الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العنصرية في‮ ‬العلاقة مع العمالة الأجنبية

فوزية مطر

2006 / 5 / 22
الحركة العمالية والنقابية


هل‮ ‬ينقص مجتمعاتنا الخليجية ما تعانيه من أمراض اجتماعية وثقافية لنبحث ما إذا كانت تتوافر على مظاهر للعنصرية ضد العمالة الأجنبية؟ نعم،‮ ‬فالمتغيرات التي‮ ‬طرأت على مجتمعات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية خلال الربع قرن الفائت تظهر ملامح‮ -‬إن لم نقل مظاهر‮- ‬طارئة للعنصرية تجاه العمالة الأجنبية التي‮ ‬تتواجد اليوم بكثافة بين ظهرانينا ونقصد بشكل أساس اليد العاملة الآسيوية والإفريقية‮. ‬
تعرّف العنصرية في‮ ‬نصوص المنظمة الدولية-الأمم المتحدة على أنها‮: ‬أي‮ ‬تمييز أو استثناء أو قيد أو تفضيل مبني‮ ‬على الجنس أو اللون أو الوراثة أو القومية أو الأصل العرقي‮. ‬ووفق معطيات القانون الدولي‮ ‬العام تقوم العنصرية على الاعتقاد بتفوق جماعة على جماعة أخرى بالأصل أو بالعقيدة الدينية أو بالاختلاف في‮ ‬اللون أو اللغة أو الجنس من دون وجه حق أو سبب واضح سوى الاختلاف‮. ‬
ويتأسس على الشعور بالتفوق تعصب فرد أو فئة لجنس أو عرق أو قبيلة أو عشيرة أو دين أو طائفة أو معتقد أو لون بشرة،‮ ‬وقد‮ ‬يبلغ‮ ‬التعصب حداً‮ ‬متطرفاً‮ ‬فيولّد الاضطهاد أو الازدراء لأفراد أو فئات أخرى‮.‬
في‮ ‬إطار ما أوردناه من تعريفات علينا أن نتساءل هل للعنصرية في‮ ‬مجتمعاتنا الخليجية وجود؟‮!. ‬لا شك أن الطفرة النفطية التي‮ ‬عمّت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ بداية الثمانينيات الفائتة،‮ ‬قد أفضت إلى تغيرات اقتصادية واضحة أسهمت في‮ ‬تهيؤ الوفرة المالية وتحسن المستوى المعيشي‮ ‬لفئات واسعة من شعوب المنطقة‮.‬
وقد‮ ‬غيّر ذلك تدريجياً‮ ‬البنية الطبقية لتلك الشعوب وصعد بفئات كبيرة من طبقات دنيا إلى تخوم طبقات عليا‮.‬
في‮ ‬الوقت ذاته لم تترافق تلك القفزات الاقتصادية والمعيشية مع المستوى المفترض من الازدهار الثقافي‮ ‬والفكري،‮ ‬بل تصاعدت وتائر التطور المادي‮ ‬مخلفة وراءها جموداً‮ ‬في‮ ‬الثقافة والتنوير والتفتح الحضاري‮. ‬وفي‮ ‬حضور التطور المادي‮ ‬ووفرة المال وغياب الوعي‮ ‬والمعرفة بحضارة وعراقة وتاريخ المناطق التي‮ ‬وفدت منها العمالة الأجنبية،‮ ‬وجد الفكر العنصري‮ ‬مكاناً‮ ‬له بين شعوب المنطقة وهو فكر لا‮ ‬يزدهر إلا في‮ ‬أحضان الجهل وتغييب مفردات التنوير،‮ ‬وقد تفاوت ما برز من مظاهر العنصرية تجاه العمالة الأجنبية الوافدة بتفاوت الوفرة المالية ومستوى الوعي‮ ‬الثقافي‮ ‬بين مجتمعات الخليج‮.‬
ذلك لا‮ ‬يعني‮ ‬أن مظاهر العنصرية لم توجد من قبل في‮ ‬مجتمعاتنا الخليجية،‮ ‬فهذه المجتمعات قد خبرت منذ القدم مظاهر من العنصرية كونها مرت بنظامي‮ ‬الرق والإقطاع وما ميزهما من تملك وسخرة،‮ ‬كما أن موقع المنطقة الجغرافي‮ ‬الرابط بين الشرق والغرب قد منحها سمة الانفتاح وسهّل وفادة الأجنبي‮ ‬إليها فتحولت لكيانات شبه مختلطة قابلة لاحتواء بعض مظاهر العنصرية‮.‬
وعودة لما استجد من مظاهر العنصرية الحالية ضد العمالة الأجنبية في‮ ‬مجتمعاتنا نلاحظ بشكل أساس‮ ‬غلبة النظرة الدونية والاستعلاء وعدم الاحترام تجاه تلك العمالة،‮ ‬كما نلمس بعض الاتجاهات السلبية كروح الازدراء والاضطهاد التي‮ ‬توصل البعض منا لممارسة القهر والظلم ضد الوافد الأجنبي‮.‬
ويأتي‮ ‬في‮ ‬أول قائمة المتعرضين للسلوك العنصري‮ ‬من العمالة الأجنبية العمال وخدم المنازل الذين‮ ‬يغيب في‮ ‬التعامل مع الكثير منهم الاعتبار الإنساني‮ ‬والمساواة بين كافة البشر،‮ ‬ولسنا بصدد استعراض مظاهر الاضطهاد وظلم العمال وخدم المنازل فهي‮ ‬معروفة‮ ‬يدور الحديث حول صنوفها طوال الوقت‮. ‬
‮ ‬إن من المخزي‮ ‬أن‮ ‬يجد المرء بعضاً‮ ‬من الملتزمين دينياً‮ ‬وأخلاقياً‮ ‬ومن أصحاب المثل والمبادئ والمثقفين ضمن من‮ ‬يمارس درجات من الظلم والاضطهاد في‮ ‬علاقته مع إنسان جاء من الأقاصي‮ ‬ليخدمه ويسهّل حياته،‮ ‬هنا تنتفي‮ ‬مصداقية المنافحة عن الخُلق الإسلامي‮ ‬والتأكيد في‮ ‬كل شاردة وواردة على الالتزام به،‮ ‬كما تنتفي‮ ‬سمات الثقافة والوعي‮ ‬والتحضر التي‮ ‬يدعيها البعض ما دام‮ ‬يمارس الظلم والاضطهاد على من جاء ليخدمه ويسهّل حياته،‮ ‬لقد تحول سوء تعامل الكثيرين في‮ ‬مجتمعاتنا مع العمالة الأجنبية الوافدة إلى نظرة فوقية متعالية عامة تشمل عموم الشعوب التي‮ ‬تمثلها تلك العمالة من دون تقدير أو إدراك لما تمثله مجتمعاتها في‮ ‬المنجز الحضاري‮ ‬والتاريخي‮ ‬العريق،‮ ‬وقد دخلت تلك النظرة المتعالية في‮ ‬أساليب تربيتنا لأبنائنا ونظم التنشئة الاجتماعية في‮ ‬مجتمعاتنا،‮ ‬ثم نأتي‮ ‬بعد ذلك ونشتكي‮ ‬من هروب العمال والخدم من منشآتنا وبيوتنا‮.‬
‮ ‬صحيح أن الدراسات تذهب إلى أنه من الصعب على الإنسان أن‮ ‬يقر بأنّ‮ ‬بعض أفكاره ومسلكياته تتسم بالعنصرية،‮ ‬لكن أي‮ ‬مجتمع لا‮ ‬يخلو من أولئك النفر المشربين بأسمى القيم الإنسانية التي‮ ‬تجعلهم لا‮ ‬يقبلون بأي‮ ‬مظهر لازدراء أو ظلم أو اضطهاد إنسان آخر لأي‮ ‬سبب كان،‮ ‬الحكومات والمؤسسات المدنية هي‮ ‬المنوطة‮ -‬في‮ ‬هذا الصدد‮- ‬بمنع ومكافحة التعامل العنصري‮ ‬مع الآخر وبالترويج لحقوق الإنسان وقيم المساواة والتواضع والتسامح‮.‬








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 10 طلاب بـ-ساينس بو- يضربون عن الطعام لـ 24 ساعة دعماً لغزة


.. إضراب طلاب في معهد العلوم السياسية في باريس عن الطعام بسبب إ




.. في حصيلة غير مسبوقة.. اعتقال 2200 مؤيد لغزة من الطلاب والعام


.. طلاب وأساتذة بجامعة مانشستر يعتصمون للضغط على إدارتها لقطع ع




.. استمرار اعتصامات الطلاب في جامعة جورج واشنطن