الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبن أخي الصغير - حسين- والثورة العراقية

سلام إبراهيم
روائي

(Salam Ibrahim)

2019 / 10 / 29
الادب والفن


من اللحظة التي فتحت بها رسالة مسنجر باسم حسين يقول فيها:
- عمو حبيبي أني وسط المتظاهرين من أول يوم نحاصر المحافظة
جمد الدم في عروقي، ونهضت من أمام شاشة الكمبيوتر ورحت أذرع الصالة ذهاباً وأياباً غير مستوعبٍ الأمر. فحسون هكذا أناديه في أول مرة أعود فيها للعراق بعد الأحتلال 2003 حللت فيها في بيت أهلي بالحي العصري وجدت أن أصغر أخواني "علي" متزوج ولديه ولد عمره ثلاث سنوات أسمه "حسين" هو من كتب لي هذه الكلمات التي أرعبتني. أرعبتني وأنا من أكثر محرضي الشباب على الثورة. فقد تعلق بيّ بشدة منذ ذلك العمر وأنا أعامله بحنان عمٍ أضناه المنفى، وذدت عنه قسوة أخي الصغير الشبيه بقسوة أب. مكثت أشهرا أربعة صار لا يفارقني ويستطيب الجلوس جواري بالرغم من أنشغالي بالقراءة أو الكتابة أو السكر وسماع الأغاني لكنني كعادتي كنت أسمعه قصصا قبل النوم، كان يسعد بها وأخذه معي في جولاتي في أسواق الديوانية ودكاكينها ومقاهيها، وكانوا يسألوني عمن هذا الطفل اللصيق بي فأقول لهم ضاحكاً:
- هذا سلام الجديد
وهو يشبهني جدا، جميل جدا، وجه متناسق، عينان فاتحتان واسعتان ناعستان، وشعر مثل موجة منحدرة وملامح مسالمة توحي بالطيبة ومقبلة على الحياة.
ودعته صيف 2004 عائداً إلى الدنمارك، ولم أعد إلى العراق إلا مطلع عام 2009 مصطحباً روايتي "الإرسي" فوجدته قد كبر وأصبح صبياً إبن التاسعة جميل يميل للسكون والصمت عانقني بشغف ودمعت عيناه وردد بهمس:
- عمو طَوْلتْ.. مشتاقلك.
فدمعت عيني. وظل جواري لا يفارقني ينام معي في غرفة الضيوف ويطيب له مراقبتي وأنا منشغل في القراءة أو الكتابة أو الحديث مع الضيوف. صرنا أصدقاء فأصطحبته في كل نشاطاتي الاجتماعية والثقافية في الديوانية، وأشتبكت مع أخي الأصغر " علي" أبوه الذي ربيته على يدي بسبب طريقة تعامله معه، إذ وجدته ينسخ معاملة أبي "عبد سوادي" القاسية معي. وحميته من كف اخي على الأقل في فترة وجودي، وكنت اكرر لومي لأخي كي يعامله بحنان، لكن الإنسان طبع صعب التغيير. وصار الشوق بيننا قصة حبٍ، أودعه وأعود في العام التالي، كل عام بانتظام وكان ينتظرني على جمرٍ يخفت عند أول عناق ليتحول إلى إنصات ومصاحبة صامته، وكنت أخذه معي في كل ندوة ثقافية أقمتها في الديوانية. كان يجلس منصتاً، ثم قمتُ اكلفه في التصوير حينما كبر قليلا.
العام الماضي أتصل بيّ وألح كي أزور الديوانية قبل أن ينتقلوا من بيت أهلي في الحي العصري إلى بيتهم الجديد الذي بنوه في -أم الخيل - قائلا:
- عمو تعال حتى نعيش في بيت طفولتنا المشتركة أخر شهر بالحياة!
أذهلني بجملته العميقة لكنني لم يكن باستطاعتي السفر بسبب مواعيدي الصحية.
أعتذرت وعشنا معاً أخر مرة في بيتهم الجديد الفخم، هو ولد وحيد مع اخته "رقية"، لكن سرقه مني في زيارتي الأخيرة موت جدته لأمه فلم أره جيدا.
وبقينا نتواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن كتب لي البارحة ما جمد الدم بعروقي عن مشاركته في انتفاضة شباب العراق.
- أي محنة وضعني بها
ما أن أخبرني حتى انفجرت ببكاءٍ ونواح وهذيان وكأنني فقدت عزيزاً للتو
لم أرد عليه
كتبت له:
- عمو أني تعبان بكرى أكتبلك!.
وغرقت في مناحة سومري وكأنني أم ثكلت ولدها.
ولما كنت فردا ضائعاً أعيش في منفاي الدنمركي وحيداً وجدت حرية فائقة في النحيب العالي واللطم والرقص وحبيبي الصغير أبن أخي الغض يرمي نفسه في خضم معركة أنا أدعو إليها بعمق وصدق. لكن هذا وحيد أخي الصغير "علي" وحبيبي الذي أشتاق له كل عام، عدا أنني محشود بأطياف أحبة فقدتهم قتلاً في رحمي الدامي، فحضرتني تلك الليلة تلك الوجوه الجميلة الحبيبة، أبن أختي "وداد" ووحيدها " محمد" الذي شارك بانتفاضة أذار 1991وبعد فشلها أختفى في بغداد، ووصل إلى كردستان وعاد متخفيا ليلقى القبض عليه ويعدم في 1995، وقبلها أخي الصغير كفاح وإبنيّ عمتيّ، صلاح، وعلي اللي نعدموا 1983 ولم تسلم جثثهم ولم نعثر عليهم في المقابر الجماعية عقب الاحتلال.
حاصرتني الوحشة ليلتها فعببت قنينة ويسكي كاملة، دون أن أهدأ، فنحبت حتى الإنهاك ولا أدري كيف نمت وأين وما حدث وبالرغم من شدة السكر عصفت بي كوابيس الفقد والضياع.
لم أجد موقفاً أحرج من الموقف الذي وجدت نفسي فيه فماذا أقول لأبن أخي، الذي بمثابة أبني الذي لا أتخيل موته أبداً
كتبت له:
- عمو حبيبي دير بالك على نفسك كن حذراً!
كتب لي:
- عمو شنو أدير بالي
هو الموت يجي لو كنت بين أربعة جدران
أحنه ما نخاف من الموت وأني ويه الثوار من أول يوم
كتب ذلك بتلقائية وبساطة وسرعة في رسالة المسنجر
أشعرني بالخجل
وأدركت أن جيل عراقي ثوري مختلف نشأ
والمجتمع العراقي في غفوة عنه
هو من يواجه الموت الآن بكل شجاعة
واليوم بعث لي أفلام فديو وهو وسط شباب الديوانية الثائر
كتبت له:
- أنا فخور بك يا حبيبي
ونحبت بشدة
28-10-2019
الدنمارك








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة أخيرة - الزمالك كان في زنقة وربنا سترها مع جوميز.. النا


.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ




.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين


.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ




.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت