الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-مناظرة الصناعة الثقافية والإبداعية-

محمد الداهي

2019 / 10 / 31
الادب والفن


اخترت أن تكون وجهتي صبيحة يوم الجمعة 4 أكتوبر2019 فندق سوفيتل بالرباط حرصا على تتبع أطوار " المناظرة الأولى للصناعات الثقافية والإبداعية" التي نظمتها وزارة الثقافة والاتصال، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، وبشراكة مع فيدرالية الصناعة الثقافية والإبداعية. انتابتني في الطريق جملة من الأسئلة، وفي مقدمتها السؤال الآتي: لم تنظم الندوة في فندق فاخر ومكلف في حين توجد فضاءات عمومية ( وفي مقدمتها المكتبة الوطنية) ومركبات ثقافية شبه مغلقة يمكن أن تستوعب فعاليات المناظرة وحاجياتها؟
وعندما وصلت إلى الفندق وقدمت نفسي للجهة المنظمة، زودتني بكيس يحمل أوراق المناظرة. وبمجرد أن بدأت اقرأ البرنامج عاينت جملة من الأخطاء ناهيك عن سوء الترجمة، وركاكة التعبير. وكثيرا ما أطرح على نفسي لماذا يحرص المنظمون على كتابة البرنامج باللغتين العربية والفرنسية مع العلم أن المشاركين والجمهور جلهم مغاربة؟ ولماذا يصر المنظمون على تنظيم كل الجلسات باللغة الفرنسة؟
ولماذا تصر الوزارة المعنية على دعوة ألف مشارك وإكرام وفادتهم بوجبات منتظمة وتوفير لعينة منهم الإقامة ؟في حين كان حريا بها أن تدعو –كما اعتدنا من قبل- صفوة من الخبراء والمثقفين والمختصين والمهنيين ومكونات المجتمع المدني لإعطاء الكلمة لعدد واسع من المشاركين، وفتح نقاش عمومي حول أهم القضايا التي تمت إلى الموضوع بصلة عوض تحجيم دور الحاضرين بإقصائهم من النقاش ومنح لكل من تدخل منهم دقيقتين على الأكثر.
استغرقت الجلسة الافتتاحية وقتا طويلا، إذا أبى كل مسؤول من المسؤولين الذين تناوبوا على إلقاء كلماتهم أن يتحف الجمهور بما يجب القيام به، ويقدم إحصائيات على تأخر القطاع الثقافي المغربي مقارنة ببعض الدول المتقدمة أو البازغة. في حين كان عليهم أن يقدموا النقد الذاتي عندما اكتشفوا هشاشة القطاع وتأخره عن الركب العالمي بدعوى أنهم لم يقدموا له- من واجب المسؤولية المنوطة بهم- المساعدة اللازمة أو يدقوا ناقوس الخطر في إبانه. وحدة السيد وزير الثقافة الذي كان- بحكم مسؤوليته- خارج سرب القطا، إذا كرس مداخلته- كعادته في أي محفل أيا كان نوعه ومفصله- تقريرا أدبيا وماليا عن منجزاته " المهولة" حسب تعبيره، معززا بالأرقام والإحصائيات. وكان حريا به أن يتأكد بنفسه من صحة الأرقام المعروضة عن " النسخة الخاصة" المسروقة والمثيرة للجدل لو ترجل أمتارا عن مقر وزارته، لمعاينة تفاقم الاعتداء على حقوق المؤلفين بقرصنة مصنفاتهم الورقية والرقمية والمتاجرة بها.
وكل من اتبع أطوار هذه الندوة لا بد أن يستغرب من جرأة المسؤولين الذين كانوا يقترحون توصيات ومشاريع واعدة في حين لم يقدموا أية إضافة تذكر للقطاع الثقافي الذي خصه جلالة الملك بعناية فائقة في كثير من خطبه لملاءمته الاجتماعية والاقتصادية وأهميته الإستراتجية في تأهيل المورد البشري، والحفاظ على التراث غير المادي، والإسهام في التمنية المستدامة. واشتكى لي كثير من الفاعلين الجمعويين والمثقفين من بعض الوزراء والمسؤولين الكبار الذين لا يستجيبون لدعم مشاريعهم الثقافية في حين تدعم جمعيات لأغراض حزبية دون أن يكون أداؤها في المستوى المطلوب. وهو ما يقتضي مراجعة سياسة الدعم وإسنادها لجهات محايدة ومسؤولة تطلعا لتحسين المشاركة الثقافية، وإدماج الشباب خاصة في المناطق والأحياء الهامشية، والحرص على دمقرطة الثقافة وضمان سبل ولوجها حتى لا تظل حكرا على فئات بعينها.
وقد شدد السيد وزير الثقافة والاتصال محمد الأعرج في أكثر من فقرة على كونه ينظم المناظرة الأولى للصناعة الثقافية والإبداعية في حين نظمت من قبل مناظرات بمقاييس ومعايير مختلفة في كل من تارودانت والعيون وفاس ووجدة، ولا ننسى في السياق نفسه المناظرة التي نظمها اتحاد كتاب المغرب بطنجة في سنة 2015، والتي خرجت بتوصيات هامة حول الصناعة الثقافية والإبداعية في حين ظلت حبرا على ورق وحبيسة الرفوف . مع العلم أن الفضل يعود إلى مدرسة فرانكفورت (1944) التي انتبهت- وقتئذ- إلى خطورة الثقافة الجماهيرية الرامية إلى تسليع الثقافة لأغراض سياسية من أجل تلهية الشعب وتسليته، والحد من ظاهرة نقد السلطة والاحتجاج عليها، وأضحى مفهوم" الصناعة الثقافية- مدرجا في مراجع منظمة اليونسكو اعتبارا من عام 1980، ومندمجا في السياسيات الثقافية لكثير من الدول التي راهنت – فضلا عن الاستثمار في القطاعين الثقافي والفني وتوفير فرص الشغل- على صيانة هويتها وتراثها، ومن ضمنها فرنسا وإيطاليا وكندا وغيرها من الدول.
ومن أغرب ما سمعته في هذه الندوة هو أن السيد وزير الثقافة والاتصال لم يعرف الموقع الأثري ليكسوس إلا عندما أصبح وزيرا، وفي السياق نفسه صرح السيد وزير السياحة محمد ساجد أنه لم يكن يعلم بوجود قبر ابن بطوطة في طنجة إلا بعد أن زارها مؤخرا، وقدم له الحارس الأعمي –حسب قوله- معطيات عنه. هل يعقل مثلا أن يكون مسئول كبير ما على غير دراية بما تحفل به بلاده من معالم تاريخية وكنوز غير مادية وخاصة إن كانت ذائعة الصيت؟ وكيف يمكن أن نجلب السياح، ونسوق صورة المغرب، ونعزز الدبلوماسية الثقافية ونحن لا نعمل ما تزخر به بلادنا من ثروات مادية وغير مادية.
ومن سلبيات المناظرة تكريس وجهة نظر واحدة، في حين كان يستحسن أن يكون التناظر بين المختصين والمهتمين في أوراش عوض أن تكون الجلسات عمومية يسيرها شخص واحد على مزاجه الخاص وعلى طريقة إدارة البرامج الإذاعية خلال يومي 4 و5 أكتوبر 2019، مانحا الوقت بتفاوت حسب طبيعة العلاقة التي تجمعها بعينة من المشاركين، وحارما آخرين من التوسع في أفكارهم رغم تجربتهم الغنية وقيمتهم العلمية.
وكانت الجلسات متفاوتة في أدائها بحكم حشد أصناف من المشاركين دفعة واحدة، وهو ما كان يجعل أداء المناظرة يرتفع أحيانا، ويتراجع في غالب الأحيان. و من يطلع على أسماء المشاركين سيلاحظ تغيب السيد الوزير التربية الوطنية والتعليم العالي سعيد أمزازي دون الاعتذار للجنة المنظمة وهو ما ترك استياء لدى الأساتذة الحاضرين الذين جاؤوا خصيصا لمناقشته في موضوع منزلة الفنون والآداب في المناهج التعليمية، كما سيعاين أيضا ظاهرة المحاباة التي كانت المعيار في اختيار الأسماء رغم القيمة العلمية التي تتمتع بها ثلة منهم. وهمشت- بالمقابل- كثيرا من الكفاءات الثقافية والعلمية التي كانت- بحكم اختصاصها وتجربتها- ستعطي قيمة مضافة للمناظرة.انفض الحضور وهو على أمل وتفاؤل بأن تباشر الوزارة الوصية على تحقيق الجزء اليسير من التوصيات التي قرأها السيد الكاتب العام لوزارة الثقافة والاتصال، وعلى تفادي ما تعرضت له صُنوانها من قبل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنانة جميلة عوض تحتفل بزفافها على المونتير أحمد حافظ


.. السعودي حمود والد يكشف لصباح العربية سر محبته للثقافة السودا




.. -رفعت عيني للسما- أول فيلم مصري يحصد جائزة العين الذهبية بمه


.. اسئلة متوقعة وشاملة في اللغة الإيطالية لطلاب الثانوية العامة




.. طرح البوستر الرسمى لفيلم عصابة الماكس تمهيدا لعرضه فى عيد ال