الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليلى والذئاب: الفصل الحادي عشر/ 1

دلور ميقري

2019 / 11 / 9
الادب والفن


صالة الخياطة، تحولت إلى مشغلٍ تتعلم فيه بعض بنات الحارة فن التطريز والحياكة. معلمتهن، ليلو، دأبت أيضاً على سماع شكاوى البنات الخاصة والعائلية. الآباء والأخوة، كانوا يتخلون تدريجياً عن تقاليدهم القومية، المتعلقة بالمرأة؛ سواءً لناحية مكانتها السامية في الأسرة أو وضعها الاجتماعي المحترم بشكل عام. لقد صاروا يقلدون أبناء مدينتهم الآخرين، إن كانوا الجيران الصوالحة أو الشوام، المعروفين بالتزمت والمحافظة. ليلو، كانت تدرك أنّ وعي الفتاة لحقوقها لا يكفي، طالما أنها ستخرج أخيراً من المشغل إلى بيت الزوج. فإنقاذ المرأة من العبودية، هوَ واجبٌ على الرجل أيضاً ـ هكذا صرحت ذات يوم. إذ فقدت الأمل بالآباء عموماً، راحت المعلّمة تعوّل على الجيل الجديد من الأبناء، الذين كان من حظهم أن الدولة أخذت تهتم بفتح المدارس الحديثة بعدما كان التعليم في خلال القرون الماضية حكراً على المساجد والزوايا.
طريقة الخياطة بدَورها، ستشهد تغيراً كبيراً مع استفادة المعلّمة من المجلات المتخصصة، المجلوبة من بيروت. عليكي آغا الكبير، كان كما علمنا قد زوّد امرأة أخيه بنسخة عن إحدى تلك المجلات. فيما بعد، أضحى في الوسع الاعتماد عليه في هذا الشأن. رجلها من ناحيته، كان يتولى قراءة النصوص العربية، المرفقة مع الصور والخطوط. على المنقلب الآخر، لم ينظر عليكي آغا الصغير بارتياح إلى محاولات امرأته بث أفكارها المتحررة في رؤوس فتيات مشغلها. هذا، برغم أنها كانت أفكاره بالأساس، المتأثرة بكلّ من العم أوسمان وصديقه البدرخانيّ. في موضوع مظهرها الخارجيّ، المحتفظ باللباس التقليدي الكرديّ، بقيَ يُساند زوجته مع علمه بما يسببه ذلك من امتعاض زعيم الحي. لقد كان يجلّ الحاج حسن، واعتاد على أخذ مشورته في العديد من المسائل العملية والاجتماعية.

***
ليلو، كان الأولى بها بالطبع الاهتمام بما يجري وراء جدران منزلها. أخذت تولي عنايتها لحال امرأة العم، وكانت هذه أقرب إلى التهشّم نفسياً عقبَ عودتهما من زيارة آل المرحوم طراد آغا. أدركت أن دوران شملكان في هذه الدائرة المغلقة، سيؤدي حتماً إلى احتراق داخلها ومن ثم تقوّض بنيان أسرتها. كان من الصعب على ليلو فتح هكذا موضوع، لما فيه من الإحراج وربما العار. ولكن الطرف الآخر، المعنيّ بالأمر، لم يعُد بين الأحياء ـ فكّرت الربيبة الملولة ـ وفي التالي من المفترض أن يكون سهلاً إخراج امرأة العم من عتمة الصمت المريبة إلى نور الصراحة المطمئنة. وهذا ما حصل، غبَّ عودة القريبتين من تلك الزيارة المشئومة ببضعة أيام.
في ظهيرة أحد الأيام، وكانت فتيات المشغل غادرن إلى بيوتهن لتناول الغداء، استمهلت ليلو امرأةَ عمها بضع دقائق كي تريها نسخة جديدة من إحدى المجلات.
قالت لشملكان، مبتسمة: " إن عليكي آغا الكبير لا يأتي بهذه المجلات إكراماً لزوجة أخيه "
" إذا كان الأمرُ كذلك، فمن الأفضل أن تمتنعي عن قبولها "، ردت امرأة العم باستهانة.
" حقاً؟ "
" ألم تقولي بنفسك، أنه طعن ذكرى امرأته الحبيبة؟ "
" بلى، قلتُ ذلك. وأعترف الآن أن رأيي كان متهوراً "، قالتها ليلو ضاحكة. فكّرت الأخرى قليلاً، قبل أن تبادر للقول بنبرة جدية، " لقد أردته أن يدفع ثمن غلطته غالياً، كونه لم يُشعرني بأحاسيسه مثلما كان أمره مع سلمى "
" ويحك، يا شملكان! أأنتِ ما زلتِ تعتقدين بأنك فتاة مراهقة، حريصة على الزواج بعد حكاية حب؟ "، تساءلت ليلو مجددة ضحكتها. ولكن امرأة العم تفاقمَ عبوسها، فيما هيَ ترمق ربيبتها: " لستُ صغيرة، أدرك ذلك جيداً. ولكنني حينَ كنتُ طفلة، لا مراهقة، تم حبسي في سجن الزواج مع رجل يكبرني بضعف عمري. هل أدركت، أنتِ أيضاً، سرّ تلهفي على حكاية حب؟ "
" نعم، وأنا آسفة إذا كنتُ جرحتُ مشاعرك بمزاحي "
" لا، لا داعي لأي أسف "
" مع ذلك، يمكن لأخي زوجي تلافي غلطته "
" تأخر الوقت، عزيزتي ليلو. كان لديّ أمل في مكان آخر، ولكنه مات هو أيضاً "
" إذا مات الرجل، فهل عليكِ أن تدفني نفسك أنت أيضاً في الحياة كما تفعل نساء الهند؟ "، جرؤت الربيبة على التصريح مندفعةً دون تروي. ألقت المرأة الأرملة رأسها إلى مسند كرسيها الخشبيّ، فبانت نصاعةُ رقبتها وجانبٌ من صدرها: " رحمه الله، على أي حال ". سكتت قليلاً، ثم ما لبثت أن نهضت فجأة: " ليت أني أمتلك الشجاعة للانتحار، مثلما تفعل نساء الهند. المرء، عليه أن يفكّر قبل كل شيء بمصير عائلته. وأنا سأبقى وفية للرجلين الراحلين كلاهما؛ السجّان والحبيب "، قالت ذلك ثم سارت باتجاه باب الصالة الموارب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد .. حفل توزيع جوائز مهرجان الإسكندرية السينمائي


.. ليه أم كلثوم ماعملتش أغنية بعد نصر أكتوبر؟..المؤرخ الفني/ مح




.. اتكلم عربي.. إزاي أحفز ابنى لتعلم اللغة العربية لو في مدرسة


.. الفنان أحمد شاكر: كنت مديرا للمسرح القومى فكانت النتيجة .. إ




.. حب الفنان الفلسطيني كامل الباشا للسينما المصرية.. ورأيه في أ