الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اورفيوس العراقي

ساطع هاشم

2019 / 11 / 2
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


أعظم مجرى للغرائز القتالية ليست الحرب او العنف ولا الرياضة بل الفن.
جملاً مفيدة كهذه كانت تأسرني عندما كنت اقرأها أيام الصبا والشباب، وتعزز ثقتي بالرسم والتصوير وبالثقافة عامة، وقد وجدتها فيما بعد منتشرة بكثرة بين دعاة- سلمية، سلمية، سلمية ومنذ غاندي والى الان.
لكنها لم تتجسد في بلادنا بأروع صورها ومعانيها الا بالسنين الأخيرة، وهي الان ومنذ الأول من تشرين الاول قد وصلت الى مراحل متقدمة عالية، بعد ان تم أخيرا استلهام فكرة المطرب اورفيوس للتغلب على الحيوانات الوحشية بقوة الموسيقى كرمز لانتصار الخير على الشر في تظاهراتنا الوطنية، و(اورفيوس من الأبطال المؤلهة في الأساطير اليونانية القديمة، له قوة ساحرة بحيث إذا عزف على القيثار وغنى تصغي له طيور السماء واسماك الجداول وحيوانات البراري، وحتى الأشجار والصخور والروابي).
وهنا الفكرة التي ينادي بها السلميون حول العالم، والتي تقضي باستعمال العقل والمنطق والفنون الجميلة والآداب كقوة ناعمة ضد حملة البنادق والطلقات وصفارات الإنذار والحروب والقمع.
وهذا ما يحاول العراقيون الان تجريبه وتطبيقه وتعلمه بالواقع، ولحد الان فان النتائج مبهرة ولا مثيل لها في تاريخنا، فيتم استعمال الموسيقى والطرب والأغاني والشعر والرسم والتصوير والخط وغيرها لزيادة الحماسة والتمسك بالنضال وأرشفة الحوادث والمواقف الإنسانية والتعبير عن الذات التي ظلت حبيسة في انطلاقتها الى أجواء الحرية الواسعة.
وتستعمل الان أيضاً هذه الطاقات الجبارة الناعمة وفي كثير من الأحيان لاستمالة الجمهور المتردد والصامت وكذلك الأعداء للانضمام للمعارضة وحمايتها، كما رأينا مؤخرا في العشرات من أفلام الفيديو المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، ومن اكثر ما اعجبني واحداً من هذه الأغاني الشعبية الراقصة التي يرددها ويرقص معها العشرات من المتظاهرين تحت احد الجسور ويقول بها المغني: والشرطة هم ويانة من يكدر إلنا-(لا احدا يقف بوجهنا فحتى الشرطة معنا) وفوق الجسر يقف مجموعة من قوات الشرطة التي يجبرها التطريب والجو العاطفي والصداقي على الرقص مع أنغام الأغنية والتعاطف مع المتظاهرين السلميين.
هذا الاستعمال الجماهيري الإيجابي غير المبتذل الجديد للفنون وللثقافة عامة، هو ما ينبغي عدم الوقوف ضده في أي حال من الأحوال، بل تشجيعه ونشره ومساعدته على الاستمرار بين اكبر عدد ممكن من الناس المشاركين بالتظاهر، فالفن سيساعدهم على تقوية الاحاسيس التضامنية والشعور بأهمية الذات الفردية في هذا العالم الموحش والعدواني الذي يقف ضد ارادتهم، وإعطاء معنى لأفعالهم التحررية من خلال الصورة او اللوحة التي يشاهدونها والكلمة والأنغام المسموعة وغيرها، بالضبط مثل زغاريد النساء اثناء العمل وأغاني العمال والبحارة وضرب الصنوج قبل المعارك، ومما يروى عن الاسكندر المقدوني انه لم يذهب الى معركة او احتلال بدون موسيقيين وشعراء وممثلين، وهذا ما يحدث الان في ساحات الاحتجاج بالعراق.
من المعروف في تاريخ الفن هو البحث عن أسباب وجوهر كل عمل فني من خلال العقيدة او المفهوم او المبدأ الفكري الذي يقف وراءه، وزمان ومكان انتاجه وظروفه، وهذا ينطبق عل دراسة القديم الغابر بالقدم والحديث على حدٍ سواء، وبدون ذلك فان البحث عن المعنى والدروس الاجتماعية والفكرية ستضيع وسيفقد التاريخ وخاصة الثوري منه الذي لم ينعكس بالعمل الفني الكثير من نفسه وحياته أيضا، ويترك المجال واسعا للتخمين والكذب والتزوير لاحقا

فالثورات لا تساعد الفرد على التخلص من خوفه فقط، وإنما من جهله بالعالم الواقعي الذي يعيش داخله أيضا، وتكشف له خبايا الناس من حوله في ضعفهم وقوتهم وتحملهم، وهنا بالذات تقوم الفنون والآداب والمعارف في تهذيب وتعميق وعي الفرد لتجربته الشخصية كإنسان له احاسيس ومشاعر وخبرات مشتركة مع الآخرين وهذه أولى الخطوات نحو الحرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024


.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال




.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري