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد .. حفل توزيع جوائز مهرجان الإسكندرية السينمائي


.. ليه أم كلثوم ماعملتش أغنية بعد نصر أكتوبر؟..المؤرخ الفني/ مح




.. اتكلم عربي.. إزاي أحفز ابنى لتعلم اللغة العربية لو في مدرسة


.. الفنان أحمد شاكر: كنت مديرا للمسرح القومى فكانت النتيجة .. إ




.. حب الفنان الفلسطيني كامل الباشا للسينما المصرية.. ورأيه في أ