الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق مستودع بارود ... حذار أن ينفجر

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2019 / 11 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


كان يشاع عن العراقيين بأنهم قليلي صبر وجلد وسريعي الإنفعال, لكن الأحداث والوقائع أثبتت بأنهم شعب صبور قلّ مثيله , فقد تحملوا من مصائب وأهوال ما لا تتحمله الجبال , وصبروا صبر ايوب دون أن تلوح في سماء العراق بارقة أمل للخلاص من هذا الكابوس الثقيل , جاعوا وتشردوا وتغربوا في مشارق الأرض ومغاربها دون أن يكترث لهم أحد , وأصبح الكثير منهم لاجئين ومشردين في بلدان العالم المختلفة, بعد أن كانوا في الأمس أعزة كرام في ديارهم يحمون الغريب ويطعمون الجائع ويحمون المشرد لوجه الله الكريم دون منة. وإذا بهم يصبحون بين ليلة وضحاها مشردين هائمين في بقاع الأرض, بعد أن غرر بهم الغزاة المحتلون ومن تعاون معهم من خونة وعملاء أن غدا سعيدا وعهدا رغيدا سيسود العراق ما أن يستلموا مقاليد السلطة في العراق . فكان لهم ما أرادوا بعد أن قوضوا النظام السياسي القائم يومذاك في العراق بدعاوى زائفة ثبت للقاصي والداني بطلانها.
فماذا حصد العراقيون بعد مرور نحو (16) عاما على إستلام هؤلاء الحكام السلطة في عراق الإحتلال الذي يحلو لهم وصفه بالعراق الديمقراطي , سوى فقر مدقع وتفشي المرض والرذيلة والفساد في كل مكان , ونهب منظم لثروات العراق , وتدمير مستمر لما تبقى من بناه التحتية , وتعطيل كامل لمصانعه ومعامله وإهمال موارده الزراعية ومصادره المائية , بحيث أصبح العراق يستورد من دول الجوار جميع متطلبات حياته اليومية , ناهيك عن تدمير ثروته النفطية التي كان يديرها سابقا إستخراجا وإنتاجا وتسويقا ابناء العراق البررة رغم الحروب المدمرة والحصار الإقتصادي الشامل الذي حرم العراقيين من إستيراد أبسط مستلزمات حياته ,ناهيك عن إستيراد المعدات والمكائن التي تحتاجها قطاعاته الإنتاجية وفي مقدمتها صناعته النفطية, إعادها ثانية حكام العراق الجدد رهينة بيد الشركات النفطية الأجنبية , بعد أن أثقلوه بديون باهضة .
فقد الناس أمنهم وإستقرارهم دون أن يلتمسوا شيئا من طعم الديمقراطية البلهاء العرجاء التي وعدوهم بها . جعلوا من العراق ساحة صراعات كبرى بين الدول بعيدها وقريبها وتصفية حسابات وأوكار جاسوسية ومخابرات وبؤر للجماعات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة ,بعد أن أصبحت المؤسسات الحكومية والعامة إقطاعيات لهذا الفريق أو ذاك ,حيث تباع وتشترى المناصب القيادية العليا في بازار السياسة السوداء بحسب الحصص التي تفرزها نتائج الإنتخابات التي تجرى كل أربع سنوات.
لقد تملل الناس وضاقوا ذرعا وسئموا وعود هؤلاء الساسة الدجالين طوال هذه السنين التي لم يحصدوا منها شيئا, فقد هاجوا وماجوا مرارا, قاطعوا الإنتخابات النيابية دون جدوى, وبعد أن بلغ السيل الزبى ولم تعد تنفع معهم مسكنات التهدئة , نهض شباب العراق ممن هم في عمر الزهور ويحمل الكثير منهم مؤهلات جامعية دون أن يتمكنوا من إيجاد فرصة عمل, حيث باتت الوظائف حكرا على ابناء الطبقة السياسية الفاسدة وعلى من يستطيع دفع الرشى لهم , في أروع إنتفاضة وطنية لم يشهد لها العراق مثيلا منذ عقد الخمسينيات من القرن المنصرم الذي كان يشهد إنتفاضات طلبة المعاهد والكليات والمدارس الإعدادية بوجه حكومات العهد الملكي لتحقيق مطالب سياسية بتحريض وتوجيه الأحزاب السياسية وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي أحد أقدم الأحزاب السياسية العراقية وأكثرها تأثيرا في أوساط الطلبة والمثقفين العراقيين , وأكثرها خبرة وتنظيما في العمل الحزبي السري يومذاك. وشهد عقد الستينيات مظاهرات مشابهة ضد السلطات الحاكمة قادتها الأحزاب القومية ومن تحالف معها, وعقد السبعينيات مظاهرات قادتها الأحزاب الدينية وفي مقدمتها حزب الدعوة الإسلامية . ويذكر أنه لم يكن مسموحا في عهود ما قبل غزو العراق وإحتلاله بقيام مظاهرات أو إضرابات مناهضة للسلطات الحاكمة بأي شكل من الأشكال وتواجهها السلطات بالحديد والنار دون رحمة, حيث إقتصر التظاهر على تأييد السلطة في المناسبات التي تحتاج فيها إظهار تأييد الجماهير الشعبية للرأي العام الدولي.
يبدو أن شباب الإنتفاضة التشرينية قرروا الإستفادة من فسحة التظاهر السلمي التي أتاحها لهم الدستور العراقي , ليجربوا حظهم في الإصلاح السياسي , وإن لم تكن أعمارهم المبكرة تؤهلهم لإمتلاك أية ذاكرة عن مجريات تاريخ بلادهم السياسي الحديث. ولا يعرف أحد على الوجه الدقة ,حقيقة دوافع هذه الإنتفاضة وأهدافها وبرامجها المستقبلية لما بعد تحقيق التغيير المنشود , إذ يغلب على هذا الحراك الحماس وعنفوان الشباب وكثرة الشعارات وتضاربها أحيانا وإنفلات بعضها في أكثر من مكان بالإعتداء على بعض الممتلكات الخاصة والعامة , الأمر الذي يسيئ إلى سمعة الإنتفاضة التي نتمنى أن تكون صافية نقية خالية من أية شوائب بالقدر المستطاع , مما يستلزم أن تأخذ الجهات المنظمة لهذه التظاهرات أعلى درجات الحيطة والحذر لتلافي هكذا أعمال تلحق أضرارا لا مبرر لها بالمتلكات العامة التي هي ملك الشعب العراقي والممتلكات الخاصة تجنبا لأعمال الشغب والفوضى , وكذلك تجنب التصادم مع القوات الأمنية المكلفة بحفظ الأمن والنظام , وتجنب إعاقة أعمال الموانئ والشركات النفطية وقطع الطرق داخل المدن وخارجها لما يتسبب ذلك في خسائر إقتصادية باهضة تزيد أعباءا جسيمة على الإقتصاد العراقي المتهالك أصلا وتعطيل مصالح الناس في جميع الأحوال , فضلا أن ذلك يتعارض مع شرعية التظاهر السلمي, وتوفير غطاءا ومبررا للسلطات الحاكمة لفض هذه التظاهرات بوسائل أشد عنفا وقد يتسبب بإزهاق أرواح بريئة من المتظاهرين والقوات الأمنية لا مبرر لها , ويبعدها أكثر عن تحقيق أهدافها الإصلاحية.كما لا يصح فرض العصيان المدني بالوسائل القسرية , إذ يفترض أن يكون العصيان طوعيا نابعا من ضمير ووجدان المشاركين بهذا العصيان.
ليس واضحا بعد الجهات التي تحرك هذه التظاهرات وتوجهها , إذ يلاحظ أن هناك ثمة تضارب في شعاراتها التي يفترض أن تكون هذه الشعارات واضحة ومحددة وموجهه بإتجاه معين تسعى لتحقيقه , إذ يخشى أن تتسلق على أكتاف المتظاهرين الذين جلّهم من الشباب الذين لا يمتلكون خبرة سياسية واسعة , أحزاب وتنظيمات سياسية أكثر منهم خبرة ومقدرة على المناورات والتحركات السياسية وتوجيهها بما يخدم توجهاتها ومطامحها الحزبية كما حصل في تظاهرات الشعب المصري فيما عرف " بالربيع العربي " حيث إستولت حركة إخوان المسلمين على زمام التظاهرات ووجهت الحراك الشعبي بما يخدم أهداف الحركة والإستيلاء على السلطة في نهاية المطاف.
وفي الختام نقول أن نجاح أي حراك جماهيري يتوقف على أمور عدة , أبرزها الآتي :
1. وجود أهداف واضحة ومحددة يسعى الحراك لتحقيقها آنيا ومستقبليا , وأن تتسم هذه الأهداف بالواقعية, أي إمكانية تنفيذها , وبالموضوعية والمرونة وعدم المغالاة بطرحها , وأن تحضى بمقبولية جماهيرية واسعة.
2. قيادة واعية لحجم العقبات والتحديات التي يحتمل أن تواجهها , وأن تكون قادرة على تذليل الصعاب التي قد تعترض مسيرها , وتصحيح مساراتها في ضوء ما قد تفرزه الأحداث من مستجدات.
3. فهم دقيق لبيئة العراق السياسية والمتغيرات التي طرأت عليها منذ العام 2003 بسبب السياسات الخبيثة التي أعتمدتها جهات عديدة لتمير بنية المجتمع العراقي وهدم نسيجه الإجتماعي.
4. عدم الإستهانة بقدرات الخصم أو التقليل منها , إذ أستطاع رهط الفاسدين تحصين أنفسهم بحمايات مسلحة كبيرة تحت مسميات مختلفة لا تتردد بإحراق اليابس والأخضر إذا ما وجدت نفسها في حالة ميؤس منها.
5. العمل على تعرية كبار المفسدين أمام أنصارهم ومؤيديهم , وتوضيح أن لا مصلحة لهم ولشعبهم حمايتهم والتضحية بأنفسهم من أجل بقائهم.
6. تجنب الإحتكاك بمصالح الدول الأجنبية في العراق في الوقت الحاضر بصرف النظر عن مشروعيتها من عدمه , وذلك منعا لإصطفاف هذه الدول مع الفاسدين ومد يد العون والدعم لهم.
7. إحترام المشاعر الدينية والرموز الدينية لعموم العراقيين من منطلق تجنب زج الدين بالأمور السياسية.
8. رفض وصاية كائنا من يكون على الحراك الشعبي.
9. إعلان برنامج الإنتفاضة التشرينية وآليات فقرات تنفيذها ضمن ازمان محددة .
10. التأكيد على الهوية الوطنية لجميع العراقيين , وحقهم بالعيش الآمن والكريم في وطنهم العراق دون إقصاء أو تهميش تحت أي مسوغ.
وأخيرا نقول أن عراق اليوم أقرب ما يكون لمستودع بارود حيث فوضى السلاح المنفلت والمنتشر في كل مكان , تكفيه شرارة واحدة ليندلع لهيب حرب أهلية لا سامح الله لا تبقي ولا تذر , لذا نهيب بجميع من يعنيه أمر العراق التصرف بحكمة وروية, لتجنيب بلادنا حماها الله من مزالق الإنزلاق في آتون حرب أهلية لا يعلم سوى الله مداها. اللهم إحفظ العراق وأهله من كل شر , إنك سميع مجيب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وملف حجب تطبيق -تيك توك-.. تناقضات وتضارب في الق


.. إدارة جامعة كولومبيا الأمريكية تهمل الطلاب المعتصمين فيها قب




.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م