الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأدب الشعبي وتنظيم اللاوعي الجمعي

منال فاروق

2019 / 10 / 30
الادب والفن


يحمل الأدب الشعبي روح المجتمع، فهو التركم اللغوي الذي من خلاله تعلم الإنسان وسجل تاريخه بدءا من الأسطوره مرورا بكل تنوعات الأدب الشعبي، وكان الحكي الشعبي وهو الأشهر في أنواع الأدب الشعبي، حيث تندرج في إطاره الأسطوره، السير، والحكاية ذاتها.

"إذا أردنا أن نفهم أي مجتمع فلا بد لنا من دراسة وافية لمؤثراته الشعبية وخاصة حكاياتة، لأنها ترتبط بأفكار ، وأزمنه، وموضوعات وتجارب إنسانية، ذات علاقة بحياة الإنسان كما أنها تعد إنعكاسا لكثير من الأعراف والمواقف الاجتماعية والإخلاقية والدنية. فالحكاية الشعبية ليست ثرثرة عجائز لا منطق فيها بل إنها ذات وظيفة تعليمية واخبارية مهمة، لأنها مصدر المعلومات التاريخ غير المدون، كما أنها ذات وظيفة عظيمة تستهدف تأصيل القيم والعلاقات الإجتماعية، فكل حكاية تنطوي على معنى ونمط سلوكي تريد أن ترسخه، وأخر تريد أن تنبذه. بالإضافة إلى ما تحملة من متعه وتسلية وما تقوم به من تفريغ لشحنات آلام البشر وآمالهم، فهي في الحقيقية مخزون لثقافة المجتمع المتوارث عبر الاجيال والذي يمثل ايديولوجيات ذلك المجتمع" 1

إن المتتبع لصناعة السينما على مستوى العالم، وخاصة الاستيدوهات الكبرى في مدينة الترفية الأولى هيليود يجد هناك توجه قائم على إعادة كسر وانتاج الحكايات الشعبية التي تربي عليها إجيال كثيره، وخاصة في استديوهات ولديزني، هذا الكسر للاسطورة والحكاية يجعلنا نقف متسائلين:-


أين نحن من توظيف أدبنا الشعبي؟
كيف تعاملنا معه في إطار الأنماط التي تبث عبر كل ما يتلقى الأنسان ؟

هذه الأسئلة تجعلنا نقف أمام مصادر الأدب الشعبي والذي يقف أمامها مستمدا منه ما يريد وهي:-
" 1- البيئة وما تحتوي.
2 - الوضع الاقتصادي والمعيشي.
3- علاقات الجوار مع الشعوب المجاورة وطبيعة هذه العلاقة.
4- التأثير والتأثر على المستوى الداخلي والخارجي.
5- الإقتباس.
6- المعتقد الديني.
7- الخيال.
8- مهارات الراوي وبراعته في التأليف" 2

هذه المصادر هي جزء من الحياة التي يعيش فيها الفئات المستهدفة، سوء بالتغيير، أو بتنظيم طرق تفكيرهم. وخاصة وأن ما نتعامل معه هو جزء من انتاجهم الفكري وهي الثقافة الشعبية على تنوع مصادرها " تتخطى حاجز الطبقات وتتخطى الحدود الأجتماعية القائمة بين أهل المدينة والريف وتخترق كتلتي المتعالمين والأميين وتطال أبناء المذهب والأديان كافة، وهي تتجاوز أشكال الحصر والتجديد وتنتشر انسيابيا وقسرا" ، هذا الإنتشار يبث مجموعة من القيم، ويقوم مجموعة من القيم التي يتعامل معها الإنسان، ويقف منها الإنسان/ المجتمع موقف التشبث فهي حجر الزاوية في بناء كينونته، فهو يتعامل مع القيمة التي يتبنها في أطار الموضوعات المطروحه وموقفه منها، وموقفه الشخصي، وأيضا الأطار القيمى لثقافة التي يتبنها.

إن أي قيمة يتبنها الإنسان تنعكس على أنماط حياته، سواء أكان في اتجاه ما ينتمى اليه، أو ما يطرحه المجتمع، أو ما يتبنى معتقده الدينى، وسلوكه، وكل هذه الانعكاسات للقيم تبنها الأدب الشعبي وطرحها عبر أنماط شخصياتها التي طرحها في بنائه، وغدى كل فرد يخلق بطله الذي يريد أن يكونه، ويقتدي به؛ فغدى بطل الأدب الشعبي رمزا محملا بالأحلام، مما يخلق شبكة من الأبطال الذين يتبناهم العقل الجمعي، هذا الرمز يحول القيم والمبادئ إلى فعل يتم تقليده، والانتماء له؛ أليس هذا ما يحدث مع الأطفال، بل ويحدث مع الكبار عندما يتماهون مع شخص البطل ويتعايشون معه.

تطوير أنظمة التفكير عبر الأدب الشعبي

"إحذر ما تتمنى ،أنك لست حر
إحذر ما تحكي، فالحكاية هي تعويذتك
إحذر ما تلقي من تعاويذ فالتعاويذ لا تنتهي سريعا" 4

اللغة تلك القوى التي يملكها الحكي، ومن خلالها يوظف الحكي ليطرح ما تريد إيصاله اللغة في دائرة متصله لا تنتهى ، وعبر توظيف اللغة في أطر مختلفة يتم خلق أنظمة من التفكير إما بإعادة الهيكلة أو بطرح أفكار جديدة.

إننا مع فعل اللغة / الحكي، نمارس نوعا من التواصل الذي يتم فيه التبادل الحر بين الأفكار، هذا التبادل الحر تم تقيده، ليتم توظيف الحكي في أطر جديده، بدءت مع الصحافة الورقية، والكتاب، ولم تنته بل تطورت لتطرح التقنيات الحديثة في توظيف الحكاية الشعبية رؤية جديده لهذه الحكايات، ومن خلال هذه الرؤية يتم خلق شبكه من العلاقات ما بين أبطال الحكايات أنفسهم والمتلقي، هذه الشبكه يتم خلقها وتصنيعها بهدوء عبر تكسير أنظمه التفكير القديمة وخلق أنظمة تفكير جديدة.

تخلق منظومة العلاقات بين المتلقي والمرسل مجموعة مختلفة من مستويات التلقي، هذه المستويات ليست وليدة صدفه بل هي وليدة تراتب معرفي وتنوع في الواعي يملكه الأفراد، هذا التنوع يخلق مجموعة من المستويات في تلقي، مما يجعل البعض يقترب والبعض الآخر يبتعد.


عندما نتعمل مع المعانى التي تنقلها الكلمات فنحن نتخيل أننا نمتلك حرية التعبير بها وفق ما نريد، متناسين أن هذه الكلمات حملت عبر تاريخها الطويل بالكثير من الدلالات التي يعيها العقل الجمعي وإن لم يعبر عنها بشكل مباشر، وعندما يتم هذا التلقي، فنحن نخلق توصلنا معه كل منا وفق احتياجاته منه، مع تخزين العقل لرساله غير المباشره التي تحملها اللغة.

هذا التلقي المباشر وغير المباشر يجعلنا ننقسم أمام ما نتلقي إلى فئات مختلفة هذه الفئات بدورها تتواصل مع بعضها في إطار شبكي ليكون السؤال المطروح :-
* هل نستطيع معرفة أنفسنا عن طريق اللغة؟
* ما الذي نريد أن نعرفه؟ وهل هي معرفة مكتمله أم يشوبها فعل نقص؟
* هل نستطيع التعمل مع اللغة بشكل أعمق ؟

إن اللغة / الحكي، يحمل مشتركا بين البشر، ولكن تختلف درجات التلقي من هنا أين يكون العمل لنستطيع إعادة هيكلة الأنماط الثقافية غير المرغوب فيها وإعادة تعديلها؟ وكيف يكون هذا التعديل؟


الأدب الشعبي ووسائل التواصل

أن الأدب الشعبي، والمتمثل في الحكي - تحديدا- يتعامل مع اللغة، ومن خلالها يتم نقل مجموعة من الأفكار التي بها يعرف الأنسان نفسة، ويضع قدمه على أول طريق معرفته بذاته، وبرغم كون الأدب الشعبي/ الحكي، يظهر على انه أدب خفيف ومجرد حكايات، إلا إنه يضعنا أمام انفسنا بلا أقنعه ، يمارسها الأدب الرسمى، وعبر الحكي نُحمل شخصيات لا تملك أي ملامح جسدية سوى أنها "أمير ، اميرة، شرير، اب، أخ .. الخ أي أنماط تحمل صفات في المطلق كما أطلق عليها بروب في كتابه مروفولوجيا الحكاية الشعبية، وجمع هذه الشخصيات في 41 شخصية، هذه الشخصيات كما درسها بروب هي شخصيات محمله بما تريد الحكاية له أن تحمله، ولكن هنا يطل سؤال جوهرى هو:-
* هل ما طرحه بروب كان في إطار تناول الحكايات الشعبية كافة أم نماذج محدده؟
* كيف تناول الأدب الشعبي في كل من الحضارات الكبرى شخصياته وكيف تفاعلات مع الزمن ومع الأحداث؟

لقد طرح بروب عند دراسته نماذج لشخصيات الحكاية النابعه من قلب أوربا والعالم الغربي، بما حملته الثقافة الأوربية بأنماط تفكيرها، وعندما نتناول الحكايات الشعبية النابعة من الحضارة المصرية، أو الحضارة الأفريقية، نجد أبطالها لهم سمت خاص نابع من طبيعة المجتمع الذي تحكي فيه الحكايات، وحتى عند دراستنا لسير الشعبية فأننا نجد أنفسنا نقف أمام إعلاء شخصيات السيرة وفقا لطبيعة كل مجتمع هنا كيف يتم توظيف هذا الأدب في إطار إعادة الهيكله؟

الأدب الشعبي وأنظمة الفكر

سبق وأشرت أن الأدب بشقيه وخاصة الشعبي ينبع من المجتمع، أذن فهو وليد شرعي لأنظمة تفكير كل مجتمع، ومع ما يقوم به هذا المنتج من ترميز الشخصيات والأحداث ، فنحن أمام الحالة الأولى/ المطلق، من الفعل والذي يرى كل فرد فيه انعكاس شخصيته.

هذا الترميز حمل بطبيعة المكان الخاصة، ذلك لان كل قص / حكي، هو ابن بار لطبيعة المكان الأيكولوجية، مما يجعلنا نقف أمام ما أرشف من تراث مصرى متسائلين، هل تم مراعات طبيعة كل مجتمع حين المسح لما انتج؟ وكيف تمت أرشفة هذا المنتج؟

نعم تتشابه الحكايات، ولكن تختلف أنظمة التفكير وبنية المجتمع، فالعقل الأنجلوساكسون، والانجلوفون والجيرمان، والأنجلو امريكان، يختلف اختلاف كلى عن عقل المجتمع الأفريقي، وباقي المجتمعات، مما يجعلنا نقف أمام منتج كل مجتمع بحرص وتأني.

إن المجتمع الأفريقي مثلا والمصري جزء منه بحكم جوار النيل والقارة، وتقارب المورث الثقافي والمعرفي – الأيكولوجي- يجعلنا نرى بطل الحكي شخص فاعل يرفض عصيان القدر ولكنه باصراره وصبره يقوم بتغير قدره، وهو متصالح مع مجتمعه، ولا يعاقب من الأله على ما يطرح من اسئلة، بل يقوم الإله بمساعدته تسهيل مهمته لتتم الأجابه، على العكس منه مجتمع أوربا وأمريكا فنحن نقف أمام حكايات وأساطير يتصارع فيها الإنسان مع قدره ويهرب منه، ليلحقه القدر. وهنا أقف متسائلة كيف هي طبيعة الأدب الشعبي في اسيا بكل الموزيك الحضاري فيها، وكذلك داخل كل من قارة استراليا وامريكا الاتنية، والجنوبية؟ وهي أسئلة تجعلنا نطرح دراسات تقارنيه وبحثيه مهمه.

إذن نحن أمام بداية حقيقية نابعه من المجتمع نستطيع من خلالها إعادة الهيكله، عبر البدء في خطه بحثية مقارنه تطرح قضايها على طاولة الدراسة السسيولوجيه والثقافية، مع ضروروة التواصل عبر الصناعات الثقافية لأعادة الهيكلة وتنظيم الفكر.
إننا عندما نعيد هيكلة الأنماط الثقافية لدي أي مجتمع فنحن نتعامل مع لغة، تتصل ببنية تفكير وليدية مكان وزمان، هذه اللغة لها أطرها وانساقها التي فرضتها، وبتالى فهي وسيلة الإتصال، وهنا نجد انفسنا أمام مجموعة من المشاكل التي لا بد أن نعيها وهي:-

* الإصغاء للكلمات، وهو فن لا يدركه الكثير، ويفتقده الغالبية العظمة.
* أن لكل فرد مفرداته ومعانية التي يستخدمها، بناء على عالمه الذي يحيا فيه.
* إننا حين نتعامل مع اللغة ننسى أننا نتعامل مع اللاوعي للأفراد ، وايضا نتعامل في المقابل مع وعي الكلمات بذاتها وبما تحمله من طاقات، مما ينعكس على الأداء الهش، لما ينتج من دراما تناولت السير الشعبية والحكايات.

هذا وغيره يجعلنا نتسأئل عن الكيفية التي بها نقوم بالاتصال بين بعضنا البعض عبر الحكايات/اللغة، خاصة ونحن وعلى الرغم من كم الدراسات النظرية والأقسام المعنية بدراسة اللغة بشقيها الفصحى والعامية لم نقم بدراسة تاريخ الكلمات وتطور معاني واستخدام هذه الكلمات، ربما تكون هناك دراسات نظرية، أو تطبيقيه على استحياء عبر اجتهاد شخصي ولكننا نقوم بتجاهل الكلمات وعن عمد مما يجعلنا نتعامل معها باستخفاف انعكس على كل ما ننتجه ثقافيا، وهنا نقف كيف نستطيع خلق شعور جميل وراقي بالكلمات؟ وكيف نعيد للكلمات رونقها والأحساس بها لنستطيع تدريب الذوق على الجمال؟

الأدب الشعبي وإعادة تنظيم الإدراك

أحكي، فأعيد خلق الكلمات.
أحكي، فأعيد ترتيب الوعي/ الأحداث
أحكي، فأعيد ترتيب الذهن/ الأدراك
أحكي، فأخلق من جديد عبر الكلمات وأكن أنا سيد الكلمات وأبنها البار حينما اقوم بشكل تلقائي بربط ما يتلقى الذهن بمواقف مختلفة سابقة، نعم هي ليست نفس الأحداث التي أحياها، ذلك لأن " كل ما مر بالذهن يسترجع بطريقية ما في لحظة معينة ولكنه لا يسترجع هكذا ببساطه لإننا ندرك الفرق بين هذا الموقف والمواقف السابقة في نفس اللحظه"5 ، إننا في كل مره نعيد الكمات/ الحكايات، نحدث تغيرا طفيفا في بنية التفكير، ذلك لكون طبيعة الإختلاف في التلقي والتعامل مع اللغة، وعلى هذا فعندما نقوم بمتابعة أحد اشهر الوسائل واكثرها انتشارا بين الناس والتي تعتمد الحكي كفعل أساسي فى مكونها " السينما" نجد انفسنا أمام تأثير غير مباشر، عبر التماهي مع بطل العمل ومعايشته وتقمص حياته طوال عرض الفيلم وهو 120 دقيقية كأحد أدني.

إذن لنتفق إن الأدب الشعبي وعبر وسيطه الأول اللغة يعيد تنظيم الإدراك/ التفكير، ويعيد ترتيب اتصالنا بالكلمات لنعيد ترتيبها واستبعاد ما لا نستخدم وستقبال لكلمات جديدة، وإضافة معنى جديدة على بعض الكلمات، وخاصة عندما يتم توظيف هذا الأدب بشكله الصحيح وبث رسائل بسيطه عبر.

صناعة الإدراك

أن تدراك، فأنت تقوم بتجريد ما تتلقى، وتقوم بربطه في جزء من الثانية بما أكتسبته من خبرات، قائمة بتقسيم الأشياء المحيطة إلى مجموعات لها ترتيبها في سلم اولويات الذهن على مستوى الفرد/ الجماعة، في المقابل لا تستطيع أي رسالة إعادة صناعة الإدراك ذلك " أن الرسالة لا تكون فعالة إلا إذا كان المتلقي مستعدا لها، وإلا إذا كان المرسل معروف الهوية وموثوق به"6 ، هذه الثقة تجعل المرسل يضع ما يريد إيصاله ليستقبله المرسل اليه في ثقة تامه، وبلا خوف مما يرسله.

نحن أمام عناصر ثلاثة هي:-
* رساله:- نريد ان نوصلها عبر الأدب الشعبي/ الحكي، من خلالها نريد إحياء قيم واخلقيات تندثر، ومحاربة مجموعة من الأنماط الأستهلاكية والعشوئية، بما يتناسب مع احتياج كل فرد/ جماعة ثقافية داخل المجتمع.

* مستقبل:- نريد إعادة هيكلة أنماط ثقافية خاطئة تراكمت بفعل غياب الدور الحضاري، وغياب سلطه ضابطه لما يتم بثه، بل لنكن منصفين ونقول إن السلطه بشقيها الحاكمه والمجتمعية ساهمت في تبني هذا الانحدار للوعي عبر تبني المنظومات الداعمه له؛ لفتره؛ وعبر عدم الوعي بخطر ما يبث لفترات كثيرة. لتكن المهزله إن الكثير ممن يتكلمون عن الوعي واعادت تشكيله هم من يساهمون بطرف خفي عن وعي او عدم وعي في نشر هذه الأنماط المهترئه من الثقافة، لنجد انفسنا ندور في حلقة مفرغة من الكلمات.

* مرسل/ سلطه:-
1- تريد تنظيم وبناء المجتمع وفق أسس ثقافية قائمه على الاحتياج الفعلى لكل فرد/ جماعة.
2- خلق نمط من الإدراك قائم على الفهم والإستيعاب، ولكن هل حقا يريد المرسل / السلطه خلق هذا النمط؟!

هذه العناصر الثالثة تقوم على فعل مهم هو التعلم، والذي بدوره يقوم على مجموعة من العلوم هي:-

علوم الإدراك.
علوم الدراسات العصبية.
دراسات الذاكرة واللغة.
دراسة النمو الإدراكي.

ليتم تبني أعادة هيكلة الأنماط الثقافية لخلق حالة من الفهم لدى العناصر الثلاثة التي تحدثنا عنها، هذا الفهم ليس بضروره إجابة عن سؤال... ولكنه يدعم التفكير حول البدائل.

إن عملية إعادة هيكلة الأنماط الثقافية السائدة ليس بالأمر الهين ولكنه ليس بالمستحيل، مما يجعلنا نطرح في ختام الورقه تصور ما بالعبور على صناعة من إهم الصناعات الثقافية الحديثة وهي السينما.

الصناعات الثقافية ودورها من خلال الإدب الشعبي في إعادة هيكلة الإنماط الثقافية

تمارس الثقافة كفعل قوة، سطوة غير عادية، ومع تفعيل مفهوم الصناعات الثقافية " إعادة الأعمال الثقافية إلى الجماهير الواسعة والتي تنتج بأسلوب الإنتاج الكبير أو الإنتاج الجماهيري، وتدخل في عملية انتاجها رؤوس أموال كبيرة" أو لنقل أنها أشكال الأنتاج والأستهلاك لمواد ثقافية تشمل في أساسها عناصر رمزية أو ابداعية.

هذه العمليات الإبداعية والرمزية تشتمل على سلسلة من الابتكارات التي تقوم على إنتاج مفرادات ومكونات متعلقة بالثقافة من إعلام وترفية وأنشطة إبداعية قائمه على الابتكار الفردي كصناعات المحلية مثل الحلي والملابس.
لكي نعيد هيكلة الأنماط الثقافية فنحن بحاجه إلى سلسلة من العمليات تقوم ووفقا لتعريف مفهوم الصناعات الثقافية على مجموعة من الخطوات هي:-

* إعادة قراءات التشريعات التي تتناول العمل الثقافي سواء أكانت قوانين منظمه للنقابات، أو للورزارة، أو للعمل العام.. إلخ

* إعادة قراءة السياسه الثقافية التي طرحة في استراتيجية 2030، وإعادة ترتيبها.

* تنظيم وزارة الثقافة وإعادة هيكلتها .

* دراسة للموارد المتاحة على كافة المستويات وهذا يتطلب خطة عمل بتوازي مع مجموعة من الوزارات.

* البدء في عمل احصائيات شاملة لكل محافظة على حدا تتناول مجموعة محاور يتم من خلالها عمل مسح شامل للمحافظة ثقافيا واجتماعيا لمعرفة احتياج كل محافظة وما تتمتع به من مزايا.
* البدء في دراسة الوثائق الدولية والقوانين المعنية بالعمل الثقافي وتطويعها بما يتناسب مع إحتياجات الدولة.

هذه المقتراحات تجعلنا بحاجه إلى فهم تطور العمل الثقافي في مصر، على المستوى الضيق "النخبوي"، وعلى مستوى فعل الثقافة كواقع معاش في حياة المصري يتنافسه ويتعايش معه حيث يوظف المصري ويطوع كل ما يحيط به في إطار ثقافته.

إننا حينما نوظف الأدب الشعبي في كل ما سبق " الصناعات الثقافية" فنحن نساعد على تنظيم الفكر عبر رابط اللاوعي الجمعى بمجموعة من المفاهيم ولكن كيف يتم توظيف الأدب الشعبي وهو يعتمد على اللغة؟


الأدب الشعبي، ما بين اللغة والتوظيف

يطرح الأدب الشعبي عبر كونه ابنا بارا للغة وسيلة توظيفه عبر مجموعة من الوسائط والتي بها يتم بناء العقل الجمعي، وإعادة هيكلته، وخاصة في إطار مفهوم الصناعة الثقافية، فنحن وعبر خلق صناعة مثل صناعة السينما (قائمه وتعاني من انهيارات ) نستطيع خلق روافد مهمه من الصناعات الاخرى، مثل الملابس، والحلي، وصناعة الطعام.. الخ

وهنا يقال نحن دولة لا تتمتع بثقافة خاصة فنحن دولة كزموبولتان، ولإجابة حاضره نعم نحن دولة تداخلت فيها الثقافات ولكنها صهرت وخلقة ثقافة تسمي ثقافة الدولة المصرية، وهنا يطرح السؤال كيف ؟

إن سؤال الكيفية هنا يطرح على طاولة البحث الكثير من الاحتياجات التي سبق أن أشرت لها في الفقره السابقة، كما يطرح أيضا سؤال الهوية الذي لم نحسمه على المستوى المجتمعى وأن حسم جغرافيا! كما يطرح أيضا سؤال الكيفية سؤال الفعل وخطواته، فبرغم التحرك على جمع التراث ووجود ارشيف له إلا أن هذه المواد الأرشفية لا توظف لانه لا توجد خطه تتضافر فيها مجهودات الدولة والمجتمع المدني ورأس المال لتوظيف هذا المورث، ونجد أنفسنا في كل من صناعة السينما والمسرح والغناء، نجتر مجموعة من القيم القادمة من المجتمعات المختلفة مما يقوم بخلخلة الثقافة والهوية!

مع التعامل مع الأدب الشعبي كمادة أرشيفية ، بلا مراعة أنها مادة حية تتطور وتنمو وتوظف داخل المجتمع عبر اليومي.

إننا أمام معادلة اطرافها محدده ولكنها مشتته بفعل تفاصيل كثيرة، هذه التفاصيل بحاجة إلى الدراسة والتفكيك ليتم الإستفادة من ما ننتجه من تراث شعبي، ومما جمع ومما لم يجمع بعد لنعيد توظيفه في الحياة اليومية.




أخيرا...

طرحت الورقة الكثير من الأسئلة أكثر مما أجابت، هذه الأسئلة ربما تكون بداية لإعادة فتح ملفات مسكوت عنها، وإعادة هيكلة مشروع ثقافي يتم من خلاله توظيف كل العناصر المتاحه والممكنه وخلق بداية جديدة.

كما طرحت الورقة مجموعة من العناصر عن الموقف من الواعي والإدراك، ودور الأدب في تطوير والإدراك؟

ويقف السؤال كيف يتم تطوير الإدراك في إطار منظومة تملك رؤية شبة مكتملة ولكنها لا تملك أدوات الفعل، وأن ملكت أدوات الفعل لا تملك إدارة وإرادة الفعل، ذلك إن إعادة هيكلة الأنماط الثقافية، لا تعنى رفض الآخر، ولكنها ترفض القبح بكل اشكاله، كما تتطلب العمل على الهوية الخاصة بالمجتمع وتنميتها وإعادة بنائها وفق أسس محددة بخطة عمل متكاملة تتضافر فيها جهود أجهزة الدولة الحكومية والمدنية، وهو عمل ليس بالصعب ولكنها بحاجه إلى قوة دافعة وعمل على أرض الواقع وفي مناطق كثيرة يتم تشويهها وتهميشها.

إن المتتبع لوضع برامج الأطفال، وحال السينما "كصناعة" وكل ما يتم إنتاجة يجعلنا نقف متحسرين نتيجة لتضارب وتبنى رؤية غير واضحة المعالم وأن كان هناك مجهودات فردية تعمل في صمت ودأب.

كما أن المتتبع لحال المجتمع المدني والوزارت المعنية بالعمل المجتمعي يجد تداخل بين الإختصاصات مما يضعنا أمام كل ما يحدث متسائلين لماذا كل ما يحدث؟

ومع ذلك هناك أمل في توظيف الأدب الشعبي وتوظيف ملكته عبر تبني خطوات يتضافر فيها المجتمع المدني مع الدولة في إطار خطة عمل وإطار سياسة ثقافية واضحة تحددها الدولة بتوافق مع كافة عناصر المجتمع؛ وهو جهد عظيم، ولكنه ليس بمستحيل.


الهوامش
1-جيهان مصطفي القاضي: الحكاية الشعبية السواحيلية ( القاهرة: جامعة القاهرة، معهد البحوث والدراسات لإفريقية، قسم اللغات الإفريقية، رسالة علمية غير منشوره)
2- صبري سلامة: حكايات من بلاد الهوساء "بنصريف"
3- عبد الغني عماد: سوسيولوجيا الثقافة واشكاليات الحداثة إلى العولمة (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، فبراير 2006)
4- فيلم : in the woods
5- مصطفى ناصف، اللغة والتفسير والتواصل (الكويت: المجلس الوطنى للثقاافة والفنون والآداب، سلسلة عالم المعرفة، العدد"193"، يناير 1995) ص 146.
6- مانويل كاستلر، سلطة الإتصال، ترجمة وتقديم: محمد حرفوش(القاهرة: المركز القومي للترجمة، العدد"2091"، 2014)، ص26.
7- مجموعة باحثين، كيف يتعلم الناس " المخ، والعقل، والخبرة، والمدرسة" ترجمة نخبة (القاهرة: المركز القومي لترجمة، العدد 1736، 2016)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا