الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محمد البكري شخصية استشراقية

توفيق العيسى

2006 / 5 / 24
الادب والفن


ليس من باب التجني على الفنان الفلسطيني (محمد بكري)، ولكن إذا ما تتبعنا بعضا من أفلامه، خصوصا آخرها، سنجد ان الاستشراق جزء مهم من السياق الدرامي للفيلم، وهو أيضا بات جزءا مهما في تكوين الشخصية الدرامية للفنان ذاته .

فمن فيلم (حنا ك) للمخرج ( كوستا غفراس)، إلى فيلم الجثة للمخرج (جوناث كارد) المنتج عام 2001، تلعب شخصية محمد بكري على ترسيخ المفهوم الغربي والإسرائيلي للوجود العربي الفلسطيني و إشكالية هذا الوجود !

تتعاطى شخصية محمد بكري مع القضية الفلسطينية والوجود العربي في السينما العالمية والإسرائيلية ضمن ما بات يعرف (المقاومة على طريقة غاندي) متناسيا أن غاندي لم يكن سلبيا و لم يستكن للاحتلال. ففي فيلم (برايفت)، وكما جاء في مقال الأستاذ (تيسير مشارقة) في جريدة الحياة 21/6/2005 "، أرضى جميع الإطراف بأدائه، الفلسطيني والإسرائيلي الأوروبي. فلسطينيا، عرض المعاناة الفلسطينية، أوروبيا بدعوته لعدم المقاومة العنيفة، إسرائيليا استكان للاحتلال العسكري كأنه تعايش مع الاحتلال "و قد ينسحب هذا على عدة أفلام أخرى للفنان محمد بكري .

في فيلم "الجثة"، و هو فيلم مشترك إسرائيلي فلسطيني و جنسية أجنبية لا اذكرها، يلعب محمد بكري شخصية فلسطيني إرهابي من (الجبهة الشعبية) يحاول سرقة عظام من مقبرة يهودية، يعتقد أنها عظام السيد المسيح، لابتزاز الكنيسة الكاثوليكية .

في هذا الفيلم، يخرج محمد البكري و زميله (مكرم خوري) عن أسلوب غاندي في المقاومة – هذا إذا اعتبرنا ان الأسلوب الأول المتبع كان نضالا غانديا!- ليتقمص صورة العربي في أفلام (جيمس بوند)، فقد لعب الاثنان دوران متباينان ظاهريا. فالأول كان قاسيا غليظ القلب لا يتوانى عن ارتكاب أي جريمة في سبيل تحقيق هدفه، و الثاني طيب القلب، لكنه جبان متردد، واقع بين عنف المستوطنين في القدس و بين الإرهابي الفلسطيني. ففي المشاهد الأخيرة للفيلم، يعمل الفنان مكرم خوري على خطف سيدة وأطفال يهود لصالح محمد بكري الذي يستخدمهم بدوره لابتزاز الراهب الكاثوليكي مقابل جثة المسيح. إلا ان ضمير مكرم خوري يستيقظ أمام تهديد محمد البكري بقتل الأطفال، و يمتلك شجاعة كانت غائبة طوال أحداث الفيلم متحديا محمد بكري، فينال جزاءه في النهاية بأن يقتل على يد مسلحين فلسطينيين .

هذا المشهد بات مكررا بل ونمطيا أيضا في السينما العالمية، و رغم التباين بين الشخصيتين العربيتين إلا أنهما وفي النهاية سلبيتين، وعلى غرار أفلام جيمس بوند، فإنهما يلاقيان حتفهما، العربي الطيب والجبان يموت على يد عربي إرهابي، والإرهابي يموت على يد جنسية أخرى تسعى لتحقيق السلام العالمي. و بهذا فإن رسالة السينما العالمية للعالم هي أن العربي يجب أن يموت، وهي نسخة مكررة لمقولة (جولدا مائير) "العربي الجيد هو العربي الميت".

لكن مخرج فيلم الجثة ( جوناث كارد)، لم يكتف بتصوير الشخصية العربية بما هو سائد في السينما العالمية، بل ذهب إلى أبعد من ذلك بتصويره المجتمع الفلسطيني كصفحة من كتاب ( ألف ليلة و ليلة )، المرجع الأوروبي والأمريكي في دراسة المجتمع العربي و الإسلامي. فالفلسطيني في مدينة القدس يعيش في خيام البدو ويرتدي الزي التقليدي، والمرأة العربية هي (شهرزاد ). و طبعا لم ينس المخرج الديكور التقليدي للمجتمع العربي (الجمل و الملثم بالسلاح الروسي)، ما يذكرنا بالحملة الإعلامية الأمريكية على أفغانستان قبيل الغزو الأمريكي، فقد تعمد الإعلام الأمريكي إلى إظهار الأفغان في شكل الإنسان البدائي بزيه وإمكاناته المادية من مسكن وسلاح و طعام و وسائل المواصلات، وما تعكسه هذه الصور على نفسية وذهنية المواطن الأمريكي و الأوروبي. أما المرأة كالعادة (شهرزاد)، أو رهينة المحبسين البيت و الخمار .

و في محاولة لدس السم في العسل، فان أحداث المعركة في نهاية الفيلم تدور في البلدة القديمة من القدس موحيا للمشاهد أن المدينة هي (مصنع للإرهاب)، وأن السلطة الإسرائيلية لا تصل إليها إلا لمطاردة الإرهابيين سكان الخيام، وإذا كان هذا المشهد هو محاولة أخرى للتأكيد على النظرة الاستشراقية، فإنها من جانب آخر تترك انطباعا لدى المشاهد بأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي متوازن من حيث الجغرافيا على الأقل.

و يبدو أن الفيلم، رغم جرأة الفكرة التي تحدثت عن الدور السياسي للكنيسة الكاثوليكية، وفيما إذا كانت صادقة في إيمانها بقيامة المسيح أم لا، وعن مناقشة الإيمان الديني و حاجة الإنسان إلى الدين والإيمان كأحد أساسيات الحياة، وحول التأويل الديني وإشكاليته، و هذه كلها أفكار رائعة. و تدلل على ذلك عدة مشاهد من ضمنها نقاش الراهب الكاثوليكي مع الحاخام اليهودي وسط اعتراض اليهود من حاخامات وسكان المدينة على فتح القبر اليهودي المقدس رغم الحاجة العلمية والإنسانية لذلك، فجاء على لسانه "إن كلام التوراة ليس نصا جامدا، فهو بحاجة دائما إلى من يؤوله"، وفي هذا تشابه بين كلمات الراهب وخطاب (الإمام علي بن أبي طالب) أمام الخوارج في حرب صفين حيث قال: "إن القرآن بين دفتي المصحف لا ينطق، ولكن يتكلم به الرجال"، إشارة إلى ضرورة التجديد، وهذه كانت من ضمن الرسائل الإنسانية و الدعاوى الفكرية التي عرضها الفيلم في تمييز بين الدين والفكر الديني .

وعلى الرغم من ذلك فإنه وكما يبدو من سياق الفيلم كان موجها بشكل يخدم السياسة الغربية، فالبطل السلبي، أي الفلسطيني، كان يتلقى دعما وتوجيها من جهة خارجية (سوريا)، وكانت له الملجأ والمنفذ، وقد تكون هذه الرسالة واضحة وليست بحاجة إلى كثير من التعليق خاصة مع تزايد الضغوط الأوروبية والأمريكية على الجمهورية العربية السورية، فقد جاءت فكرة الإرهاب الفلسطيني المستمد من سوريا لتوضح ضرورة التحالف الأمريكي الإسرائيلي ضدها. وما يؤكد هذه الفكرة، التحالف الذي يظهره المخرج في نهاية الفيلم بين الكاثوليكية واليهودية في مقاومة الإرهاب العربي.

فالمشهد ما قبل الأخير من الفيلم، يصور لنا مواجهة بين الراهب الكاثوليكي ومحمد البكري على حافة مبنى قديم وهما يتصارعان على الحقيبة التي تحتوي عظام المسيح، وخلفهما طائرات الاباتشي الإسرائيلية التي تطارد الإرهابي الفلسطيني وعصابته ليتمكن الراهب من إلقاء قنبلة يدوية داخل الحقيبة ويتركها تسقط ومحمد البكري .

وليس من باب المصادفة أن يموت العربي في السينما العالمية، وتكون هذه نهايته بغض النظر إن كان العربي إرهابيا أو مسالما جبانا فالأمر سيان، فهذه النهاية ترسم صورة العربي كما هي في الذهنية الأوروبية والأمريكية والإسرائيلية (الصورة النمطية). ومن جهة أخرى، فإنها ترسخ مصير العربي في الذهنية ذاتها ، وإذا كنت أتفق مع الأستاذ (تيسير مشارقة)في مقاله المنشور في جريدة الحياة الجديدة (فلسطين) بأن الفنان محمد البكري قد أرضى في أفلامه جميع الأطراف، فإني أضيف على قوله أنه أرضى الجميع، و لم يقنع أحدا!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-