الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكومة الرئيس وبرلمان الشعب.

فريد العليبي

2019 / 11 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


تتشاور حركة النهضة هذه الأيام مع عدد من الأحزاب البرلمانية لتكوين الحكومة القادمة في تونس ويدها على قلبها خوفا من المستقبل، في ظل الأزمة الشاملة ، أما عينها فمشدودة الى العراق ولبنان وغيرهما من الأقطار ، حيث لا تزال الانتفاضات العربية تتدفق موجة بعد أخرى، ومن هنا حاجتها الى حكومة قوية يمكنها الصمود أمام العواصف والزوابع العاتية ، التي قد تهب على تونس خلال الأشهر والسنوات القادمة .
وسرعان ما واجهت تلك المشاورات مثلما كان منتظرا مأزقها ، فكل حزب يريد لنفسه الفوز بما استطاع من الحقائب الوزارية ، وأولها حزب حركة النهضة نفسه الذي يبتغي الحصول على نصيب الأسد ، مُستندا الى كونه الفائز بالمرتبة الانتخابية الأولى .
وذلك المأزق يهمه قبل غيره فنصره التشريعي محدود جدا ولا يمكنه من تشكيل الحكومة لوحده مثلما حلم دوما بذلك ، وهو ما تدركه بقية الأحزاب البرلمانية القريبة منه ، لذلك ترفض صراحة رئاسته للحكومة وتطلب مشاركته السيـــــطرة على وزارات استراتيجية الخ ..وبدا واضحا أن الأمر لا يتعلق بتباين في البرامج السياسية ، وإنما بصراع على المواقع الحكومية ، فبينما تسعى حركة النهضة الى مزيد التمكين بوضع يدها على أغلب أجهزة الدولة تحاول الأحزاب الأخرى نيل نصيبها أيضا مما تغدقه تلك الأجهزة من منافع .
وإذا عدنا الى الدستور في تعامله مع تلك المشكلة لاحظنا أنه يأمر رئيس الجمهورية بتكليف الحزب الحائز على المرتبة الأولى بتشكيل الحكومة خلال شهر يمدد مرة واحدة ، فإن فشل في مهمته يتولى الرئيس القيام بمشاورات لتكليف شخصية أخرى تؤدي المهمة ذاتها خلال شهر ، وفي حال الفشل يحلُ البرلمان ويدعو الى انتخابات سابقة لأوانها . ومن هنا فإنه دستوريا لا يزال الوقت مبكرا للمرور الى الخطوة الثانية ، وستعمل النهضة خلال الأيام القادمة ما استطاعت الى ذلك سبيلا على تشكيل حكومتها بجلب أكثر ما يمكن من الأحزاب الى صفها ، بتوزيع الهدايا عليها أملا في شق صفوفها ، مُدركة أن المرور الى حكومة الرئيس يعني إقرارا مبكرا بفشلها ، لذلك تتحاشاه اختيارا ، ولكنها لن تتردد في تجرع مراراته اضطرارا .
لا تريد النهضة لحكومتها القادمة أن تكون في مواجهة معارضة برلمانية فاعلة ، فضلا عن الاحتجاجات الشعبية المرتقبة ، لذلك ستكون سعيدة بمشاركة أوسع الأحزاب البرلمانية إياها تنفيذ سياسات لاشعبية في المستقبل القريب ، ستفرضها لامحالة الأزمة الشاملة. و إذا تعذر ذلك وركبت تلك الأحزاب رأسها ، من المرجح إقبالها على حكومة الرئيس ، التي ستجد فيها طوق النجاة وحلا ممكنا لتقاسم الورطة مع آخرين، وهي التي تدرك جيدا عزلتها محليا وعربيا ودوليا ، في حال شكلت حكومة مع بقية مكونات الإسلام السياسي القابعة على يمينها .
اما تأكيدها مرارا أنها ستكون الحكومة كما يلذ لها ويطيب ، وأن رئيسها سيكون منها وربما الغنوشي نفسه ، وأنه لا سبيل للتحايل على الدستور وأنها ستؤدي واجبها ، وإن تعذر يكون المرور رأسا الى انتخابات سابقة لأوانها ، فإنه من قبيل المناورة للضغط على تلك الأحزاب حتى تنصاع الى رغبتها .
من المرجح أن مبادرة حكومة الرئيس ستكون إذا ما وجدت طريقها الى التطبيق حلا للتناقضات الثانوية بين الأحزاب البرلمانية ، فهي ستمكنها من الاتحاد تحت راية رئيس الجمهورية ، الحائز على نسبة أصوات تفوق النسبة التي تحصلت عليها مجتمعة ، ومن ثمة ستحتمي بشرعيته بحثا عن دعم شعبي .
كما أنها تمثل مخرجا مناسبا لحفظ ماء الوجه بالنسبة الى بعض الأحزاب التي وعدت ناخبيها بعدم التحالف مع حركة النهضة ، وأنها ستكون في المعارضة في حال شكلت الحكومة وكان رئيسها منها ، إذ بإمكانها القول في هذه الحالة أنها في حكومة الرئيس لا في حكومة النهضة .
كما إن قيس سعيد سيجد هو أيضا في تلك الحكومة ما يبحث عنه ، حتى لا يكون منعزلا في قصر قرطاج دون حزام سياسي في باردو و القصبة ، فحكومة الرئيس تجد هوى في نفسه. غير أنه سيكون في حرج شديد فأمامه الآن طريقان ، طريق الباجي قائد السبسي التوافقي بما فيه من مساومات و صفقات ، وطريق الشعب الذي يريد تحقيق مطالبه المؤجلة حتى الآن في الشغل والتنمية ، واذا جازف باختيار الطريق الأول فإن الثقة بينه وبين المحكومين لن تتحقق وسينظر الشعب الى القصور الثلاثة على أنها متحالفة ومتحدة ضده ، متآمرة عليه، وأن الانتخابات لم تكن تنافسا بين برامج سياسية ، وإنما صراعا على الفوز بالحكم واقتسام غنائمه .
وكان لافتا قول الغنوشي ، البارع في مخاتلة الرؤساء ، من بورقيبة حتى سعيد ، أنه يفتقد الباجي قائد السبسي اليوم وأكثر من أي وقت مضى ، في رسالة الى الرئيس الجديد حتى يكون مثله في السير على طريق التوافق ، تمهيدا لدفنه سياسيا ، مثلما حدث مع المرزوقي والسبسي نفسه من قبله ، فهو يريد حكومة دون معارضة انتخابية ، أو على الأقل بمعارضة هزيلة ، مكونة من بقايا التجمع الدستوري ، للإيحاء أنها تمثل الثورة ، ورئيسا تابعا يُزين وجه حزبه في المحافل الدولية ، غير أنه في علاقته بالشعب وعلى ضوء نسبة المقاطعة غير المسبوقة للانتخابات التشريعية ، وفي ظل انكشاف زيف وعوده الانتخابية السابقة ، يُغامر بأن يكون الشارع برلمان الشعب ، الذي لا برلمان سواه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م


.. شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول




.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم