الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فرنش كانكان* / قصة قصيرة

رندة المغربي

2006 / 5 / 23
الادب والفن


[فرنش كانكان]*

ـ عظيم ، أخيراً انتهى شبح الهلوسة بلوحتكِ الحميمة .
ـ أوف ! لا تنس بأنها مقلدة، المهم أن السيدة انطلت عليها الحيلة وصدقت بأنها لوحة "دومارج" الأصلية ، حقاً مغفلة ، أتعلم بأن ثمن اللوحة الأصلية تجاوز العشرة الآف يورو .
ـ أظنكِ تلعبين لعبة قذرة !
ـ لا أنت تتوهم و تستحضر المخاوف من اللاشيء ، هذه السيدة محدثة نعمة ولا علاقة لها بالفن ، أرادت أن تقتني اللوحة الأصلية من باب حل عقدة نقص لديها لتحيط نفسها بتحف ثمينة تجهل هي من أين أتت قيمتها .
هز رأسه ساخراً ورفع كأس القهوة المعدني إلى فمه كدلالة على عدم الرضا
أكملت غير آبهة ببروده الذي تعمد أن يشعرني به لأتراجع عن لُعبتي ..
ـ أتدري من هو الفنان حقاً ؟ إنه بوتشا ، هذا الروماني قادر على نسخ وتقليد أعظم وأعصى ختم ، لقد أصدر لي شهادة مزورة للوحة ولولاه لَمَ كان الأمر لينطلي على تلك الشمطاء ، ستدفع ثلاثة الآف يورو في اللوحة ظناً منها بأنها اللوحة الأصلية . .
قاطعني بعصبية :
ـ هذا نصب واحتيال قلت لكِ اللوحة لن تخرج من هنا لتُباع لفريستك .
ـ قلت لك اللوحة ستخرج من هنا وهذا ليس احتيال وهي ليست فريسة ، ولو كان احتيال لطلبت منها قيمة اللوحة الأصلية وأكثر ، أنا أطلب فقط أجر تعبي باللوحة التي قلدتها لتكون صورة طبق الأصل عن لوحة دومارج .لقد أمضيت برسمها ثلاثة أشهر .
هب واقفاً ليثبت عينيه على وجهي قائلاً : ـ هذه سرقة لن تمر الأحداث كما خططتِ لها و الأمر سيتصاعد ليصل بكِ لنهاية لا أتمناها لكِ .
ـ أنت تضخم الأمور
ـ بس ، وانسحب ليصفق الباب من وراءه معلنا عن ثورة غضب .
قمت مسرعة لغرفة المكتب لأتأكد بأن ألوان اللوحة قد جفت ولأتأمل عظيم إنجازي لراقصة الكنكان . حللت الباب فداهمني شعاع الشمس القوي المتسلل من النافذة المشرعة أمام المكتب الخشبي و هبت نسمة باردة فانكمشت على نفسي معلنة رفضي لها ، أسرعت صوب النافذة و أوصدتها بإحكام . البرد شديد بهذه الحجرة خلافاً على باقي حجر المنزل!
لا أدري كم مر من الوقت وأنا أحدق بالنافذة الموصدة ، لمحتُ طائراً أسود يمر كالبرق أمامها ليخطف قلبي !
أسدلت الأستار السميكة وأدرت رأسي لأتأمل اللوحة المُسجاة على ظهر المكتب فهالتني الرؤية !
كانت الراقصة بيد واحدة .. فمن طمس ذراعها بقفازها الأسود ؟!
انتزعت اللوحة من فوق المكتب وحدقت بها بنظرة غضوب

انزلق بصري من رأس الراقصة وصولاً لكفها الأيسر ، تأملتها بدقة لم يكن الكف بقفازه الأسود قد طمس بالألوان ، كان الكف منتزعا من اللوحة ! الكف الذي رسمته ولونته باللون الأسود وتفننت بأصابعه الطويلة النحيلة لا وجود له من الأساس !!
هب زغب الجسد وتوحشت الروح في فضاء الحجرة . رميت باللوحة وخرجت من الغرفة أسابق نبض صدري المتسارع
اتكأت ألهث على طرف الكنبة في غرفة المعيشة ، هززت رأسي لأبدد شتات اللحظة المشحونة بالخوف!
مررت كفي على ساعدي العاري كان زغب ساعدي لا يزال معلناً عن تلك الوحشة التي استشعرتها النفس وأنا في حجرة المكتب ،
هو حتماً هو من أقسم على عدم خروج اللوحة من المنزل . طلبته بالهاتف لكنه لم يُجب ، تركت له رسالة ليعاود مخابرتي
وهبطت أكرج أدراج الطوابق الخمس بخفة وخوف أرنب .
هزني صخب اللادفنس* واستيقظت من بلاهات مخاوفي وأنا أعيد الأنس للنفس برؤية الأناس من حولي .
واقتنعت بحتمية العودة لأجد علة لم يحدث ، حتماً هو العلة !
عدت للمنزل وأنا أصفر بلحن أغنية وأرفع كتفيّ غير مبالية بصراخ ينبعث من داخلي ليتضاد مع منطقية العقل و يستنجد بالحاسة السابعة .


حملت اللوحة وسرت صوب ساق المرسم الخشبي ثبتها عليه وصرخت بها متسائلة عن الفاعل ؟
أمسكت بعلبة الألوان فانزلقت من يدي لتسقط على الأرض راسمة باللون الأسود المتدفق على بلاطات الحجرة طائراً أسود بجناحين محلقين !
يدي كانت قد صبغت باللون الأسود حين أغلقت باب الشقة معاودة الهروب دون وجهة في الشوارع التي غدت قفر أبيض شاسع بلون الفراغ الذي امتد بعقلي و خلفه الكف الهارب من اللوحة المغتصبة !



كل تلك الشخوص والأجساد المتراصة والمنغلقة على نفسها في قطار الأنفاق لم تتداخل بي لأغدو جزءاً من لوحتها الآنية المتحركة
كان هيكل الحديد الأزرق يمضي فوق قضبان الأنفاق كالأفعى
فيما الذهن شاردا خلف ريشة "دومارج" ، في رقصة الفرنش كونكان الفاتنة ، خلف نساء ساحرات دوخن دومارج وأشعلن خياله ليطعن اللون بالريشة الناعمة ....
كنت مطأطئة الرأس محمومة النظر أمشط أرضية القطار وأجمع التساؤلات من انكسارات الضوء فوق الأحذية الصاعدة والهابطة من بوابة القطار حين سقط قفازها الأسود أمامي ...
شهقت! والتقطته بيدٍ كصنارة الصيد لأنجو به من وطء الأقدام المتدافعة .. رفعت جسدي للأعلى لأوازي قامتها الرمح فحدني قصرُ قامتي.
ـ شكراً .. قالتها وقد مدت يداً بأظافر مدببة ومطلية بطلاء أحمر لامع لأصابع طويلة ونحيلة كدت أجزم بأني صادفتهم ذات لوحة بريشة كانت تتمرد على زوايا الإطار المدببة لترسم غيباً حاولت اختراقه بالأصفر المسفوح ..
عيناها البندقية مسحوبة نحو الأعلى نحو قمم صدغيها المشتعلة بحمرة الغروب لتعطى لطائر أسود فوق صنوبرة سحرية مشروعية التواجد في الرؤية المأزومة .
وما إن سحبت القفاز الأسود اللامع لدوائر جسدها المتصاعدة كموج أزرق في فضاءات دهشتي حتى انزلقت من بوابة القطار بهدوء رغوة الجعة المتقاطرة من أطراف كؤوس السهر بمقاهي مونمارت * !
وانقلب قطار سيري عائداً بي إلى الوراء
لأجدني في حجرة المكتب أمام الراقصة المطعونة وقد سال من ساعدها المفقود على أرضية اللوحة خيط رفيع بدأ يقطر على بلاط الحجرة بلون أحمر قاني!

.......

هوامش :
* فرنش كانكان / رقصة فرنسية عريقة غدت رمزاً معروف لهذا البلد و اسم لوحة لدومارج
* اللادفنس / ضاحية تقع في شمال غرب باريس
* مونمارت / أحد أعرق أحياء باريس وبه ساحة الرسامين الشهيرة
...

رندة المغربي كاتبة وقاصة سعودية مقيمة في باريس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي