الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليلى والذئاب: الفصل الثامن/ 2

دلور ميقري

2019 / 10 / 29
الادب والفن


ساقَ حمّاد العربة طوال الليل. وكان قد بقيَ متوجّساً لحين ابتعاده عن بساتين الحارة ومن ثم دخوله في ممرٍ عبرَ الكرم الشاسع، المعرّف ب " البدوي "؛ على اسم صاحب مقامٍ هنالك. على الأثر، صار يفكّرُ مشفقاً بالحبيبة، التي تم إخفاؤها بعناية في هذه العربة، المستعملة أصلاً لنقل الماشية. إلى جانبه على الدرب، بدا فرسُ حاميه وكأنه زوج فرس العربة. حمّوكي، الأقل قلقاً ولا غرو، كان يرسل بصره في وداعة بين أشباح الأشجار والدور الريفية، غابطاً الفتى على حظوته بفتاةٍ على قدر وافر من الجمال حال أغلب بنات العائلات الراقية. ولكنه كان قد كفّ عن النظر باحتقار إلى هذا البدويّ، بعدما اكتشف فيه خلال هذه العشرة السريعة، الطارئة، إنساناً طيب القلب ودمث الخلق: " أما العلاقة الجسدية المحرّمة، فمن منا معشر الرجال لا يرغب فيها! "، كذلك انتهى تفكيره راضياً.
ما أن بلغوا قرية النشابية، وكانت السماء المحمرّة بالشفق تُبشّر بحلول الفجر، حتى استدار الحامي بفرسه فجأة كي يعود على أدراجه: " رافقتكم السلامة "، قالها باقتضاب قبل أن تبتلعه المسافة. في الساعات التالية من الصباح، بلغت العربةُ الحدَّ الوهميّ، الفاصل بين الريف والبادية. وكان من الممكن رؤية سبخة الهيجانة، لو أن الطريق على قدر كاف من الارتفاع. على أن منظر أشجار النخيل الباسقة، الظاهر من تلك الناحية، كان كفيلاً بتحريك قلب الغائب الملول. وإنه ما ينفكّ يحفظ عن ظهر قلب هذه المنطقة، ما دعاه إلى أن يحث الفرس على السرعة بضربات متتالية من السوط. راحت العربة بعدئذٍ تنهب الطريق الوعرة، المحاطة بالقفر، وقد ثار العجاج من بين عجلاتها وقوائم خيلها ـ كما لو أنها مركبةُ حربٍ رومانية، ماضية في شق صفوف العدو.

***
بضعة أيام مضت على اختفاء حمّاد، وكان معلّماه ما زالا مصدومين، غير مستوعبين سبب هروبه بالعربة مع أنهما أكّدا له مُسبقاً أنه حرّ في الذهاب إلى ربعه متى أراد. في أثناء ذلك، كان حمّوكي يُحاول استقاء معلوماتٍ تخصّ أسرة البنت الهاربة، متسائلاً باستغراب كيفَ لم تنفجر الفضيحة برغم مضيّ وقتٍ كاف نسبياً. هذا الوقت، في المقابل، كان الرجلُ قد شغله بالتفكير في أمر المغامرة، التي انساق إليها سعياً للانتقام من أبي الفتاة. انتهى أخيراً إلى قناعة، بارتكابه حماقة كبيرة قد تؤدي إلى ما لا يُحمد عقباه: " ولعل تحريات ذلك الآغا المغرور قد أوصلته إلى حقيقة تورطي، وهوَ متكتمٌ إلى الآن بغيَة توجيه ضربة غادرة؟ "، تمتم في شيء من الإشفاق على نفسه.
على ذلك، أخذ حذره ذات ساعةٍ مبكرة من الصباح حين طرقَ أحدهم بابَ البيت، بأن استل الخنجر من غمده وكان راقداً تحت الوسادة. مضى حذراً باتجاه الباب، وكان قد جعل له قفلاً في الآونة الأخيرة ولم يعُد يُترك مفتوحاً. من مكانه هنالك، سأل الطارق عمن يكون. أجاب رجلٌ بلهجة بدوية واضحة: " أنا من طرف حمّاد، وأحمل رسالته إليك ". أخفى حمّوكي الخنجر في جيب منامته، ثم استقبل الرجل الغريب. الرسالة، كانت بالطبع شفهية، ومفادها أنّ الفتى يرغب بشدة التفاهم مع أبي مَن أضحت زوجته على سنّة الله ونبيّه. هذا، كان آخر ما ينتظره المضيفُ: " ستكون وساطتي أبلغ دليل على تورطي باختطاف الفتاة، فضلاً عن أنّ والدها لا يُطيق أصلاً رؤيتي "، أسرّ حمّوكي لنفسه وقد اشتعلت هواجسه مجدداً.

***
ما أن غادر البدويّ بيته، مُحمَّلاً منه بوعد غامض أن يُحاول السعيَ خيراً، إلا وقرر حمّوكي أن يقابل من فوره عليكي آغا الصغير. حين انفردَ بصديقه في حجرة الأعمال، لم يجد بأساً في قص ما يعرفه عن اختفاء المستخدم؛ دونَ أن يُحاول سترَ مشاركته بتدبير خطف الفتاة. سحنة عليكي آغا الصغير، كانت تتقلّب ألوانها بحَسَب سير القصة. ما أن انتهى الآخرُ من الكلام، إلا وهبّ هذا من مكانه وكان بغاية الغضب: " لا تنسَ، أنها المرة الثانية توجّه ضربتك إلى مَن يعدّك صديقاً وأخاً. إنني مدينٌ لك بحريّتي، وأنا لا يمكنني نسيان ذلك. ولكن لكل شيءٍ حدود، يا صاحبي "
" لولا أنني نادمٌ على فعلتي، أيمكن أن أفشي لك بالسر؟ "، ردّ رئيسُ النواطير بشيءٍ من القنوط. ثم تابع القول، " أما بخصوص المرة الأولى، المتعلقة بصفقة المواشي.. ". لم يستطع إكمال جملته، لأن صديقه أوقفه نافخاً بضجر وهوَ يؤوب إلى مكانه وراء الطاولة: " دعنا مما كان، وقل كيفَ بالوسع الآن التخلّص من آثار هذه القضية؟ فإنّ حمّاد كان مستخدماً لديّ، ما يعني أنني سأكون ملاماً من لدُن أهل الفتاة "
" لقد فكّرتُ بالأمر، وعندي أنّ أفضل حلّ هوَ أن تفاتح والدها بشأن العرض المقدّم من ذلك البدويّ اللعين! "، أجابَ حمّوكي بنبرة رصينة وكما لو أنه أضحى خارجَ الموضوع. كان حرياً بعليكي آغا الصغير أن تُضحكه الفكرة، لو كان مزاجه يسمح بذلك. ولكنه ذهبَ بذهنه إلى تصوّر والد الفتاة، المتصف بالغرور والعجرفة: " إنه بالكاد يرفع يده لي بالتحية حينَ يلقاني، ولا شك أنه يفكّر عندئذٍ ببائع الماشية، الذي أضفى الناسُ عليه لقبَ الآغا ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد .. حفل توزيع جوائز مهرجان الإسكندرية السينمائي


.. ليه أم كلثوم ماعملتش أغنية بعد نصر أكتوبر؟..المؤرخ الفني/ مح




.. اتكلم عربي.. إزاي أحفز ابنى لتعلم اللغة العربية لو في مدرسة


.. الفنان أحمد شاكر: كنت مديرا للمسرح القومى فكانت النتيجة .. إ




.. حب الفنان الفلسطيني كامل الباشا للسينما المصرية.. ورأيه في أ