الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأسس المرجعية لفكرة -الثورة من الأعلى- عند محمد حسن الوزاني

الفرفار العياشي
كاتب و استاذ علم الاجتماع جامعة ابن زهر اكادير المغرب

(Elfarfar Elayachi)

2019 / 11 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


تعتبر إشكالية الإصلاح السياسي والدستوري الإشكالية الأهم في فكر محمد حسن الوزاني , ذلك أن الإصلاح السياسي في نظره يمر عير إصلاح قنوات الفعل السياسي وأدواته من خلال إصلاح السلطة السياسية.
يؤكد الوزاني أن السلطة السياسية ليست ظاهرة خاصة وفريدو بالمغرب وإنما هي ظاهرة كونية تعاش في كل مكان وفي كل زمان حيث لا يخلو مكان من سلطة. يقول الوزاني: "إن علاقة الفرد والسلطة كانت وما تزال المشكلة الجوهرية الأولى في كل مجتمع ودولة، فاختلال أو استقامة الأوضاع فيهما رهين بالكيفية التي تحل بها تلك المشكلة بواسطة الأحكام والقوانين، وإهمال حلها أو التقصير فيه إنما يفتح بابا للفوضى والظلم والفتنة" .
الوزاني ينظر لوضع المغرب من زاوية برغماتية من حيث ضرورة الإصلاح السياسي شرط لضمان السلم الأهلي وترسيخ الديمقراطية وبناء الدولة الحديثة، فأزمة المغرب أزمة سياسية لا تحل إلا سياسيا، لذا يعتبر الإصلاح السياسي عند الوزاني على سلم الأولويات يقول: "المشكلة الأم في مغرب اليوم هي مشكلة سياسية قبل أن تكون شيء آخر، وما دامت هذه المشكلة المعضلة تجد حلها المنشود من الامة جمعاء، ذلك بتغيير مفاهيم الحكم وأسليبه، أجهزته، أطره، فإن غيرها من المشاكل لا يمكن أن تجد حلا عرضيا" . وفق هذه الرؤية يصبح الإصلاح السياسي المنقذ الوحيد والضامن لحل أزمة الحكم باعتبارها علاقة مختلة بين طرفي المعادلة السياسية أي الحاكم والمحكوم يشبه الوزاني هذه العلاقة بعلاقة السيد والعبد، هو تشبيه يذكرنا برؤية فردريك هيجل أن العلاقة الإنسانية هي علاقة صراعية من أجل انتزاع الإعتراف بالسيادة.
قد لا يكون هذا هو قصد الوزاني، وإنما في جانب من رؤيته يلمح إلى العلاقة المأزومة بين الحاكم والمحكوم تجاوز هذا الوضع الازمة، يستلزم منطق الصراع بمنطق المشاركة الجماعية في تدبير شؤون الدولة. يؤكد الوزاني في هذا الصدد "أن يمنح السلطان للرعية حرية العمل والفكر لتقوم بإصلاح بلادها اقتداء بدول الدنيا الحاضرة المسملة والمسيحية" .
إن القراءة السياسية التي يقدمها الوزاني للنظام السياسي هي قراءة تشخيصية لواقع أزمة الحكم وللسلطة الحاكمة كما تعبر عن قناعاته الفكرية والسياسية حول: أولوية الدستور، وقد اعتبر الوزاني أن أزمة الحكم ليست شيئا آخر سوى أزمة النظام السياسي المغربي، تجاوز هذه الأزمة يكون أو يتحقق بالإحتكام إلى حل سياسي بعمق دستوري حقوقي يكفل الحريات ويضمن بناء الديمقراطية كإطار مرجعي ملائم لطبيعة العصر.
ينطلق محمد حسن الوزاني في تصوره الإطار لنظرية "الثورة من الأعلى" من ملاحظته للتحولات التي تجري داخل المغرب وخارجه. فداخليا المغرب يعيش أزمة مركبة وهي أزمة تشمل كل مناحي الحياة السياسية والاجتماعية الاقتصادية بالمغرب، حيث أصبح الفساد جزء لا يتجزأ من المشهد العام، فالواقع بالمغرب هو واقع مأزوم على عكس ما كان يدعيه الساسة آنذاك بحسب الوزاني "هكذا نرى أن المغرب غير دائم الاستقرار كما يظن البعض وفي مأمن من التقلبات نظرا لواقع الأوضاع الفاسدة في الداخل" .
كما أن المغرب مرتبط بشكل عضوي بالخارج لأنه لا يعيش في عزلة أو على هامش العصر ولا يمكن له التقوقع وعدم التأثر لما يجري حوله، فالمغرب في منظور الوزاني ويحكم موقعه هو جزء من عالم متغير يعرف صراعا إيديولوجيا حادا بين الليبرالية والاشتراكية.
ومن البديهي يقول الوزاني أن المغرب لا يعيش في عزلة عن العالم ولا على هامش العصر ولا بمناجاة مما يروج فيه من تيارات ويحدث فيه من تقلبات، بل المغرب تتقاذف به من تيارات وإيديولوجيات كغيره من الأقطار التي يجاورها أو يوججد على مقربة منها، ولهذا لا يسلم هو الآخر من هزات وفورات قد تبدو لبعضهم خافتة أو عابرة، ولكنها في الواقع "ذات أثر عميق في نفوس الأجيال الصاعدة المتطلعة إلى حياة أفضل في مجتمع جديد كما ترسمته في المخيلات أنواع الإيديولوجيات الساحرة السائدة في العصر الحاضر" .
وضعية المغرب الخاصة نظرا لظروفه الداخلية المأزومة التي تنذر بثورة شعبية شبابية تتغذى من التيارات الإيديولوجية التي تنتج خطابات مغرية تتناغم مع طموحات السباب المغربي الباحث عن الكرامة والشغل والحرية. وبتعبير الوزاني فالإيديولوجيات الغربية وخاصة الليبرالية الماركسية تحمل خطابات ساحرة قد لا تقاوم مادام عصر الستينيات هو عصر الإيديولوجيات.
أمام هذا الوضع المعقد، وضع داخلي مأزوم وتأثيرات خارجية تغذي أحلام الكادحين بالمساواة والشباب بالحياة قد يؤدي إلى وضع كارثي أو انقلابات مما يدمر السلم والاستقرار بالمغرب. لهذا يدعو الوزاني الساسة إلى ضرورة الاستفادة من تجارب التاريخ أن إرادة الشعوب لا تقهر حيث يقول الوزاني: "أننا حين نتبع سير الانتفاضات العنيفة التي وقعت في التاريخ لا نكاد نجد لها سوى سبب واحد هو أمة تريد وحكومة تأبى وترفض" .

الوزاني فقد زاوج في تكوينه بين مرجعيتين الإسلامية والغربية، مزاوجة تظهر من خلال استشهاداته، الكتا والسنة والخلفاء الراشدين والمأثور عن عمر وعلي، هي إحالات إلى منبع التكوين الإسلامي ااوزاني، في المقايب نجد وايت وميثاق الإنسان والمواطن وروسو وجيفر سونا كلها إحالات بتأثره بالفكر الغربي.
يتجسد التآلف بين المرجعية الدينية والليبرالية في فكره من خلال:
تأثره بالأفكار السياسية الفرنسية والأوربية.
تأثره بالأفكار المشرقية.
مشاركته في الحركة التي نظمتها النخب السلفية (أيو شعيب الدكالي وعلال الفاسي).
تتمظهر الحداثة السياسية في دعوته إلى تحديث الممارسة السياسية عن طريق إقامة نظام ديمقراطي حيث السيادة للشعب. ومن هذا السياق عمل على على دحض نظرية الحكم الإلهي سواء في الممارسة العربية أو الإسلامية، وقد اعتبر أن قدسية الحكم السياسي هي نظرية سخيفة لا تثبت أمام بحث العقل ولا تتوافق عليها شريعة التوحيد مطلقا.
انسجاما مع هذا الموقف الرافض لإيديولوجيا الحكم، يرفض الوزاني أن يكون قيام الدولة أمر من الله وعل الرعية القبول به، لذا نجد الوزاني تنتقد تجربة الحكم العباسي، هنا يحضر تصالح الوزاني مع التراث الإسلامي، وفي سياق الرفض يرفض العقيدة الشيعية التي تخرج مقاليد السلطة من طابعها الزمني وتضعف المحكوم وتجعله في موقع المنفعل والمتلقي للسلطة حيث يغيب حس النقد والتسليم بالواقع.
وفي نقده للنظام المطلق يدعو الوزاني إلى تقييد الحاكم بوضع مجموعة شروط للالتزام:
مسؤولية الحاكم: فهو مسؤول أمام الله وأمام الأمة، وتعتبر المسؤولية جوهر الممارسة السياسية في الإسلام.
تطبيق الشرع.
الحفاظ ورعاية مصالح المحكومين.
ضمان الحريات حيث يؤكد أن من واجب الدولة صيانة الحرية وتنظيمها بما يقتضيه الحق والعدالة.
وبتحليل هذه الشروط يتبين مدى المزاوجة بين البعد التراثي والليبرالي لدى الوزاني، في تصور لبناء ممارسة سياسية ديمقراطية تتحقق فيها السيادة للشعب والمصلحة لعموم المواطنين، وذلك من خلال النقط الآتية:
حيث اعتبر أن الشورى هي المفهوم الأساسي في نظام الحكم في الإسلام مستشهدا بالآيتين الكريمتين "وشاورهم في الأمر"، "وأمرهم شورى بينهم".
كما اعتبر المسجد شكل تاريخيا برلمان الأمة، حيث لم يكن مكان عبادة فقط، بل كان فضاء سياسيا، ويستشهد الوزاني على ذلك أن الخليفة بعد استخلافه يلقي من فوق المنبر خطبة تكون بمثابة بيان أو برنامج حكمه.
ويظهر الأثر الليبرالي والغربي للوزاني من خلال تركيزه على مفاهيم ومسؤولية الحاكم وضمان ورعاية المحكومين، هذه المفاهيم مستعارة من الحقل الديني للخطاب السياسي الليبرالي، خاصة بعد الثورة الفرنسية.
ثمة ملاحظة حول الفكر السياسي للوزاني كفكر حداثس أنه يتغافل شرط العقلانية أو الدعوة إلى إعمال العقل كطريق آمن لإيجاد مجتمع حديث، غير أن التمعن في كتاباته يظهر إن الوزاني يركز على شرط الحرية باعتبارها الشرط الأول والأساسي لممارسة فعل العقلانية. ما دام غياب الحرية يلغي فعل العقلانية ووجود الحرية يفسح المجال أمام كل أشكال الإبداع وخاصة العقلي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صفقة الاتحاد الأوروبي مع لبنان..ما خلفياتها؟| المسائية


.. بايدن يشدد على إرساء -النظام- في مواجهة الاحتجاجات الجامعية




.. أمريكا.. طلاب يجتمعون أمام منزل رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شف


.. الجيش الإسرائيلي: 12 عسكريا أصيبوا في قطاع غزة خلال الساعات




.. الخارجية الأمريكية: هناك مقترح على الطاولة وعلى حماس قبوله ل