الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استراتيجية السؤال والبحث عن المعنى في قصة -برج العقرب- لرشيد شباري

عبيد لبروزيين

2019 / 11 / 12
الادب والفن


سيظل الإنسان يلهث خلف المعنى، معنى وجوده، المعنى الذي فقده في زحمة الأيام وتوالي النكبات، معنى جوهره وكينونته في زمن زئبقي، إن الأمر أشبه بلعبة، أو ممارسة للترف الفكري الذي أوصلنا إليه العالم في العالم العربي. بحث عن المعنى المقترن بحرقة الأسئلة التي تضيع أمام هلامية الأجوبة، ويظهر هذا التيه والتشظي جليا إذا عدنا إلى معجم القصة، معجم يكشف حجم التخبط في عالم لا أول له ولا آخر من خلال بعض الكلمات والعبارات (السديم، الغياب، العمى، الألم، ترمي بأزيائها على مقلتي..) معجم يكشف تراجيديا الفراغ والعمى، لكنه يكشف أيضا دهشة الاكتشاف الأولى الذي يعقبه الجهل بكل شيء.
يصبح السارد مضطرا للركض خلف المعنى مرة أخرى، المعنى هنا في هذه القصة مرتبط بفعل الزمن، لكن السارد يجده دون جدوى، زمن متشظ غير قابل للقياس، إنه القلق الوجودي الذي يرافق ذاتا تفكر باستمرار في مصيرها المحتوم، وهكذا يصبح الزمن شيئا تافها وغير ذي جدوى، حيث يحاول السارد الانسلاخ منه لمواصلة البحث مرة أخرى من خلال طرح الأسئلة الوجودية حيث يقول: "هل ندور أم نمضي في خط مستقيم؟ هل ندور أم هي التي تدور؟"
أسئلة مسترسلة دون أجوبة واضحة اعتمدها الكاتب كتقنية لبناء نصه، نص من الأسئلة المتناقضة، إنه نص مستفز باختصار، فما أشد التيه الذي يعتري القارئ حين يقرأ قول السارد: "أقول في نفسي كلما اعتليت صهوة برجي العالي لأطل على كواكب العالم المبحرة في الفراغ: هل نعود إلى الوراء كهذا الزمن المترامي وراء الكواكب وهي تسبح إلى الخلف أم نصدق عقرب الساعة المصنوع عنوة لاقتفاء زمن مقبل كوهم نصدق أنه يدور في اتجاه المستقبل؟"
ها هي هذه الأسئلة تؤدي بالسارد إلى فراغ وجودي عميق، حيث اللازمن واللامكان واللايقين واللامعنى في قوله: "كنت وأنا أجثو على فوهة البرج الذي أصعد درجاته الرخوة بحذر شديد مخافة السقوط أشعر بعيني تهويان على حافة الرؤية وهي تلتقط الفراغ الهلامي الذي يلتهم الزمن ويسفه يقين المنجمين"
وهكذا يختفي الماضي وينساب الحاضر ويتبخر المستقبل، هل كان السارد تائها وهو يرسم طريقه في اللامعنى؟ لا أعتقد أن السارد عبثي تائه، ولكنه يحاول أن يحقق معرفة حقيقية بذاته المتشظية في زمن عبثي هلامي.
لماذا برج العقرب؟ يتسم برج العقرب بالهدوء، والتفكير العميق والتروي، وقد يكون غير هذا في تناقض واضح لما ذهب إليه المنجمون، إن العنوان بهذا المعنى يتواسج في تناغم مستمر مع المتن، فضياع السارد وتيهه يقابله محاولة لرسم خريطة العمر في استحضار تام لمعالم الطريق، هذا الوجود الذي يحمله السارد عبئا ثقيلا على كاهله، وهو لا يستطيع التخلص منه، كما لا يستطيع عدم التفكير فيه، إن السارد هنا سيزيف بمعنى من المعاني، ليس في وسعه إلا أن يقوم بما ألف القيام به.
هكذا يمثل السارد حالة إنسانية فريدة، حالة تعي مصيرها في تحولات الحياة وتقلباتها، إن السارد في قصة برج العقرب رمز للمثقف المغربي والعربي الذي ولج عالما من التناقضات التي حتمت عليه طرح أسئلة وجودية، ليشكل وعيا خاصا بذاته وبالعالم الذي يعيش فيه... إن البطل ألقي به في هذا العالم فلا بأس أن يطرح الأسئلة ليلملم فوضاه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو


.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05




.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر