الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تركيا بين مجازر الأرمن واضطهاد الأكراد

رضي السماك

2019 / 10 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


قبل بضع سنوات نشرت لي صحيفة " الوسط " البحرينية المستقلة التي تم إغلاقها ) حتى غداتها ، وقُدرت كل الجهات العلمية التاريخية المحايدة بأن أعداد ضحاياها لا يقلون عن مليون ونصف المليون أرمني ، هذا غير الذين نجوا من الإعدام خلال القتل البطيء تعطيشاً وإنهاكاً خلال مسيرات الترحيل التعذيبية الطويلة إلى أقطار الشام أو نجحوا في أن يفروا بجلودهم متغربين إلى بعض الأقطار العربية وأوروبا . ومع أن هذا المقال لم يكن الأول من نوعه الذي أتناول فيه تلك المذابح حيث سبق أن نُشرت لي مقالات صحفية محلية حول هذا الموضوع ، وعلى الأخص خلال فترة حكم الأحزاب العلمانية الحكومة العلمانية قبل أن يقفز حزب العدالة والتنمية " الإسلاموي " الحاكم الحالي المعروف باتجاه الشمولي المتشدد منذ وصوله إلى السلطة أوائل العقد الماضي ثم فوزه في انتخابات متعاقبة وفق نظام ديمقراطي تشوبه ثغرات جوهرية منذ تأسيس النظام العلماني ، إلا أنني فوجئت في اليوم التالي من نشر ذلك المقال الأخير في الوسط برئيس تحريرها الدكتور منصور الجمري يستدعيني ليبلغني بأنه تلقى مكالمة هاتفية من سفيرة تركيا في البحرين هاتون إمرير أبدت فيها له غضبها الشديد من مقالي الذي تناولت فيه تلك المذابح الأرمنية ، وأنها تطلب بهذه المناسبة ، ولربما لملاحظات اخرى في ذهنها تجاه كتّاب الرأي الآخرين في الصحيفة ، بالإجتماع بنا نحن معشر كتّاب الصحيفة جميعاً وبحضور رئيس التحرير ، لتفنيد واقعة تلك المجازر وإحاطتنا بروايتها الرسمية ، إلا أني أعتذرت بلباقة لرئيس التحرير عن الحضور مُقدماً فلم أكن مستعداً البتة أن أستمع إلى محاضرة من البروباغندا الشوفينية التركية في نسختها الإسلاموية الجديدة بعد زوال نسختها الأتاتوركية العلمانية .
تذكرت هذه الواقعة على خلفية الزوبعة الأخيرة التي أثارتها تركيا ضد إقرار مجلس النواب الإمريكي بالمذابح التي أرتكبتها تركيا العثمانية بحق الأرمن خلال الحرب العالمية الأولى واستدعاؤها السفير الامريكي في أنقرة للاحتجاج على موقف مجلس النواب الامريكي بالرغم من أن السلطة التشريعية في الولايات المتحدة تتمتع باستقلاليتها ولا يحق للسلطة التنفيذية مصادرة حقها في اتخاذ قراراتها ومواقفها الخاصة ، بصرف النظر هنا عن أن هذه السلطة نفسها - بمجلسيها الشيوخ والنواب - هي جزء من الطبقة الرأسمالية الحاكمة في الولايات المتحدة المسؤولة عن ارتكاب مجازر بحق شعوب عديدة من العالم منذ الحرب العالمية الثانية ، بدءاً من إبادة أكثر من ربع مليون إنسان ياباني في أول مجزرة نووية في هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين وما تلاها من مجازر متتالية لاتقل بشاعة عن المجزرة التركية بحق الأرمن حتى يومنا هذا في فيتنام والهند الشرقية والشرق الأوسط وافغانستان واوروبا وغيرها . ورغم أن هذه الطبقة الأمريكية الحاكمة أيضاً لا تقف مواقف مبدئية ثابتة من قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم بل غالباً ما تخضعها للانتقائية وفق مصالحها ، ووقوفها والغرب أيضاً مع إسرا ئيل في رفض وصمها بالعنصرية بذريعة العداء للسامية ، أو التشكيك في أرقام ضحايا المحرقة النازية بحق اليهود خلال الحرب العالمية الثانية ، وإن كان نظام الولايات المتحدة الديمقراطي بطبيعة الحال أكثر تطوراً وعراقةً من النظام الشمولي التركي ذي الواجهة الديمقراطية الشكلية .
والحال أن الموقف المتشنج الذي تقفه السلطات التركية المتعاقبة منذ تأسيس النظام العلماني الأناتوركي عام 1923 من مواقف أحرار العالم والرأي العام العالمي بمختلف اتجاهاته وجهاته الإعلامية والحقوقية والدولية ضد من يقف أي رأي مناقض لروايتها الرسمية في نكران المجازر الإبادية لجزء من مواطنيها الأرمن ، بالرغم من أنها وقعت على أيدي سلطات نظام رجعي عنصري ثار مؤسسو النظام العلماني عليه وأسقطوه ، ألا هو نظام السلطنة العثمانية الوراثي الثيوقراطي ، هذا الموقف الذي لا يتسع صدره حتى لمواقف الرأي الآخر في الصحافة العالمية بحيث تنشغل سفاراته حتى بملاحقة أصحاب الرأي الآخر في هذه القضية ، لا يختلف البتة عن مواقفه الشوفينية العنصرية بحق مواطنيه الأكراد بالرغم أنهم يشكلون ثاني قومية بعد الاتراك ويبلغون نسبة 20% من إجمالي سكان البلاد ويشغلون ما يقرب من ثلث مساحتها ، ولعل أعمال التنكيل بحق الاكراد في الداخل ومصادرة أي شكل من أشكال حقوقهم القومية ، وملاحقة مناضليهم خارج البلاد حتى لو تتطلب الأمر خرق القوانين الدولية وانتهاك أراضي سيادة دولة جارة لتركيا كما جرى في العراق ثم أخيراً في سوريا في حملتها العسكرية العدوانية الحالية في شرق الفرات بذريعة إقامة منطقة آمنة ، وبضوء أخضر من الولايات المتحدة وعدد من حلفائها الغربيين وبتواطؤ روسي إيراني ، كل ذلك ليكشف بلا جدال النزعات الشوفينية المتوارثة للحكومات المتتالية تجاه الأقليات القومية والدينية في بلادها والتي لا يبدو بأنها ستبرأ منها قريباً رغم مرور ما يقرب من قرن على تأسيس النظام العلماني القومي التركي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات إسرائيلية ومؤشرات على تصعيد محتمل مع حزب الله | #غ


.. سائق بن غفير يتجاوز إشارة حمراء ما تسبب بحادث أدى إلى إصابة




.. قراءة عسكرية.. المنطقة الوسطى من قطاع غزة تتعرض لأحزمة نارية


.. السيارات الكهربائية تفجر حربا جديدة بين الصين والغرب




.. طلاب أميركيون للعربية: نحن هنا لدعم فلسطين وغزة