الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أين ينظر العرب.. (3)

وديع العبيدي

2019 / 10 / 30
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


[الزبالة للزبالة.. عوفو العراق بحاله]
نحن لم نخلق.. لم نصنع ولم نبتكر شيئا، ما خلا البذاءات والتفاهات. ولأننا نخشى اقتراف (التفكير)، فقد أعلنا انتسابنا للواقع السائد، من غير تمحيص أو مناقشة. وإذا تورع أحد ما لطرح سؤال من باب الجهالة، كانت العقوبة أكبر من الآصرة الانسانية المفترضة بين البشر. وقد تلقيت أول تعنيف من والدي، عندما سمعني أقول لأخي الأصغر، وكلانا دون سن المدرسة يومها: [البشر مثل عائلة كبيرة، والله مثل الوالد لهم!]. لا أعرف من أين جئت بتلك الجملة البريئة، ولكن والدي الذي كان يحبني جدا، شتمني شتيمة، لم أتورع بعدها على الافصاح عن أفكاري.
والدي كان علمانيا، يرفض الفكر الديني وخزعبلاته. ولكن، عندما تنخدش بديهيات الثقافة (العرفية)، ينسى علمانيته، ولا يختلف عن أي مسخ جاهل متدين. وصرت أتوقف عند تفاصيل دينية وطقسية ، يومية واجتماعية، لها من التبجيل والتقديس، أكثر من ثوابت الايمان والأديان.
[الشيطان في التفاصيل].. التفاصيل هي (بدهيات) واقعنا وثقافتنا العرفية الموروثة توريثا أعمى.
منذ بدايات طفولتنا/(البريئة)، تبدأ (الأم) في (علفنا) بتفاهات معارفها الواسعة، تحت عنوان (الخوف علينا)، و(تربيتنا)، و(جعلنا راضين مرضيين عند الناس والله). من أوائل ما لقنتني (الوالدة)..
- قولة البسملة عند النهوض من النوم أو (المشي في الظلام) أو عمل أي شيء، لأنها (تجلب الحفظ).
- استخدام (اليمين) في الأكل والكتابة والسلام ومنه: الدخول بالقدم اليمين للبيت، وبالقدم الشمال للمراحيض.
- فضلا عن قراءة الفاتحة والتعاويذ قبل النوم يوميا، والشكر والاستغفار.
بكلمة، ان والدتي كانت بؤرة (التدين الشعبي)، ومنها ورثت كلّ التراث والقصص الديني والبدع والهرطقات، بينما كان والدي يخالفها مبدئيا في كلّ ذلك. وعلى الحيطان.. كانت تضع صورا لرموز دينية ، وتتكلم معهم وتبكي عندما تكون لوحدها. ولم ينقطع لسانها عن اللعن والشتم والاستعانة بالمقدسات للانتقام ممن يغيظها.
حتى اليوم، يستمرّ هذا العرف الميثولوجي الاجتماعي من غير تغيير أو تفكير. العلمانيون والحداثيون والغربيون أنفسهم، يتصافحون باليد اليمنى، ويبدأون السلام والطعام من جهة اليمين، ويصعدون الفرس والسيارة من جانب اليمين، ويقفون إلى (يمين) المرأة، بينما تقف المرأة في جانب اليسار، وهو الوضع السائد في (سرير الزوجية والمجامعة). لماذا؟..
إذن، حتى عندما نكون مع أنفسنا وخصوصيتنا، نمارس تلك (البدهيات)، رغم انعدام (الرقيب) الاجتماعي والسلطة المجتمعية.
(العقل) هو سلطان الوجود. وما من أحد، يزعم عدم استخدامه لعقله، وهذا كذب شائع.
ان الجزء الأكبر من حياتنا ونشاطنا، يستند للتلقين والتكرار ودوافع الغريزة. أما العقل، كقيمة عليا مجردة وقائدة، فلا وجود له في حياة العرب وتاريخهم بالجملة.
ثمة فارقا بين تعبير (عقل) و(فكر) و(ذهن) و (دماغ). وثمة خلط عشوائي/(مقصود) بينها في على صعيد المجتمع وقطاعاته.
بعبارة أخرى، ان العرف الاجتماعي، له السطوة العليا في مجتمعاتنا، عبر التاريخ. وحامية العرف هي طبقات الغوغاء النائمة في قاع المجتمع. طبقة الغوغاء الهامشية، هي التي تسود المجتمع، وتتحكم به وتتسلط عليه. ليس في الأرياف والبوادي، حيث مقامها، وانما في فلذات المدن والعواصم. (الحمال/ العتال) وليس (التاجر) هو من يتحكم بمعايير المهنة، ومعايير النشاط الاقتصادي والمجتمعي.
ولكي يتم ذلك، يستند (الغوغائي) لأحد دعامتين من الموروث..
أولا: العرف السائد المتوارث.
ثانيا: التدين الشعبي/(السطحي).
ان الحكومة أو التاجر، لا تستطيع شيئا حيال انصراف (العتال) لأداء (الصلاة في أوقاتها)، أو التوكؤ على يافطة العادات والتقاليد، لعرقلة سياق العمل.
بسبب تعاظم طبقات الغوغاء في بلاد العرب، وأساليبها الانتهازية والقميئة في ممارسة حياتها، ومصادَرة بقية الفئات الاجتماعية؛ لم تشهد مجتمعات (الاسلام) ظهور (الطبقية الاجتماعية) من جهة؛ ولم تشهد ظهور سياقات تنظيمية قطاعية ، لتنظيم فئات النشاط الاقتصادي/ العلمي/ السياسي، من جهة أخرى. مما فسح المجال لسيادة (العشوائية) و(الاناركية) و(المزاجية)، ومختلف التسلكات الانتهازية والوصولية وبطرق وذرائع وضيعة.
(باسم الدين باكَونا الحرامية).. شعار شكل تحولا في الوعي المجتمعي نحو فكرة (الدين الشعبي الغوغائي)، ولكنه في الواقع، وعي متأخر أكثر من ألف عام. بل أنه من لحظة ظهور فكرة (الدين) كان (ظاهرة طفيلية) تتشبث بجلدة الناس وتنمو وتتبرعم.
انه مثل (الدودة الشريطية) التي تلتصق بجلدة الانسان وتخترقها لتتوطن في أحشائه، فلا يملك عنها فكاكا. بكلمة واحدة، (ان الدين هو دورة البلهارسيا). والبلهارسيا تنتشر في البقاع المنخفضة الرطبة، حيث يسود التخلف والجوع والانحطاط.
فكرة (السرقة/البوكَه) الدينية، ليست مباشرة وصريحة، انما هي عملية (سلبية)، لأن الفرد هو الذي يقوم بالتبرع وتقديم المال لرجل الدين أو الجهة والمؤسسة الدينية. فالفرد المانح للمال/ الرشوة الدينية أو الاجتماعية أو السياسية، يتحمل القسط الأوفر من الانحطاط الأخلاقي والجريمة الاجتماعية. الدين أساسا يقوم في بيئة الجهل والغباء، وينمحي تدريجيا، بتقدم العقل ونهضة الوعي وسمو الثقافة والاخلاق.
الطفل المولود في بيئة مسلمة، يعيش في وسط (عقابي) صارم، تتصدره أوامر النهي والأمر والترهيب والقهر. (الخوف) و(النهر) و(العيب) و(الحرام) و(اللعن) و(صورر الجحيم) والعقوبات الدنيوية والخرية، والتهديد بوجود ملائكة على الكتفين، يسجلان كلّ ما يصدر عنه ويدور في فكره وقلبه، ويشهدان عليه يوم الحشر. هذا الرعب المتنوع والمتعدد الطبقات الذي ولدنا فيه، كان أكبر اعتداء (جبان) على وجودنا وكياننا، ونحن في سنّ عاجزين عن التمييز وعن الحماية والدفاع عن أنفسنا. وكانت العائلة بدء بالأبوين، أول أعداء الطفل وتشويهه وتدميره نفسيا وفكريا، لينشأ عبدا مسخا يجتر تعليمات العائلة والمجتمع ونواهيه؛ أو يصل به الحال، للتمرد على كلّ القيم والمحظورات، وقد يتمادى أكثر فيختلط عنده الخير بالشر، والخيانة بالوطنية، والنبل بالانحطاط.
التربية الأبوية والمجتمعية الغبية/(المنحطة)، تتولى باكرا جدا، بتشويه صورة (الإله/ الألوهة) في لاوعي الطفل قبل ادراكه ماهية البشر والنظم الاجتماعية. ان نظامنا التربوي الأمومي والمجتمعي، هو نظام تعيس (إرهابي) ينبغي حظره حظرا تاما، محليا وعالميا.
وعندما يقتنع الناس والمعنيون بهذا الكلام، سوف يدركون سرّ تشوه الشخصية الشرقأوسطية واضطرابها. سوف يدركون ويقتنعون بأسباب هشاشة الشخصية واعتيادها الكذب والنفاق والمباطنة، رغما عنهم، وبفعل التلقين اللاواعي السائد في المجتمع.
هذا الشخص الكذاب والمنافق والجبان رغما عنه، كيف يتوفر على المصداقية في موقفه السياسي والأخلاقي. مبدأ (الإعتراف) المسيحي لا وجود له في مجتمعاتنا. وهو أمر مستنكر ويوصف بالجبن ودلالة الخوف، رغم أن كل مسلم، يعيش في خوف مدقع، من الموت ومن عذاب القبر وأهوال الجحيم. وكلما تقدم في السن، زاد خوفا وهلعا.
نحن بحاجة للتوقف العلمي البحثي والجدلي والنقدي، عند سنوات طفولتنا الثلاثة والخمسة والسبعة الأولى، إن استطعنا إليها سبيلا. ان حجم التلقين والزيف ووالدمار المحشو في تلك السنوات، هو أكبر من عمر الانسان وكيانه. وكثيرون يذكرون قصص السعلاة والجن والأبالسة من مرويات العائلة قبل النوم، الحافلة بالرعب والتهديد. لهذا يتكون رد فعل داخل اللاوعي، بكراهة الذات وكراهة الناس وكراهة الحياة، يأخذ صور (العنف): [النفسي (أو) الفيزياوي] قد يتنامى، وقد يختزل داخل الشخصية، وينبلج في حالات التوتر والعصبية والمواقف الحادة، فتجد المؤمن المصلي، يأتي بأقذع الكفر وأحط صور الانحطاط.
في هذا السياق، ومن ظواهره، يقول مفكر لبناني، أننا نستقي معارفنا الأساسية، من قاموس الشارع وبذاءاته. أكثر معارفنا الجنسية وأولها، نسنقيه من قاموس السباب الذي يتعرض لأمها والأخوات/(اناث العائلة والمجتمع)، ويقدم تشريحا لأعضاء الجنس ومعاملاتها، باسلوف فج وقميء.
هاته المعارف الجنسية المشوهة والمقذعة، هي التي تساهم في بناء صورة ونظرة وموقف مشوه وسالب عن (الجنس) و(الانوثة) ، وهي التي ترافق الشاب والشابة إلى سرير الزوجية عند الزواج. بين نقطة الطفولة ونقطة البلوغ، ثمة ممارسات مشوهة في حياة المراهقة، لا تخلو من الاعتداء على حشرات وحيوانات، وعلى بنات صغار، غير واعيات وغير قادرات على حماية أنفسهن. بل أن صبيان العائلة يتحرشون ببنات العائلة والجيران والأقارب في سن مبكرة، وفي لحظات غياب الكبار عن البيت، أو في مكان منعزل.
المرأة التي تمر بتلك التجارب وتدركها مع التقدم في السن، لا تنفك تتهم الزوج والمجتمع الذكوري، على خلفيات بيئة اجتماعية سفلية متفسخة. ولكنها، العاجزة عن حماية نفسها، وتبرير انصياعها لأوامر الأخ الأكبر أو الخال أو ابن الجيران، تجعل (الزوج) ضحية لتصوراتها ومادة للانتقام والطعن، من ذكرياتها العاجزة عن تجاوزها أو التوصل إلى تسوية ومصالحة مع نفسها. أكثر النساء، يعتبرن مجتمع (الرجال) رجلا واحدا، وشخصية مشوهة مختزل في صورة (الذكورة).
هل (الدين) هو (الجنس) فحسب. هل الأخلاق، تنحصر في أعضاء (الجنس) وعملياتها، أم عقول رجال الدين السفهاء، تدور حول صور الأعضاء الجنسية فحسب. فالخضوع والطاعة و(الخنوس/ الخناثة)، مشتقة من التعليم الأخلاقي الديني السفلي، بقيادة نساء العائلة كبيات السن، المسؤولات الأول عن تلقين وتنشئة الأطفال قبل سن الادراك والبلوغ.
(الدين) هو الدائرة الوحيدة، التي يتساوى فيها الجاهل والمتعلم. وتستدل على هذا، من اجتماعات الصلاة والزيارات والطقوس الدينية الفجة حيثما وجدت. وقد ذكرت من قبل، ان تعليمنا فاشل ووسخ وعقيم. وما قيمة التعليم العربي والاسلامي الشائع والرائج، مقابل انتشار الفساد والبذاءة وغياب الأخلاق والضمير والرحمة.
ماذا تفعل بجيوش الدكاترة والأكادميين، المنافقين على وجوه الملأ، ولا يبتدئون أحاديثهم بغير البسلملة والصلوات الوثنية، وسرد نصوص دينية، لتبرير همجية حكومية ومجتمعية، وتفسير حوادث المجازر على أنها (قدرية)، وتوصيف المخالفين والمناوئين لهم بأنهم (شياطين/ كفرة/ فجرة/ ملحدون). لا يوجد (مارتن لوثر) عربي أو مسلم، ولا يوجد مجتمع ذو عقل ووعي، ليأخذ بالألباب. كل ما لدينا مجتمع منافق طفيلي جبان.
(جبان) هو التوصيف الأدق لمجتمعاتنا ومنتجاتها البشرية البخسة، فمن جهة، حروب العرب وبطولاتهم وكراماتهم تنحصر فيما بينهم فقط، فيما هم منطرحون منبطحون متملقون متسلقون انتهازيون منافقون أمام أقدام الأعداء والغزاة. وقد راجعنا التاريخ فلم نجد مواجهة دفاعية شريفة للعرب، ضد عدو غاشم غاز. وكل الاعداء والغزاة دخلوا بلاد العرب واستحيوا مجتمعاتهم بدون مقاومة ودفاع. بدء بغزوات الفرس العسكرية والدمغرافية والسياسية، حتى غزوات الانجليز والأميركان، ومن سيأتي لاحقا.
لكن العربي يستذكر كرامته ويتحسس خنجره ومسدسه، ضد أخيه وشقيقه العربي والمسلم، عملا نقضيا بالنص الموروث : (كلّ المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه!)؛ وعليك هنا، تفسير كل مجازر التاريخ العربي القبلي والطائفي والمذهبي، منذ معركة الجمل حتى الاسلام السياسي المعاصر واحتلالات البلدان العربية لبعضها البعض.
كم هو حجم غياب الوعي الفكري والنقدي، في التآمر السعودي ضد مصر الخديوية والناصرية، تأمر مصر الخديوية والجمهورية ضد العراق الملكي والجمهوري، والتأمر المتبادل بين العراق وسوريا، وجذوره الأموية الشيعية المزيفة، وصولا للتناحر العربي العربي الايراني في لبنان [1975- 2005م] والعراق الراهن، وغزو العراق للكويت وغزو سوريا للبنان، وغزو السعودية لليمن، وجملة الخلافات والتناحرات والعقوبات العربية العربية العالقة، فيما ينبطح العرب تحت أقدام انجلتره وواشنطن، ويتوسلون ويتملقون (دولة اسرائيل) من جهة، و(ايران) من جهة.
لا العراق، ولا غيره من العرب، دخل في منازلة ضد الأمريكان. وما من مواجهة عسكرية عربية لهم ضد الانجليز، ولا جرؤ العرب على مواجهة الفرس، ما خلال (القادسية الثانية) [1980- 1988م]، والتي انتقمت ايران لنفسها من العراق، شر انتقام، أمام غياب عربي وخيانة عربية عراقية، وعمالة عراقية طائفية بامتياز.
إذا تجاوزنا الجانب السياسي والدولي، إلى الجانب الاجتماعي والمجتمعي، حيث مستقعات الدين الشعبي الآسنة، كيف ينعكس (الدين) في حياة الشارع؟..
ما من مجتمع عربي ومسلم، يخلو من الشحاذة، بشقيها الأخلاقي والمهني.
ما من مجتمع عربي ومسلم، يخلو من العنف الأهلي، اللفظي/ النفسي، الفكري، الفيزياوي.
ما من مجتمع عربي ومسلم، يخلو من العنف والاستهانة بالأنثى: تربويا/ نفسيا/ اجتماعيا/ فكريا وثقافيا.
ما من مجتمع عربي ومسلم، يتورع عن الكذب/ الزور/ النفاق/ الانتهازية/ الوصولية/ الحسد/ الطمع/ الدعاء واللعن والشتم البذيء/ نقصان الأدب وكل صنواف البذاءات.
ومن ينكر ذلك ويتجاهله، فأن شاشات الفضائيات والاعلام الالكتروني، فضحت كلّ أخلاقيات مراجع الدين ورجاله وادعيائه ومنافقيه، بما يكفي لإدانتهم، على حلبة التاريخ، وحلبة المجتمعات. فهل نستغرب سقوط الدين اخلاقيا وسياسيا واجتماعيا وفكريا.
سقوط الدين، هو أيضا، نتيجة من نتائج انتشار التعليم والجامعات المجانية، وتضخم أعداد رجال الدين ودخول الحابل بالنابل، والتنابز من أجل المال.
(المال). ما هو موقف (الدين) الأصلي من (المال)؟.
اليوم، في زمن السقوط والرداءة والرذيلة، صار المال هو (المعبود).
ومن مظاهر بذاءة (الدين) أن يتحول رجل دين إلى (ملياردير): له عقارات وأملاك وتلفزة فضائية، تمجد شخصه وصورة لحيته وأكاذيبه المؤذية للكرمة والذوق العام. (رادود) مبتذل، يفتتح له أكثر من فضائية، في بلد تسوده المخدرات والبغاء الاقتصادي وبيع الأعضاء البشرية.
ماذا ينتظر من مستقبل (الدين) عند العرب، ومن الغاء (كرامة البشر) على يد أدعياء (الدين) جملة. بغض النظر عن نوع الدين والمذهب والطائفة والفرقة والبدعة، ومختلف أصناف البذاءة والسقوط؟.
المعيار في المجتمع وعلى مدى الزمن، هو (الانسان). احترامه وصيانته وكرامته وحقوقه.
العرب، بوصفهم مجتمعا دينيا، يكتسبون هويتهم ونفاقهم من (نص ديني)، لا قيمة ولا كرامة للانسان بينهم.
الحشرة أكثر قيمة من (الانسان) عند العرب وتجار الدين، لماذا؟.. لأن (الحشرة) بلا (دين).
إذن: للمقارنة بين قيمة الحشرة وبين الانسان، هو : (أن الدين سبب انحطاط والغاء الانسان)!. بغض النظر عن كون الدين بنصه أو بفهمه وتفسيره، أو تسييسه.
[أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون]- (البقرة 2: 30)
لا يوجد عبر التاريخ، مجتمع مثقف متدين. هاته (نكتة). المجتمع الفرنسي بلغ الثقافة بعد الثورة الفرنسية [1789- 1799م]. والثورة الفرنسية قامت على كتفي فولتير [1694- 1778م] وروسو [1712- 1778م]. وهو أمر انفردت به فرنسا ولم يتكرر في بلد الآخر لليوم. بينما وظفت بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية (الدين) لترسيخ نظامهما السياسي، والتوسيع (امبراطوريا) حول العالم.
(سومر) التاريخية [4000- 2700 ق. م.] هي المؤسسة لفكرة (الدين) و(الألوهة)، كوسيلة لدفع (الخوف) عن الناس. والذي/ الذين اصطنعوا/ اخترعوها ، كانوا (نواة) جماعة (الكليروس/ الكهنة/ رجال الدين)، القائمين عليه وعلى طقوسه وممارساته، وجماهير قطيعه. كان ملوك سومر/(دولة مدينة)، يعتبرون أنفسهم بمثابة (آلهة)، لهم حقوق [الطاعة والخضوع والضرائب]. ومن معانى لفظة (ملك) السومرية، معنى (إله). وسوف يظهر لاحقا، مغزى الموقف الاسلامي السلبي من استخدام لفظة (ملك)، ورفضه ظاهرة/ طبقة (كهانة/ كهنة)؛ الأمران اللذين خرقهما المسلمون، ولم يعتبروا بثوابت (الاسلام).
وللحفاظ على حقوقهم ومكانتهم التاريخية، قام كهنة سومر/(حسب مواقعهم في كل مدينة ومملكة)، بتأسيس (نقابة كهنة) على أسس وشروط متشددة، تحصر حق الكهانة، في عوائل الكهنة وبيوتهم، أي (توريث مهنة الكهانة)، وذلك لحفظ أسرار المهنة وعدم افتضاحها لدى العامة.
فالكهانة مهنة، لها أسرار ومفاتيح وطلاسم ودجل، وهي تداخل وتتمظهر مع (السحر)، الذي كان البيئة والحاضنة الميثولوجية لتبلور فكرة (الدين).
هل نفع (الدين) ملوك سومر ومجتمعاتهم؟.. هل استطاع كهنة سومر، دفع البلاء والتشرذم والفتنة والحروب الأهلية التي انخرطوا فيها؟.. وكانت وراء انقراضهم وتشتتهم، وضياع ريحهم.
يفتخر ابناء العراق اليوم بـ(سومر) من باب الجهل واستشعار عقدة النقص والعجز والفراغ. ولكنهم لا يعرفون عن سومر وغيرها، غير بعض ما سطّره الأجانب والمستشرقون في ذلك. هل يعرف العراقيون عن سومر ما يعرفه المصريون عن الفراعنة؟.. هل ثمة انتماء وحب عراقي لبلدهم وتاريخهم، على غرار حب المصريين وانتمائهم لبلدهم وتواريخهم؟.. لا حاجة للكذب على الذات.
ولا مبرر للمراوغة والتجاهل ازاء طبيعة الشخصية العراقية الموصوفة والمعروفة بالنفاق والازدواجية. وما حصل مع بداية الالفية الثالثة، أثبت فقدانها للمصداقية، محليا واقلبيميا وعرلبيا وعالميا. فعن أي سومر يتحدثون، وأي بابل، باعها أهلها للعدو، كما يجري اليوم.
(الدين) هو صنيعة رافدينية، قائمة على الزور والدجل، لذلك يدفع جريرتها العراقيون اليوم، أكثر من سواهم. (الدين) كان سبب دمار العراق، سبب انقسامه وتشظي مكوناته، سبب تخلفه وانعزاله عن الحضارة والتمدن، سبب استقدامه للغزوات والغزاة والطارئين على هويته وحضارته.
تميزت بابل [1894- 1594 ق. م.] بملوكها العظام، وجبروتها الامبراطوري. و(الدين) ينسحب في حالتين: المجتمع متعدد الطبقات، الدولة ذات زعامة قوية. وبالمناسبة. لا يوجد مجتمع ديني طبقي، لأن خاصية الدين، هي مسح وتطهير كل ما يخالفها ويخرج عن منظومتها. و(الدين) يخشى الدولة والزعامة القوية، لأنه يحجم سلطاتها ويجردها من صلاحياتها وممارساتها الوحشية. وما حصل في الشارع والعراقي بعد (السقوط) من انتشار مكاتب السحر والدجل والطب الشعبي، وما يوازيها من بدع وهرطقات ودجل مكشوف، دلالات، غابت عن العقل العراقي.
أول ما فعلته بابل ، هو استبدال (الدين) بالدستور والنظام القانوني، واستبدال السلطات الدينية، بسلطان الدولة. بابل في ذا المساق، أو خطوة عملية للعلمانية والدولة المدنية. وفي بابل السياسية جرت أول محاولة لتوحيد الديانات وتنسيق الطروحات والأفكار الدينية، في أطار منظومة دينية واحدة موحّدة، يكون على رأسها الملك، أو شخص معروف يعينه الملك. وهو النسق المستمر لليوم في دول المسلمين، لتوزيع السلطة بين الزعيم السياسي وقاضي القضاة، أو المفتى العام.
بابل: توحيد السلطة السياسية المتشظية في يد زعيم سياسي واحد؛ وتوحيد السلطات الدينية في يد (كاهن أعلى)، يخضع له بقية الكهنة والسراطين. وبوجود سلطان سياسي قوي واضح، وسلطان ديني قوي واضح، تسود حالة من الاستقرار والأن المجتمعي، وتتطور حركة الاقتصاد والتعليم والبحث، وهو المعروف عن النهضة الحضارية والاقتصادية والفلكية والرياضية لامبراطورية بابل الأولى.
إذن لماذا سقطت بابل؟..
بابل لم تسقط. بابل واجهت تحديات جيودمغرافية، وغزوات همجية من الشمال والشرق، كما ترد تفاصيلها في سجلات بابل. ان مصيبة العراق/ ارض الرافدين/ ميسوبوتاميا، هو طبيعتها الجغرافية المنبسطة والمنفتحة الأطراف. لمعادلة الانفتاح الجغرافي السلبي، يقتضي أن تتوفر البلاد على أمرين:
- مجتمع قتالي شرس، يحب أرضه ويعتز بهويته وانتمائه.
- نظام سياسي متين وزعامة وطنية قوية ذكية وراسخة.
هذا الأمران، توفرت عليهما (امبراطورية الصين) التاريخية، وقد ألحقت به، فكرة (السور العظيم) الخالد لليوم، لصدّ الجماعات الهمجية عن اختراق البلاد. والأمور الثلاثة، يفتقدها العراق، وهو يخشاها ويعمل ضدّها عمليا. وهو المثال الأكثر سوء وغباء في هذا المجال، ليس اليوم، بل منذ طروء علي ابن ابي طالب [599/ 657- 661م] عليه، والعباسيين [750- 1258م] من بعده.
لم يظهر نظام سياسي متكامل منسجم في ارض الرافدين. ولكنه شهد من وقت لآخر، قادة عظام، يقدمون منجزات عظيمة ولكن جزئية للبلاد، وفي الغالب، ينتهون نهايات مأساوية. لم يشهد العراق استقرارا مستقرا وأمنا حقيقيا، ولكنه توفر على نظام زراعي ومنظومة شبكة ري متكاملة، أفضل من بلدان أخرى. فلم لم ينجح ابناء العراق في تشخيص عيوبهم ومميزاتهم، من منظور وطني ستراتيجي شامل وكامل؟..
الجواب بوضوح وبكلمة واحدة: هو سكان العراق/(المجتمع).
ان سبب خراب ارض الرافدين/(العراق) ليس بيئته الجغرافية والاقتصادية الغنية، ليس موارد النفط والفوسفات والمعادن المختلفة، ليس مياهه الوفيرة، ليس تاريخه وحضارته ومدنيته العريقة، ليس حكامه وأنظمته السياسية؛ انما مجتمعه المتخلف ومكوناته الدمغرافية المتصارعة والمباطنة، خصائصه النفسية والاجتماعية وعقلياته المضطربة، العاجزة عن الصراحة والمواجهة والمصالحة أو الاندماج.
منذ عصور سحيقة، وحتى هذا اليوم، لم ينقطع الغزو الدمغرافي وموجات البشر الهمجية من اجتياح أرض الرافدين، وتشكيل (غيتوات) دينية ثقافية قومية داخل اطار نظامه السياسي الحمائي، دون الانخراط في نظامه الاقتصادي والاجتماعي ومنظومته السياسية والثقافية، وإذا فعلت، ففي إطار محدود، يضمن حمايتها وحماية مصالحها الفئوية.
ولعل أفضل وصف جرئ لذلك، كان تعبير (الجيوب) العميلة، في جملة النسيج المجتمعي الوطني. وهي جيوب، قادرة على التواصل والتلاقح مع أصولها الأجنبية، خارج المحيط السياسي للرافدين، من جهة، ومع قوى خارجية، لها أطماع ومصالح داخل المحيط الرافديني.
وللأسف، لم يعن المثقفون العراقيون، كتابا ومؤرخين وأكادميين عاملين في جامعات العراق، بدراسة وتحليل وتشخيص جريء، لمعضلة الجماعات والاقلويات العرقية والدينية والثقافية، غير المنسجمة مع الهوية والنسيج العراقي. علما أن العراق، خلافا لغيره من البلدان، لا يتوفر على هوية وطنية ثقافية حقيقية، ولا يتوفر على ىثقافة الانتماء والايمان والأصالة. وعملت تياراته السياسية والدينية، على معارضة وتفنيد السياسات الحكومية الوطنية، لمعالجة، مواضع الخلل والتوتر. وبكلمة واحدة، ان الذين يعانون ويشكون، من المثالب والاضطرابات وأصناف الفساد وهدر الطاقات القومية والبشرية وانعدام الاستقرار والاصطراع، هم أنفسهم الذي عارضوا بكل وسائلهم، الاجراءات والسياسات الحكومية السابقة في القرن العشرين، لبناء عراق قوي ومجتمع موحد ونظام سياقتصادي متين.
اليوم، يزعم البعض ان مشكلة العراق هي (الدين). وبكل أدب مصطنع، يعتبرون (الحلّ) هو (العلمانية)، حسب مفهومها الأوربي، أي (فصل الدين عن السياسة)/(فصل الدولة عن الدين)/ (فصل الكنيسة عن الدولة/ الجابري).
الجبان لا يبني بلدا ولا مجتمعا ولا ينتج فكرا. كيف تطالب بالعلمانية والدستور المزور يتبناها، رغم تناقضاته؟. كيف تتحدث عن العلمانية والسلم الاجتماعي، وأكثرية الأحزاب والتيارات والمليشيات تتبنى فكرا دينيا طائفيا معاديا لمصالح البلاد والمجتمع.
السؤال ليس في العلمانية، وانما أدعياء العلمانية العرب. هل يوجد علماني عربي؟.. سؤال صعب وحرج وملح؟..
ان الفرد العربي يتلقن (الدين) في لاوعيه ووعيه، عائليا ومجتمعيا ومدرسيا وسياسيا. فكل عربي يحمل في داخله بذرة (تدين) ومظاهره، رفغما عنه. عرفت (شيوعيين) لا يتورعون عن (القسم الديني والطائفي). سيد القمني وصف نفسه في في مناظرة مع مروان القاسم أنه (علماني مسلم)!.
(إما. أو..)، لا يوجد احتمال ثالث. لعبة الخلط هاته بذاءة. عرفت شخصا زمنا ولم أعرف ديانته. في حديث طارئ ذكر أنه (يهودي)، ثم استدرك قائلا: أنه من (عائلة يهودية) ولكنه علماني. وعاد ليستدرك أيضا: (أحيانا يشارك في مناسبات الأعياد والطقوس الاجتماعية)، ولكنه (غير متدين).
(غير متدين) لا تعني (علمانية).
العلمانية فكرة وهوية فلسفية وجودية، تتجاوز الدين والسياسة.
لكننا تجار أفكار ومفاهيم ومصطلحات من غير وعي. تجار سيئون. نحن لا نجيد شيئا ولا نفهم الحياة والوجود على الاطلاق. بل أننا عربا وشرقأوسطيين، أكثر من أساء لمفهوم (الدين) وتجاوزنا على معنى (الألوهة).
لقد ولدت (اليهودية) من عظمة بابل، فتبنت قيمها ومفاهيمها، وبقيت يهودية بابل، والتوراه والتلمود البابلي هما الفيصل في تلك العقيدة.
ولدت (المسيحية) من ذروة فلسفة (الاغريق)، فقدمت أسمى فهم وتفسير لـ(الدين).
وولد (الاسلام) من قاع الجزيرة وانحطاطها الاجتماعي والثقافي، فقدم أسوأ حالة لفهم (الدين) وتفسيره.
لماذا؟.. ان معيارية الدين ليست في النص، وانما في الفهم والتطبيق. (الحكمة تتبرر بأهلها). اليهودية تتبرر في الشخصية اليهودية واصداراتها وممارساتها الاجتماعية والمجتمعية والانسانية. كذلك هي (المسيحية). المسيحية أنتجت ثمارها في الغرب، برامج النهضة والتنوير والتحديث، وكل منتجات التكنولوجيا والالكترون وعلوم الفضاء.
وكذلك أيضا هو (الاسلام). الاسلام الاجتماعي والثقافي والفكري والسيسي والاقتصادي، المجتمعي والانساني. الاسلام يتبرر بالمسلمين، أدعياء الاسلام. أما (الاسلام النص) فهو محض كتاب بين رفوف من الكتب.
الاسلام مقتول بين أثنين، احدهما شيوخه الفاسدون، والآخر هو المجتمع الغريزي المنافق، بين وحشيته وبين ادعاء التحضر والأخلاق.
طبعا ثمة اعتراض كبير على هاته الصراحة، تفنده حياة العرب اليومية الوحشية وانحطاطهم المريع طيلة العصر الحديث، وسقوطهم من منصة (الدين والتمدن) من جهة، وسقوط ورقة (الحياء) من جباههم.
المنافق يقنع نفسه، ولكنه لا يقنع المقابل. والكاذب يكذب على نفسه، ولا يصدقه المقابل، ربما يشفق عليه، أو يسرع لانتباذه.
ثمة تاريخ طويل جدا لم يعرض للمحاكمة والحكم. ثموة واقع بائس ومرير لا يتعرض للمناقشة والمحاكمة والحكم.
ثمة عنف وإرهاب وتسلط وتزوير وإسفاف سلطوي، حكومي ومجتمعي، سياسي وديني، وراء انحطاط الحياة والكرامة الانسانية في بلاد العرب والمسلمين.
دعنا نتوقف من باب الانسانية عند حادثة (شهيد التذكرة) في مصر. مصر البلد الأكثر تدينا، كما يصفها أبناؤها. ما معنى (التدين)= (اعتناق الدين). والمصريون المسلمون هم أول وأكثر من وضع (زبيبه) وسط جبينه، وتباهى بالبسملة والنصوص الدينية على الملأ وشاشات التلفزة. (حق النفاق مكفول). يخرج الوزير والجنرال والمذيع والخبير والمستشار فيقدم لنفسه بجنجلوتيه مكرسة، ليمنح نفسه معصومية الرياء.
موظف مصري في القطار، يأمر شخصين مصريين مثله، من بلده ومن دينه/(غالبا)، بالقاء نفسيهما من القطار دون تخفيف سرعته، لبغض النظر عن الأسباب. وقيمة التذكرة أتفه من ذكرها هنا. لم يستطع الموظف المجرم عن التغاضي عن الأمر، لم يستطع مسامحتهما. لم يستطع أن يدفع عنهما قيمة التذكرة. وبالمثل، لم يتقدم أي الراكبين الشهود، من جمع قيمة التذكرة، وتخليص الموضوع. بل أن الراكبين المشاركين في الجريمة، لم يعملوا على حماية الشخصين من اجرام الموظف، أو منعه من فعل الجريمة، بكل طريقة، لحماية حياة انسان، انسان مصري، بل شخصين وليس واحد. جريمة الكمساري المتغول، امتدت لكل ركاب العربة، الذين وضعوا رؤوسهم في الرمال أ بين سيقانهم، ودفنوا تحتها ضمائرهم. ومن المؤكد، ان عددا لا بأس به منهم، كانوا يقيمون الصلاة في أوقاتهم على سطح العربية، ومنهم من يتعوذ ويسبح. هل ثمة رياء ونفاق أكثر من هذا. هل وهل وهل. ماذا بقي من الاسلام.
كل تجار الدين والفضائيات يقول ان (الاسلام دين الرحمة)/ (النبي رسول الرحمة)، ليس للمسلمين فحسب، بل (أرسله رحمة للعالمين). وأية رحمة أكثر من سلول الكمسري مع الزبائن، أية رحمة، أكثر من قيام صاحب ورشة بنفخ الصبي العامل معه، بمنفاخ الحدادة حتى انفجار الصبي، لمجرد تأخره عن موعد العمل. وهو صبي بائس يقوت أهله، بدل التمتع بطفولته.
لا يكفي ان (مصر) هي البلد الأول في الجريمة عربيا، لكن المهم نوع الجريمة وطريقتها. كتب علم نفس الأجرام والقانون الجنائيمن الكتب الاكادمية التي أستنتج منها عمق وطبيعة نظرة الانسان للانسان. علينا الترحم والاعتذار من الحيوانات الوحشية. وقد ضحك أحد الأصدقاء السابقين، عندما كتبت في قصيدةعن : (التفنن في التعذيب والامتهان).
المشكلة ليست في القتل. المشكلة المرضية هي طريقة القتل، ما يسبقهلا وما يتبعها ويترتب عليها. وهذا فن عربي بامتياز. فن اسلامي بامتياز. لن يهمني هنا، التقنع بالمعاذير الغربية، لدراسة طبيعة الشخص وصحته وظروفه. المهم الجريمة. والجريمة لا تتبرر. الجريمة هي الجريمة. التحقيق في الجريمة يقتصر على تحديد وتأكيد شخصية المجرم، وعدم اتهام بريء، بدل المجرم الهارب. أما غير ذلك، فلا يتبرر ولا يستحق التحقيق. القانون ودوائر القضاء العربية مشتركة في الجريمة. ولذلك يعتبر القضاء العربي فاسدا. وأي دائرة حكومية وغير حكومية ، وأي سلوك مجتمعي ورسمي، لا يتضمن عوامل ومظاهر الفساد، جزء أو كلا.
جريمة الكمسري، لا تحرج وزارة القطارات والحكومة المصرية، وانما وضعت دين (الاسلام) في زاوية محرجة. حتى الأمس، نصف ممارسات اسرائيل ضد الفلسطينيين بالوحشية والهمجية ومعاداة الانسانية، (وننسى أنفسنا).. ننسى يوميات العراق ومستنقع الجريمة والفساد والابتذال، على أيدي حكومة ومليشيات ومرجعيات دينية ومجتمع غارق في التدين والابتذال حتى أذنيه. ذلك من باب المثل. واقع الحال، ان كل بلدان المسلمين مدعاة للخزي وغياب الحياء وشعرة الانسانية. حيث الحشرة أرقى من الانسان، حاكما أو محكوما. ولولا الموارد والموقع الستراتيجي لبلدان العرب، لما استحقت حضورها في الخرائط والمنظمات الدولية.
لكن عبء الانحطاط يقع على كاهل (أفراد)، للأسف. أفراد يعون ما يرون، ويدركون ما هو (المحذوف) لافي يوميات العرب. أحد المتظاهرين في العراق يصيح: (وين كرامتنه؟.. ما خلونه كرامة!). المشلكة ليست مشكلة (خبز ومعيشه)، انما مشكلة (كرامة). لذلك تقول لافتة صغيرة ونادرة: (الموت أشرف من ىحياة الذل). وكما قلت سابقا، ان شعار النظام الطائفي الحاكم والاحتلال المجوسي الصفوي للعراق هو (الإذلال)، فمبروك لايران وكل أتباعها، من قريب أو بعيد.
في عراق اليوم، ضريبة خنوع وجبن وانحطاط اخلاقي وخيانة وطنية، تشمل الجميع، بمستويات متفاوتة، لكنها لا تعفي أحدا. كل حسب موقعه وكل حسب قدرته. العراق هو بلد كلام. والكلام مع السفه هو ثرثرة. كم هو عدد المساجد والمعابد والمراكز الدينية؟.. كم هو عدد الملالي والمراجع والمجتهدين وعلماء الزور؟.. كم هو عدد الأحزاب الطائفية التي يشرف عليها مرجع/ مجتهد ديني؟..
كم هي نسبة الجرائم والمجازر والتصفيات والاغتيالات الجارية في العراق منذ الاحتلال، وكم هو عدد الجرائم والمجازر والمعارك الطائفية المسجلة كدعاوى قضائية، وكم قضية منها جرى النظر فيها، ونفذ فيها قصاص عادل. هل يوجد قضاء عادل في العراق، هل يوجد قانون عادل نظيف، هل أسس ومبادئ تعيين القضاء والمحققين ومجمل الكادر القضائي والحقوقي صحيحة علمية نزيهة؟.. هل توجد أجهزة شركة وجيش ومكافحة وغيرها، ذات أسس وطنية نزيهة وشريفة؟.. الجواب: لا. والسبب: لا توجد دولة حقيقية ولا حكومة حقيقية في العراق.
إذن ثمة كذب وزور ونفاق. هذا الكلام غير مفروض على أحد. والفرد حرّ في خداع نفسه، والتخلي عن حقوقه وممالئة السلاطين والسراطين. ولكن حريته لا تعفيه من المسؤولية، ولا تبرر خيانة الوطن. الوطن باق، والناس يمضون. الحكام والعملاء والغزاة يمضون. الباقي هو العار. ومن يقرأ تاريخ العراق بعقل وعين مفتوحة، ومن غير عصبية طائفية وحزبية، سيجد تاريخا عريقا من العار يمتد إلى الاف السنين. والعار يتراكم، وفي يوم ما ينفجر، ينقض على نفسه.
العراق ليس مصر ولا لبنان ولا حتى الأردن. بدء بسكان العراق غير المنتمين لأصوله والمعتنقين لهويته والمؤمنين بثوابته ومصالحه الوطنية والقومية، ثمة حالة (لملوم)/(فيصل الأول)، وليس حالة (شعب)، ثمة حالة (مجتمعات مرجانية) تسبح لوحدها، وليس (مجتمع متناغم منسجم).
الكلام لا يصنع ولا ينتج. وكل ما في العراق هو كلام وثرثرة. الفضائيات والنت كلام وثرثرة. عمل الحكومة والبرلمان مجرد كلام وثرثرة، دفاع وهجوم وتبرير، وفي وسط مستنقع الفساد والخيانة والعمالة، تغرق البلاد بمزاعم فلان وعلان بكون أشرف من غيره وأنزه من سواه، ويلقي بسلة اتهامات ضد الاخرين، هي في واقع الأمر، تنطبق على الجميع، كل من مارس السياسة وساهم في مسرحية الانتخابات الهزيلة. وهل توجد انتخابات في بلد خاضع للاحتلالات العسكرية وتسوده المليشيات والمآفيات الديني والعسكرية، المحلية والأجنبية.
ثمة حالةضرب على الرأس. والضرب المبرح على الرأس يؤدي الفقدان الوعي. عراق الاحتلال، شهد تطبيق اكثر من سيناريو وأجندة مختلفة ومتناقضة، وتنافس فئات وجماعاات متنافرة ومتناقضة، بدء بتناقض ايران والولايات المتحدة الأميركية وأجندتهما وغير ذلك. كل جهة وفئة تريد أن تفوز ببقعة من الأرض ولقمة من الحكم والموارد، والضحية والخاسر الوحيد هو العراقي الواقف خارج اللعبة. العراقي غير المسنود من جهة من جهات الاستكلاب.
لا يوجد بلد، يصرح وزراؤه بوجود دولة داخل دولة داخل دولة. دولة عميقة ودودل عميقة ومؤسسات سرية خارج الدستور والنظام والحكومة والاعلام. جيش داخل جيش داخل جيش. كذلك الأمر مع البوليس والتعليم كل القطاعات. نقابات الصحفيين والكتاب والحقوقيين وغيرها متعددة ومنقسة على نفسها، ومنفصلة عن شعاراتها ومبادئها. كلها جهات انتهازية وصولية تتبع أساليب مراوغة وطرق سفلية ولا تتورع عن النهب والرشى والنهب العام وخيانة الوطن.
لا توجد مقارنة بين العراق وأي بلد آخر. والتصانيف الدولية تحامل نفسها عندما تضمه في قوائمها. لا الحكومة شرعية في العراق، ولا سفاراتها المكتظة بعناوين وأسماء فضائية، تمثل شتات العراقيين في المهاجر.
العراقيون في الداخل، يريدون البقاء على قيد الحياة، ويرحبون/(يتمنون) بأي تغيير يحدث، للخلاص من تفاهة النظام الحالي وأذناب ايران الارهابية، والمهددة في كيانها وحكمها الديني منذ لحظة اعلانها الخميني. واستمرار الحالة الايرانية هو عار أممي، يبقى على ذمة المجتمع الغربي وخرافات حقوق الانسان.
يعبر العراقيون عن سياسة الحكومة الايرانية وحلفائها في العراق بمصطلح (الاذلال). دفع العراق وسكانه الى مراتب التردي والعوز وغياب البنى والخدمات التحتية من ماء وكهرباء وغاز وخدمات بلدية واجتماعية، وفرض الرشاوي والمحسوبية والمساومات اللاأخلاقية للحصول على أدنى خدمة، القصد من ورائه اذلال الفرد العراقي والانتقام منه والثأر ل الايراني الرقيع من بلد عجز عن مواجهته ومصالحته، فاختار الغزو الجبان، على قفا انجلوميركي، مطية تحقيق أحقاده، ونست ايران، حكومة ومجتمعا، أنهم يرسخون الحقد والثارات، مع بلد جارـ يعجزون عن الاستغناء عن جيرته.
أما المصطلح الآخر الجديد في عراقستان، فهو أن العراقي قرر أن لا يستحي. سكان العراق لا يتورعون عن اتيان أي شيء، خلاف طبيتعه، مؤمنين عمليا بالمثل المصري: (اللي اختشو ماتو)، والعراقي لا يريد أن يموت، رغم كل شيء.
الفساد المالي والاقتصادي والسياسي والاداري المتزايد اليوم، الغرض منه، هو (الفساد الأخلاقي) والاجتماعي. افساد الشخصية العراقية تاريخيا. ومن يراقب ويتابع ما يحصل للعراقيين من مهانة وامتهان وازراية وازدراء، يلوم الضحية التي تقبل بذلك، ولا تنتفض فيها شعره الغيرة والكرامة، بدء باعضاء البرلمان وكبار ضباط الجيش والشرطة، وبدء بالمحمود على رأس القضاء الفاسد حتى بقية المؤسسات والقطاعات وآخر شحاذ أو (لوكَي) أو موظف فاسد يفرح براتب ووظيفة مرتشاة.
ثمة كثير للقول في سياق ما جرى ويجري في عراقستان. ثمة كثير مما لا يراد سماعه بصدق وصراحة، ويتباهى بعضهم بعباءت الأخلاق والدين الداعية للستر والتقية والنفاق وتزوير دم الانسان وكرامات الشعوب.
كيف تريد ان تتحرر، وأنت جزء من الوضع والحكومة والديانة والنظام الفاسد؟.. هاته اشكالية عويصة، لكن العراقي القصير النظر والمحدود الوعي والتفكير، لا يحتمل المسؤولية الكاملة، عن وضع يعجز عن مواجهته، ويفشلب في مساومته والجري معه لاستحصال لقمة عيشه، وهو عاجز عن مواجته ومقاومته والتمرد عليه، حتى عندما يخرج عليه ويثور عليه، دون التوفر على نظام فكري سياسي، ينسق نشاطه الثوري، ويؤهله لمرحلة تالية.
ما أشبه اليوم بالبارحة..
في (538 ق. م.) احتل كورش/(مسيح يهوه) بابل، وجعل داريوش ملكا عليها، وذلك بفضل تحالف يهود بابل مع كورش. وهرب الملك نبوئيد البابلي الى شرق الأردن/ شمالي الحجاز، ومات بعد ثماني سنوات. وطالعادة، لم يحظ بنجدة عرب الأردن وأهل الحجاز ولا أعرب نجد واليمامة. فالعرب والأعراب لا يحاربون دفاعا عن الأرض، ولكنهم يحاربون من أجل (امرأة).
استمر الاحتلال الايراني للعراق قرابة الألف عام، لم يبدِ ال بابل مقاومة أو امتعاضا، ولم يعترضوا على خراب السدود ومنظمات مياه الأنهار والأمطار، ولا شانهم، زحف موجات بشرية من أيران وأعماق أسيا في بلادهم. ومن قبل سبق لايران التوغل في ارض الرافدين عند خراب سومر، ولكن ظهور سرجون الأكدي، أعاد السيادة والاستقرار للبلاد.
لكن طرد الاحتلال العسكري والسياسي، لا يتضمن طرد الغزو البشري من البلاد. لم تضيع فارس مناسبة وفرصة، لدفع موجات بشرية من ايران في باطن العراق، وكل تلك الموجات، عادت البلاد وأكدت ولاء لايران وأصولها الاجتماعية والثقافية.
فلو جمعنا سنوات الاحتلال الايراني للعراق عبر التاريخ، وما تخللها من اختراق دمغرافي، وصولا لظهور الصفويين وتقنينهم نظام الزيارات السنوية وحسب المناسبات المزيفة والكثيرة، بحيث تتخذ ذريعة لبقاء الزوار في العراق، بدل الذهاب والاياب، فكم هو عدد الأجانب الوافدين والمستوطنين في البلاد، وأثرهم في جرح الهوية الاجتماعية والانتماء الوطني؟..
اذن.. العراق يعاني من مشكلة سياسية اقليمية، ترافقها مشكلة دمغرافية عويصة، تتسلل للبلاد بطرق شرعية وغير شرعية. ومن المعروف، ان المهاجر من بلد، ليس من علية القوم ولا نبلائه، وانما من جماعات الغوغاء سفليات المجتمعات.
والمشكلة ليست في الوافدين ولكن طبيعة ولائهم الأجنبي ونكايتهم بالعراق وأهله وثقافته.
هل يعي العراقيون ما هي مشكلتهم، وهل يريدون الخروج منها.. كيف..؟
لماذا تعمل ايران على تحويل العراق ولبنان واليمن وكل بلاد العرب إلى مكب لنفاياتها؟.. ولماذا ينبغي للعرب التعاطف مع الخائن والعميل ومولى الأعداء.
على الحكومات والمجتمعات العربية، الانتباه والتيقظ، لموجات الغرباء الوافدة على بلدانهم من الشرق، حتى لا يصبهم ما أصالب العراق ولبنان واليمن..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هل يوجد علماني عربي؟
محمد البدري ( 2019 / 10 / 31 - 02:59 )
بناء العلمانية داخل العقل يتوازي تزامنيا مع تآكل الدين داخل ذلك العقل.
ليست هناك مشكلة في البناء أذن الا بقدر المعقوات التي تمنع تآكل واضمحلال الدين وملحقاته من قيم ومفاهيم.
اول المعوقات غياب الفردية وثانيها سطوة السلطة، والسلطة انواع ودرجات، فالاب سلطة والاسرة سلطة والمدرس سلطة والرئيس في العمل سلطة والحاكم سلطة.
هدم السلطات جميعها قرين بنمو الفردية. انها تزامنية سيرورة الهدم والبناء.
كل ما يكتب لهدم هذا الدين القبيح معناه انعاش للفردية، واي ابداع هو انهيار لمفاهيم العقل الجمعي المؤمن.
تحرر الجميع وارتهان كل فرد الي ذاته وليس الي وهم خارجه سوف يحقق العلمانية، فهي باختصار شديد قدرة الافراد كافراد ان يتوحدوا من اجل وضع قانون اجتماعي حقوقي وقانوني واخلاقي فيم بينهم مستندين الي فهم الواقع بقوانينه المادية وليس الانصياع لجيفة ماتت من 1400 عام
تحياتي


2 - نحو بناء الفرد وصيانة استقلاليته
وديع العبيدي ( 2019 / 10 / 31 - 13:26 )
شكرا للاستاذ محمد البدري على المداخلة والتعليق المفيد الذي اتفق معه كثيرا
والعمل الجاد والعميق والمستمر لبناء مجتمع متكامل يتمتع كل فرد فيه بالاصالة والفهم العميق والاستقلالية، والانقلاع التام من مجتمع وثقافة القطيع والتلقين والاجترار
تحية وإلى أمام

اخر الافلام

.. التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيد


.. ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. استمرار تظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمي


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. ومقترحات تمهد لـ-هدنة غزة-




.. بايدن: أوقع قانون حزمة الأمن القومي التي تحمي أمريكا