الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في نتائج الانتخابات التشريعية التونسية : عوامل النجاح وسقوط المسلّمات

محمد المناعي
باحث

(Manai Mohamed)

2019 / 11 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


تباينت ردود الفعل تجاه نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة في تونس ، ولو أنها لم ترتق إلى مرتبة التقييم الا أنها محاولات للتوصيف الأولي و فك الرموز .
هذه الانتخابات لم تفرز قوى سياسية جديدة بقدر إقصائها لقوى تقليدية كان لها وزن نيابي في الاستحقاقات السابقة التأسيسية والتشريعية والبلدية والرئاسية ، وبالتالي لم تفرز مطلقا واقعا جديدا في نظام سياسي شبه برلماني بقدر ما استعادت القوى المحافظة التي برزت سنة 2011 مكانها بأكثر قوة .
وبتتبع النتائج نتبين أن هذه الانتخابات حطمت بعض المسلمات التي رافقت الفترة الأخيرة أو على الأقل منذ 2014 وفي أدنى الحالات نسّبتها ومن هذه المسلّمات خمسة :
1 - المستقلون : شاعت فكرة سرعان ما تحولت لشبه مسلّمة في المشهد السياسي منذ تحالف الحزبين الأولين سنة 2014 ، تحالف مبني على فكرة موت الأحزاب والبديل هو المستقلين وتشابه جميع الأحزاب و الأحزاب " تجري وراء الكراسي " وتبحث فقط على التموقع...
تأكد هذا الطرح مع نتائج الانتخابات البلدية ، فلهذا الخطاب ما يبرره في الواقع ...الأحزاب التي بدت متنافرة في الحملة الانتخابية تلك أصبحت متحالفة وتحالفها بني على تقاسم " الكراسي " دون اهتمام بمصالح الشعب وهو ما أكدته حصيلة حكم حركتي النهضة ونداء تونس ثم تحيا تونس على المستويين الاقتصادي والاجتماعي ، كما أكدته السياحة الحزبية فبدا هذا الخطاب مشروعا وتأسس عليه المزاج العام للانتخابات التشريعية والرئاسية 2019 برمته، غير أن النتائج حطمت أو نسّبت هذا الطرح حيث تجاوز عدد المقاعد الحزبية 180 نائبا من بين مجموع 217 ، فمجلس نواب الشعب مجلس حزبي بامتياز وهو تأكيد لمقولة ان العمل السياسي يدار بالأحزاب أساسا في حين وجدت القائمات المستقلة على هامش المشهد.
2 - الأحزاب التقليدية : أمام موجة المبادرات الشبابية والشعبية في العالم والتي وصل بعضها للسلطة عبر أشكال تنظيمية غير تقليدية ترسخت فكرة نهاية الأحزاب التقليدية في واجهة التفكير بتونس ، بينما بينت النتائج أن احزابا تقليدية على مستوى التنظيم والخطاب كانت من بين الفائزين وفي مقدمتها حركة النهضة وحركة الشعب ونسبيا التيار الديمقراطي ، وهو ما ينفي فكرة نهاية الأحزاب التقليدية التي راجت كنتيجة لتراجع تمثيلية أحزاب مثل التكتل والمسار والجمهوري .
3 - المال السياسي : بينت الانتخابات ونتائجها أن العلاقة بين المال السياسي والنتائج ليست متلازمة بشكل ألي ، وهذا على عكس ما بدى من خلال استعراض بعض القائمات والأحزاب ل"عضلاتها " المالية قبل الحملة وخلالها ، فإضافة الى حصيلة الاتحاد الوطني الحر سنة 2011 فان حصيلة قائمات عيش تونسي وحزب البديل والأموال التي صرفت بينت أن المال السياسي لم يكن محددا بشكل ألي ولا حاسم في الانتخابات الأخيرة رغم دوره الذي لا تخلو منه انتخابات.
4 - السلطة : عادة ما تكون السلطة جالبة للسلطة غير أن حصيلة الأحزاب الحاكمة نسّبت هذه المقولة فحزب "تحيا تونس "الذي بدى الوريث الأقوى لنداء تونس برئيس حكومة وحملة الانتخابية مستمرة بوسائل الدولة ومؤسساتها ونفاذ للاعلام العمومي والخاص لم يقدم نتائج ايجابية كما هو متوقع في حين تراجعت حركة النهضة بأكثر من 30 نائب رغم تصدرها المرتبة الأولى .في المقابل حققت أحزاب خارج السلطة نتائج ايجابية جدا مقارنة بحجمها البرلماني السابق خاصة التيار الديمقراطي وحركة الشعب .
5 - الاسم الجديد : أرجعت بعض التحليلات السابقة هزيمة أطراف سياسية إلى التغيير المتكرر للاسم وبالتالي صعوبة محافظتها على قاعدتها الانتخابية ، بينما بينت تجربة ائتلاف الكرامة على سبيل المثال والذي تأسس كاسم وعلامة اعلامية في أقل من شهرين قبل الانتخابات و حقق نتائج ايجابية أن فكرة الاسم الجديد نسبية جدا حين يكون الخطاب الاعلامي موجه بدقة للقواعد المعنية دون غيرها ، في حين اشتغلت أحزاب أخرى على الاسم لمدة طويلة ولم تخض الانتخابات بغير أسمائها التقليدية ولم تراكم اعلاميا ما يحقق لها الفوز .
هذه المسلمات الأساسية وغيرها مثلت النتائج تنسيبا حقيقيا لها وهو ما يساعد على التقييم الجدي سواء للأطراف المنتصرة أو المنهزمة للوقوف عند الأسباب الحقيقية التي أفرزت تلك النتائج .
في المقابل أكدت الانتخابات مجموعة من العوامل التي كانت محددة في نجاح بعض القائمات والأحزاب السياسية نذكر بعضها على سبيل المثال :
1 - التمايز : أكدت الانتخابات الأخيرة كما كان متوقعا أهمية التمايز كمحدد للنجاح ، فالتيار الديمقراطي الذي اشتغل على فكرة محاربة الفساد بقطع النظر عن مدى جديته في الطرح وحجم الشعاراتية والانتقائية في الخطاب فان صورته وصورة رموزه طبعت في ذهن الناخب كحزب مدافع عن فكرة الشفافية ومحاربة الفساد وهو ما غطى على أفكار أخرى بدت غير ذات أهمية لدى الناخب رغم جوهريتها في علاقة بمسيرة الحزب من جزء من المؤتمر من اجل الجمهورية داعم لروابط حماية الثورة وخيارات المنصف المرزوقي المتشنجة والنسخة الشعبوية من حركة النهضة خطابا وممارسة الى خطاب يذهب في الطرح الحداثي الى أقصاه في علاقة بالحريات والمساواة ...لم يكن هذا التغيير الجوهري محددا بقدر الطابع الاعلامي الذي طبع به الحزب في الدفاع محاربة الفساد كشعار أكد التمايز والتمايز أكد دوره في النجاح .
التمايز أيضا ساهم في صعود ائتلاف الكرامة ،الذي كرر خطابا استعملته حركة النهضة سنة 2011 وتخلت عنه في اطار اكراهات خطاب الحكم ، فاستعاده مخلوف ومن معه والمتمحور حول مجموعة من الشعارات الثورجية واستمالة الناخبين المحافظين المناهضين لرموز الدولة الحديثة بشكل عام وفي مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل والحبيب بورقيبة وقيم الحداثة ...
نفس التمايز الذي ساهم في نجاح الحزب الدستوري الحر باستعادة خطاب استعملته نداء تونس في الحملة الانتخابية 2014 وهو معاداة النهضة واستمالة الناخبين الذين تغازلهم فكرة اقصاء الحركة التي توظف الدين من المشهد السياسي ورفض منظومة 14 جانفي ككل دستورا ومشهدا سياسيا وهو خطاب على عدم جديته وشعاراتيته استمال قاعدة انتخابية عريضة .
2 - الرئاسية : الانتخابات الرئاسية مرتبطة مباشرة بالتشريعية ومؤثرة على نتائجها وهو ما أكدته الانتخابات الأخيرة ، فالأطراف التي قامت بحملة رئاسية ناجحة وحصدت نسب محترمة كان لها نتائج ايجابية في الانتخابات التشريعية ، فحركة الشعب استفادت ايجابيا بشكل مباشر من حملة ورصيد الصافي سعيد فتضاعف عدد نوابها 5 مرات ، كذلك التيار الديمقراطي في علاقة بمحمد عبو و ائتلاف الكرامة ارتباطا بسيف مخلوف وطبعا لم تكن الرئاسية هي التفسير الوحيد بل كانت محدد من بين محددات أخرى ...في المقابل انعكست النتائج السلبية لمرشحي الرئاسة على القائمات التشريعية وهذا ينسحب على مرشحي اليسار الثلاثة عبيد البريكي ومنجي الرحوي وحمة الهمامي وغيرهم كالياس الفخفاخ وسلمى اللومي ...كما تضررت الأطراف التي لم تكن بالوضوح الكافي في علاقة بالانتخابات الرئاسية فلم تختر اصطفاف واضحا وخلقت حولها ضبيابية زادتها ضبابية العلاقة مع المرشح الاوفر حظا في الدور الثاني قيس سعيد والتي زادت في رصيد بعض القوى السياسية التي تشارك قيس سعيد خطابه المحافظ .
3 - البلديات : استفادت القوى السياسية التي لها مستشارين بلديين خاصة منها الاطراف ذات الطابع الميداني والتي مثل تواجدها في البلدية دافع أساسي للتصويت لها ووفر لها هذا التواجد حملة انتخابية مستمرة واتصال مباشر بالمواطنين بشكل يومي ولعل تجربة النهضة والتيار الديمقراطي وحركة الشعب أفضل مثال .
4 - شبكات التواصل الاجتماعي والسياسة الاتصالية : كرس الاعلام التقليدي مع اقتراب الانتخابات مزاجا عاما قوامه فكرة ثنائية السيستام وقوى الثورة ، فوضعت القوى المحافظة الهووية في خانة قوى الثورة بقطع النظر عن علاقتها بالحكم ورصيدها ووزنها مقابل قوى " السيستام " التي وضعت ضمنها بعض أطراف الحكم والمعارضة على حد سواء ... ورغم عبثية هذا التصنيف فان الخطاب الاعلامي نجح في تسويقها وأغرقت شبكات التواصل الاجتماعي بمسلمات بسيطة لخلق الراي العام من قبيل " النهضة لم تكن في صدارة الاطراف الحاكمة ولم تكن لها فرصة للتغيير " - " استرجاع ثروات البترول والملح وطرد الاستعمار المقنع - تحجيم دور الاتحاد العام التونسي للشغل وتجريم الاضرابات والعمل فقط لبناء تونس - اقصاء " الخوانجية " ... " الشعب يريد " - " استكمال مسار الثورة " وغيرها من المقولات والشعارات التي أغرقت شبكات التواصل الاجتماعي على مدى أشهر وكذلك الاعلام التقليدي والتي مثلت حملة ايجابية لصالح بعض الاطراف وسلبية لاطراف أخرى في حين مرت القائمات الاقل تواجد في هذا الفضاء والاقل " ضجيج اعلامي " في الظل حتى ولو كانت تحمل خطابا شعبويا أو عقلانيا وبقطع النظر عن برامجها .
امتلاك مكان ضمن شبكة الاعلام البديل له تأثير مباشر في خلق راي عام وترويض الناخب الذي أصبح يتأثر بالخطاب المباشر السريع والمكرر أكثر من الاقتناع بالبرامج التقليدية وهو ما قاد الحملة المتواصلة لبعض الاطراف السياسية ،رغم أن قوى أخرى حاولت بطرق علمية عصرية وامكانات مالية كبرى لكن لم تختر الخطاب المناسب فلم تحقق النتائج المرجوة مثل البديل وعيش تونسي وأفاق .
5 - التشتت : حصد اليسار التقليدي ( الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي - ائتلاف الجبهة - حزب الجبهة الشعبية - الحزب الاشتراكي ) حوالي 100 ألف صوت موزعة على التوالي بالترتيب 29 ألف ، 29 ألف ، 32 ألف ، 7ألاف .دون احتساب القائمات المستقلة المنفلتة أو التي تشارك اليسار قاعدته الانتخابية ولم يترجم ال100 ألف صوت سوى في نائبين اثنين فقط ، هذا التشتت تأكد أيضا في بعض الدوائر كتونس 1 والقصرين وتونس 2 وفرنسا 1 واريانة وغيرها حيث أدى التشتت الى هزيمة جميع القائمات المتشابهة والتي اقتسمت نفس القاعدة الانتخابية بل في بعض الجهات منخرطي بعض الأحزاب تواجدوا في اكثر من قائمتين ...
هذا التشتت لم يكن حكرا على اليسار فقد اقتسمت تفرعات ما يسمى بالعائلة الدستورية ومحيطها الرصيد الانتخابي الذي صوت تصويتا مفيدا للباجي قايد السبسي سنة 2014 فدخلت بقائمات متنافسة في نفس الدوائر وكذلك الشأن في الرئاسية بأكثر من 5 مرشحين .
نتائج الانتخابات التشريعية التونسية لم تعبر عن واقع التوازنات الحقيقية في المجتمع التونسي بقدر ما عبرت عن لحظة تاريخية كانت تيارات الهوية فيها أكثر تماسكا وحظورا في المزاج الشعبي العام في حين دخلت القوى المنتصرة للحرية والديمقراطية مشتتة ،لم تجدد نفسها على مستوى التنظيم والخطاب السياسي واليات التواصل مع الشعب مباشرة وعبر الوسائط الاعلامية فأفرزت نتائج تتطلب مزيد التمعن والاستقراء لمزيد التعمق في ما هوثابت و ماهو متغير في قناعات واختيارات الناخب التونسي ومن وراءه المجتمع التونسي دون مسلّمات جاهزة تجاوزها الواقع السياسي المتغير .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق لإقامة الدولة 


.. -الصدع- داخل حلف الناتو.. أي هزات ارتدادية على الحرب الأوكرا




.. لأول مرة منذ اندلاع الحرب.. الاحتلال الإسرائيلي يفتح معبر إي


.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مناطق عدة في الضفة الغربية




.. مراسل الجزيرة: صدور أموار بفض مخيم الاعتصام في حرم جامعة كال