الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليلى والذئاب: الفصل الحادي عشر/ 4

دلور ميقري

2019 / 11 / 12
الادب والفن


للمرة الثالثة، تضع ليلو مولوداً أنثى، ليصبح لديها أربعة أولاد؛ ولم تكن قد فقدت من قبل أياً من المواليد. أضحى من الماضي تقريباً، رعبُ الأهل من موت أطفالهم صغاراً. الحميات، وكانت سبباً رئيساً في وفيات الأطفال، أمكن قهرها باكتشاف مادة البنسلين وشيوع تداولها. في هذا الصدد، يُمكن التذكير بعدد مرات ثكل شملكان ولحين أن نجيَ من مصير أشقائه، ابنُها حاجي. على ذلك، لم يعُد أحد يرى داعياً للحج في هذا السبيل، بل وحتى صار مثال المرحوم أوسمان بمثابة الطرفة بين الناس. في المقابل، أنزلوا امرأته بمقامٍ سام سواءً لوصفاتها الصحية أو لمهارتها في إنضاج أطايب الطعام والحلوى. حديقة منزلها، بدت مثل محل عطارة بما كان من تهافت الأقارب والجيران من أجل ورقة ملّيسة للصداع أو ورقة ليمون حلوٍ لوجع المعدة أو لأشياء مشابهة. وكانت أرملة أوسمان تلجأ أيضاً لتجفيف الأعشاب وورق الأشجار، بغيّة استعمالها في أوقات الطقس البارد.
وهوَ ذا فصل الشتاء، وكان في بدايته حينَ قدم مولود جديد على المنزل، الذي يضم الأسرتين السعيدتين والمتفاهمتين. كون لون بشرة المولودة بنصاعة الثلج، المنهمر منذ ليلة أمس، فإن الأب أقترحَ على امرأته أن تُسمّى " كَوْري "؛ أي الشديدة البياض أو الشقراء. وهذا ما كان. حينَ كان في مضافة الحاج صالح ليلاً، سأله هذا وهوَ يضيّق عينيه، " كَوري؟ إنه ولا شك اسمٌ جميل. ولكن، ألا تخشى أن يؤثر الاسمُ على نصيبها عندما تكبر؟ "
" فهمت عليك، يا حاج. إلا أننا نكرّد حتى الأسماء العربية المقدسة، كمحمدوعلي وحسن! "، أجاب الضيفُ باسماً ومشدداً على الاسم الأخير. هز الزعيم رأسه موافقاً، مبتسماً بدَوره، قبل أن يعقب بالقول، " مع ذلك، يتم تسجيل الأسماء كتابة وليسَ لفظاً. الدولة، كما تعرف، صارت تشدد في الآونة الأخيرة بضرورة تسجيل المواليد الجدد إن كانوا ذكوراً أو إناثاً "
" هذا يُعزى بدرجة أساسية إلى إصلاحات الوالي السابق، مدحت باشا. ولكن السلطان غضبَ على الرجل، بتأثير من المحافظين الرجعيين أعداء الإصلاح والتقدم "
" جلالة السلطان، يخشى على دولته أن تتمزق داخلياً بفعل دسائس الكفّار وتدخلهم في شئون نصارى البلاد "، رد الزعيمُ بنبرةٍ معهودة بتحفّظها حيال أيّ انتقاد لمقام الباب العالي. هنا، غيّرَ الآخرُ الموضوعَ، بأن انتقل إلى بث خبر قرب زواج حمّاد من ابنة أخي محمد آغا.

***
بفضل اهتمام وبراعة شملكان، صارت حديقتها تعدّ الأجمل في الزقاق، المنسوب للعشيرة الآله رشية. إلى ذلك، اهتمت هذه المرأة الذكية والنشطة بتحسين عمارة المنزل نفسه، مدفوعة ولا شك بتأثير سلمى الراحلة. إنما على أثر دفع أوسمان جل ما أدخره على شراء حصته من المنزل، أضحى المورد يتناقص رويداً بين يدي أرملته. فبادرت هذه إلى محاولة تحصيل المال من بيع الحلويات لأولاد الزقاق، بوضع بسطة عند عتبة المنزل يتعهد تسيير أمورها حاجي ونازو. هذا غير عودتها للخياطة، وكانت تدر عليها مبلغاً أكبر ولا غرو. الجيران، المستفيدون من وصفاتها للعلاج، أخذوا من جانبهم ينفحون الأرملة ببعض البدل النقدية والعينية لقاء ذلك.
في إحدى الليالي، وكان البرد ما انفكّ على أشدّه، سمعت خشخشة من ناحية الحديقة. لوهلةٍ، اعتقدت أنه قط يسعى إلى قن الدجاج. إلا أنها عادت وأصخت السمع ببعض القلق، مع صدور صوت أقدام بإزاء حجرة نومها. كان الأطفال يشاركونها الحجرة، وقد ارتفع غطيطهم في هذه الساعة المتأخرة من الليل. كونها جريئة الجنان، تناهضت من فراشها باتجاه باب الحجرة. السماء فوقها، كانت منجمة مثلما الأمر في الليالي الشتوية، المعقبة تساقط الثلج. في اللحظة التالية، إذا بيد جبارة تمتد من الجانب الأيسر للباب فتسد فم المرأة.
" إذا لم تهدئي سأقتلك! "، خاطبها رجلٌ عملاق بالكردية وكان ملثم الوجه. وإذا برفيق للرجل، يظهر أيضاً ليهمس بأذن الآخر بنفس اللغة، " لنحبسها في الحجرة الأخرى، ريثما ننهي عملنا ". وكما لو أنهما يعرفان مخطط المنزل، سحبا شملكان إلى تلك الحجرة وكان بابها محاذٍ لباب حجرة النوم: هنا، كان أوسمان يقضي أيامه الأخيرة عقبَ علمه بحقيقة مرضه العضال، مستلقياً غالباً على سريره؛ وكان قد اشتراه، فيما مضى، من أحد محلات الصالحية بثمن باهظ. ولقد ربطت الآنَ امرأته بإحدى قوائم السرير بوساطة قماش تمّ انتزاعه على عجل من حوائج الحجرة.
" أمضِ أنتَ إلى الحجرة المطلوبة، وسأبقى أنا لحراسة المرأة "، قال رفيقُ العملاق وكان ملثماً بدَوره. لاحَ أنّ العملاق كان متردداً، كما بيّنَ شبحه المتنقل بين باب الحجرة ونافذتها الوحيدة. بعد لحظة صمت، خاطبَ الآخرَ بنبرة محذرة: " أعرفُ ما يجب عليّ عمله، وأنت كذلك انتبه لنفسك "
" ولكن هيا أمضِ، أمضِ.. جثة بغل وعقل طفل! "، ردّ عليه رفيقه ضاحكاً وإن بنبرة الأمر.
" حسناً، سأمضي الآنَ.. ولا تنسَ قولي بأيّ حال "، تمتم العملاق من بين أسنانه.
ما أن غادر رفيقه، إلا والحارس المفترض يقترب من فوره من مجلس المرأة المقيدة. مع تراجع جسد شملكان إلى الخلف، لبث الرجلُ هنيهة جامداً. على حين فجأة، أراد فتح ممر إلى الجسد الأعزل بمحاولة انتزاع سرواله الطويل. لكن في اللحظة التالية، امتدت اليدُ الجبارة للعملاق كي تنتزع المعتدي الآثم من مكانه، بحيث ارتفعت قدماه عن الأرض لنحو شبرين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد .. حفل توزيع جوائز مهرجان الإسكندرية السينمائي


.. ليه أم كلثوم ماعملتش أغنية بعد نصر أكتوبر؟..المؤرخ الفني/ مح




.. اتكلم عربي.. إزاي أحفز ابنى لتعلم اللغة العربية لو في مدرسة


.. الفنان أحمد شاكر: كنت مديرا للمسرح القومى فكانت النتيجة .. إ




.. حب الفنان الفلسطيني كامل الباشا للسينما المصرية.. ورأيه في أ