الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جيل وطني من المهد

حبيب مال الله ابراهيم
(Habeeb Ibrahim)

2019 / 10 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


د. حبيب مال الله ابراهيم
حين يسرق الشعب، ويطلب منه ان يسكت، منطقي الى حد ما عند المجانين، اما ان يقتل وهو يتظاهر للمطالبة بحقوقه فهو الجنون كله. الشعب العراقي امام مهمة صعبة وهو يجوب شوارع بغداد، البصرة، كربلاء، النجف، ميسان، الناصرية، بابل للمطالبة بإنهاء النظام السياسي الذي يحكم منذ 16 عاما، وتمت تحت ظله سرقة المليارات واشعال حرب طائفية وتدمير العديد من المدن. لأول مرة يتنازل أبناء الشعب عن طائفيتهم لأجل وطنيتهم، للمرة الأولى يمكن رؤية أبناء الشعب وهم يرددون الشعارات المعادية للنظام السياسي بصوت واحد. المرة الأولى التي بالإمكان رؤية شعب متحضر وواعي، رغم سعي وسائل الإعلامية الحزبية للعراق منذ 16 عاما لخلق وعي سياسي طائفي لدى الشعب. للمرة الأولى تتحد اهداف الشعب العراقي في هدف واحد يتمثل بإسقاط النظام لسائد. للمرة الأولى في العراق يسمع صوت أبنائه وهم يرددون: إيران برة برة، بغداد تبقى حرة.
لو تناولنا الظاهرة اجتماعيا لوجدنا ان أبناء الشعب العراقي اكتشفوا سبب ضعفهم فيما مضى، على اثر بث الأحزاب الطائفية روح التفرقة من اجل بقائها في الحكم واستطاعت التغلغل بأيديولوجيتها داخل المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية وداخل كيان الاسرة ووعي المواطن. عاش العراق سنوات اقل ما يمكن وصفها انها "سنوات مظلمة"، مليئة بالأحقاد، تحولت بغداد كما بعض المدن العراقية الى مدن للقتال الطائفي، وحلت اعلام الأحزاب والمليشيات محل الحب والاحترام الذي كان سائدا.
روجت وسائل اعلام الأحزاب السياسية ان هدف الثورة العراقية يتمثل بتغيير الحكومة واجراء انتخابات مبكرة، لكن للثورة اهداف أكبر من مجرد تغيير وجوه فاسدة وطائفية ومتعصبة، الثورة العراقية تهدف الى تغيير شكل النظام السياسي الذي ساعد الأحزاب على التجارة بمقدرات ومصير العراق واسست شركات تجارية ووسائل اعلام وشكلت مليشيات عسكرية واسكتت أصوات الاحرار وهجرت مئات الالاف من المثقفين بدوافع طائفية. الثورة تهدف الي بناء وطن يسع للجميع واعتماد مبدأ المواطنة وان يكون مقدرات العراق للعراقيين حصرا وان يشعر العراقي بانه يعيش في وطنه ولا يريد مغادرته. الثورة تهدف الى انهاء الدور المذل للعراق في المنطقة، الا يكون العراق محتلا من دول الجوار وان يلغى ولاء سياسييه واحزابه وجيشه لدول الجوار.
العراق بشكله الحالي صممته أمريكا بمساندة الأحزاب السياسية، تصميم ساعد الأحزاب على سرقة مقدرات العراق منذ 16 عاما، في حين يهجر المواطن العراقي من مدينة الى أخرى ويبحث عن مصيره في الهجرة الى الدول الأخرى وتلفظه قوارب الموت.
حين لا يكون الوطن المكان الحقيقي للعيش يتحول الى جحيم ويسعى المواطن آنذاك الى التغيير حتى لو ضحى بنفسه واحبته. الثورة العراقية ظاهرة فريدة من نوعها، بسبب توهم الأحزاب السياسية بقدرة ماكناتها الإعلامية على تشكيل الوعي السياسي للعراق بما يتفق وتوجهاتها. اثرت وسائل اعلام الأحزاب في السيطرة على عقول العراقيين لفترة طويلة وجعلت تفكير أبناء الشعب لا يخرج عن الإطار التي ترسمه لهم، جاهلين بقدرة وسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل الوعي السياسي لمستخدميها.
يمكن القول أيضا ان المظاهرات التي حدثت قبل سنوات كانت بمثابة رسالة واضحة الى السياسيين العراقيين مفادها ان الوعي العراقي تشكل عكس ما كان يتوقعه السياسيون وان هذا الوعي يوحي بغليان شعبي لا أحد يستطيع التنبؤ به.
الثورة العراقية هي ثورة أجيال العراق بجميع اعمارها، خصوصا المولودين بعد عام 2000، الجيل الذي يستحق ان يطلق عليه جيل "الثورة" الجيل الأكثر تحديا لعمليات قمع المتظاهرين، الجيل الذي تعامل مع أساليب القمع بروح الثوار، الجيل الذي امسك بالقنابل المسيلة للدموع واعادها الى عناصر المليشيات التي أطلقتها. العراق يمر بمرحلة تحول فكري وسياسي واجتماعي، يمكن القول من رؤية ملامحه، ان الجيل الجديد لن يقتنع الا بالانتماء الوطني ويلقي بالانتماءات الأخرى الى مزبلة ذاكرته. جيل بدأ وطنيا من المهد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أكثر من 50.000 لاجئ قاصر في عداد المفقودين في أوروبا | الأخب


.. مدينة أسترالية يعيش سكانها تحت الأرض!! • فرانس 24 / FRANCE 2




.. نتنياهو يهدد باجتياح رفح حتى لو جرى اتفاق بشأن الرهائن والهد


.. رفعوا لافتة باسم الشهيدة هند.. الطلاب المعتصمون يقتحمون القا




.. لماذا علقت بوركينا فاسو عمل عدة وسائل أجنبية في البلاد؟