الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعض العرب إذ يحللون نووية إيران

عبدالله المدني

2006 / 5 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


في مناقشات جانبية على هامش " منتدى الديمقراطية و التنمية و التجارة الحرة" السادس الذي عقد في الدوحة في الشهر الماضي، و كان لي شرف المشاركة فيه بدعوة كريمة من القائمين عليه، ازددت يقينا بأن بعض المثقفين من النخب العربية المعروفة لا يزال يقرأ و يحلل الأحداث بمنطق عاطفي عفا عليه الزمن و ثبت فشله مرارا و تكرارا.

لن أتحدث هنا عن حماسهم للمشروع النووي الإيراني و استبسالهم في الدفاع عنه وتصويرهم إياه على انه مفخرة للأمة الإسلامية و وسيلة من وسائل تحرير فلسطين والقدس. فذلك تردد بالمضامين نفسها من قبل، يوم أن أعلنت باكستان عن تفجيراتها النووية في عام 1998 وما تلا الحدث من إشادة عربية رسمية و غير رسمية بما سمي بالقنبلة النووية الإسلامية، قبل أن تنزع إسلام آباد الصفة الأخيرة عن قنبلتها و تعلن صراحة أنها موجهة حصريا لخدمة مصالحها الوطنية و تحقيق التوازن العسكري مع الهند.

و لن أتحدث عن إقحامهم لنووية إسرائيل في معظم المناقشات التي دارت على مدى ثلاثة أيام، دون أدنى اكتراث بما يشكله المشروع الإيراني من مخاطر على شعب الخليج و امن الخليج و بيئة الخليج الذي حلوا في ضيافة أبنائه. فذلك أيضا موضوع كتب فيه المختصون عشرات المقالات و استشهدوا خلالها بأمثلة عديدة لما يمكن أن يحدث، ولا سيما لجهة تسرب الإشعاع النووي و تلويثه لمياه بحيرة الخليج التي هي مصدر حياتنا.

إنما سأقتصر حديثي على السيناريو العجيب الذي تفتقت أذهان بعضهم عنه، و مفاده أن طهران تدرك جيدا ما تفعل، و أنها تصعد حاليا لتطرح في نهاية المطاف مبادرة سلمية لملفها النووي تقضي بإغلاق هذا الملف نهائيا " مقابل إزالة إسرائيل لمنشآتها النووية و إيقاف برامجها العلمية ذات الصلة". و اعتقد انه لولا بقية حياء لقالوا "مقابل انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة". هذا على الرغم من أن طهران لم يترشح عنها في أية مناسبة ما يؤشر إلى ذلك، بل ظلت تكرر انه لا رجعة عن خططها النووية وتهدد بقطع اليد التي ستمتد إليها.

و يذكرنا هذا السيناريو العجيب بما حدث بعد وقت قصير من الغزو العراقي للكويت صبيحة الثاني من أغسطس 1990، حينما تقدم الرئيس المخلوع صدام حسين بمبادرة كان يعلم مسبقا استحالة قبول العالم بها، لأنها ببساطة كانت ستسجل كسابقة تعطي المشروعية للأنظمة الشمولية لابتزاز المجتمع الدولي عن طريق الغزو المسلح. هذه المبادرة التي قايض فيه صدام انسحاب جيشه من الكويت بانسحاب إسرائيل من الضفة الغربية و غزة، ثم ما لبث أن تلقفها بعض النخب العربية و راحوا يروجون له بحماس كحل وحيد للازمة، و هم يرددون في دواخلهم " إما تحرير الأراضي الفلسطينية و إلا فليذهب الكويتيون إلى الجحيم".

بعيدا عن هذا السيناريو، لكن في السياق نفسه، تساءل بعض العرب المشاركين في المنتدى في معرض تدليلهم على ازدواجية السياسة الأمريكية، عن أسباب عدم تعامل واشنطون مع الملف النووي الإيراني بالطريقة التي تتعامل بها مع نووية كوريا الشمالية، في إشارة إلى قيام واشنطون بالبحث عن حلول لازمتها مع بيونيانغ عن طريق اللجنة السداسية المكونة من الدولتين إضافة إلى اليابان و كوريا الجنوبية والصين و روسيا، و التي بدأت جولات من المفاوضات العسيرة ابتداء من عام 2004 لكن دون تحقيق أي تقدم حتى هذه اللحظة.

و الإجابة بطبيعة الحال بسيطة و يعلمها كل مطلع عن ظروف الملفين شديدي التمايز و الاختلاف، و التي ليس بينها ما قيل من أن نووية إيران تهدد إسرائيل فيما نووية كوريا الشمالية لا تشكل تهديدا للدولة العبرية كتفسير لاختلاف الموقف الأمريكي. فبقدر ما يرى الأمريكيون في البرنامج النووي الإيراني تهديدا لحليفتهم الاستراتيجية الإسرائيلية و مصالحهم في منطقة الخليج، فإنهم يرون في مخططات بيونغيانغ تهديدا أيضا لمصالحهم و لحلفائهم التقليديين في اليابان و كوريا الجنوبية و تايوان.

في أسباب اختلاف الموقف الأمريكي، يمكن بإيجاز إيراد النقاط التالية:
أولا : إيران رابع اكبر مصدر عالمي للنفط و إحدى الدول الرئيسية في إنتاج الغاز الطبيعي في العالم، و بالتالي فهي بلد غني و ليست دولة جائعة يمكن مساومتها حول برامجها النووية بالمساعدات الاقتصادية كما في حالة كوريا الشمالية. و هذا يلغي عنصرا هاما هو محور المفاوضات السداسية.

ثانيا: على عكس كوريا الشمالية التي تعيش أجزاء كبيرة من أراضيها في ظلام دامس، و بالتالي تتخذ من حاجتها الماسة إلى الطاقة مبررا لبناء المفاعلات النووية، فان احتكام إيران على ثروة هائلة من النفط و الغاز يطيح بالمبررات التي تسوقها أمام العالم لخوض التجربة النووية، و يخلق قلقا حول وجود نوايا أخرى لديها.

ثالثا: تعتبر إيران قوة إقليمية مركزية لا توازيها أية قوة أخرى في المنطقة لجهة المساحة أو السكان أو القدرات الحربية و التصنيعية، و بالتالي لا توجد دولة إقليمية تملك نفوذا عليها أو لها دالة على أصحاب القرار فيها، بامكانها أن تساهم في تليين المواقف الإيرانية أثناء سير أية مفاوضات شبيهة بمفاوضات اللجنة السداسية. و هذا عكس الوضع في شمال شرق آسيا حيث للصين – و إلى حد ما روسيا - تأثير كبير على أصحاب القرار في بيونغيانغ بحكم مركزها الدولي و الإقليمي ثم بحكم الروابط الإيديولوجية المشتركة و العلاقات التاريخية الطويلة. وحتى لو افترضنا جدلا أن واشنطون وافقت على إدارة أزمتها الراهنة مع طهران من خلال لجنة تتمثل فيها الدول المجاورة لإيران إضافة إلى روسيا و الصين، فان الأخيرتين لا يتوقع منهما لعب دور مشابه لدورهما في محادثات اللجنة السداسية بسبب حرصهما على مصالحهما المتشعبة مع الإيرانيين، و هي مصالح لا تقارن إطلاقا بما لهما في كوريا الشمالية المعزولة.

رابعا: على العكس من كوريا الشمالية التي بنت قوتها النووية من منطلقات ابتزاز الغرب لجهة عدم المس بنظامه الشمولي الستاليني و تركه في حاله، فان برامج إيران النووية هدفها في نهاية المطاف تأكيد دورها كقوة إقليمية مهابة و قادرة على صياغة مستقبل و شئون منطقة الخليج الحيوية من منظورها وحدها. و يتداخل هذا الهدف مع المنطلقات، و هي في الأساس إيديولوجية بحتة يجسدها خطاب الجناح المحافظ الحاكم بقيادة الرئيس محمود احمدي نجاد، الذي لم يكف منذ وصوله إلى السلطة عن إطلاق أحاديث مشبعة بالروحانيات و الأساطير الدينية و مسئوليات إيران القيادية في العالم الإسلامي، مثل ضرورة خلق إيران قوية استعدادا لظهور الإمام المنتظر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية بفرنسا.. ما مصير التحالف الرئاسي؟


.. بسبب عنف العصابات في بلادهم.. الهايتيون في ميامي الأمريكية ف




.. إدمان المخدرات.. لماذا تنتشر هذه الظاهرة بين الشباب، وكيف ال


.. أسباب غير متوقعة لفقدان الذاكرة والخرف والشيخوخة| #برنامج_ال




.. لإنقاذه من -الورطة-.. أسرة بايدن تحمل مستشاري الرئيس مسؤولية