الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تقليد العدو هو السبيل إلي الحداثة؟

العفيف الأخضر

2003 / 4 / 8
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 

 
 الأغنية - النشيد الشهيرة التي لقنتنا وصية سلفية: "وأبي قال لنا أقتلوا أعدائنا" والتي طالما ألهبت حماسي أيام حرب السويس والجزائر كم أتمني اليوم، لو كان لي صوت مغنيتها الخلاب، معارضتها بأغنية بديلة: "وابن خلدون قال لنا قلدوا أعداءنا"، لكن جرحنا النرجسي مازال يأبى علينا ذلك.
 الأحداث الجسام تعيد فتح هذا الجرح فينخرط الجميع في البكاء والإستبكاء علي أطلال الذكريات، الشعارات، الأوهام والأبطال الذين صنعوها. لكن النخبتين السياسية والفكرية بما هما الصانعان الرئيسيان للقرار السياسي والقرار الفكري النقدي لمجتمعاتهما ترفضان بوعي الانضمام إلي جوقة الباكين علي الأطلال. بل تفتحان ورشة نقاش صريح بقدر ما هو عميق للأسباب القريبة والبعيدة لهذه الهزائم المتلاحقة والتي يكاد ينسي آخرها أولها. وهذا ما لم يقع قط علي نطاق واسع في الفضاء العربي الإسلامي بسبب هيمنة النخبتين التقليديتين السياسية والدينية - الفكرية علي مصائره.
 النخبة السياسية التقليدية مارست دون انقطاع سياستين انتحاريتين: سياسة النعامة وسياسة المشي علي حافة الهاوية. الأولي تتعامى عن رؤية الأخطار الداخلية المحدقة المتمثلة في المشاكل الحقيقية التي تتطلب معالجتها بنجاعة وشجاعة سياسية بعيدة النظر مثل مشكلة التنمية أي تحديث وترشيد الاقتصاد والتعليم وقوانين الحالة الشخصية ونزع فتيل قنبلة الانفجار السكاني وأخيراً إصلاح الإسلام لكي لا يظل العائق الأول للتنمية. أما الثانية فتستدعي الأخطار الخارجية القاتلة بتصريحاتها وقراراتها وممارساتها الخرقاء مقدمة بذلك الأسباب والذرائع لإسرائيل تارة ولأمريكا أو غيرها تارة أخرى لتضرب ضربتها.
 بالمثل تمارس النخبة الدينية _ الفكرية نفس السياستين الانتحاريتين مرة بتجاهل تلك المشاكل الحقيقية التي تعامت عنها النخبة السياسية ومرة بإغراق الجمهور عبر وسائل الإعلام التي تحتكرها بالمشاكل البيزنطية الدينية أو الدنيوية كالحجاب وهجاء العولمة وعبادة الشيطان التي تملأ الآن الإعلام وتشغل الناس.. السؤال: هل تستطيع النخبة الحديثة المحدودة عدداً وإمكانيات والمحاصرة إعلامياً أن تسبح ضد هذين التيارين الانتحاريين؟ طبعاً تستطيع، رغم المخاطر التي قد تلامس المجازفة بالحرية، وبالحياة، سلاح النخبة الحديثة في هذا الصراع السياسي - الديني- الفكري هو الفكر النقدي أي توضيح المشاكل التي تطرح نفسها علينا بنقل المسكوت عنه إلي المتناقش فيه. حتى الآن انتصر التكفير علي التفكير والنقل علي العقل فأوصلنا إلي ما نحن فيه: آخر أمة أخرجت لناس. كيف نقلب المعادلة بتغليب التفكير علي التكفير والتحليل علي الفتوى والعقل علي النقل؟ بتقليد النخب الحديثة التي انتصرت علي نخبها التقليدية. باستخدام العلوم الإنسانية في نقد تراثها وصنع قرارها وتحليل مشكلاتها في إعلامها وتعليمها وحياتها الثقافية. ليس مصادفة أن الغزالي كفر الفلسفة والحنابلة كفروا المنطق والمتأسلمون المعاصرون كفروا العلوم الإنسانية "لأنها، كما يقول سيد قطب، مناهضة للدين وللإسلام خاصة" قطعاً للإسلام بما هو دين ودولة وللقرآن بما هو كتاب تاريخ وجغرافيا وبايلوجيا وطب وكيمياء وفزياء لا بما هو "كتاب روحي فقط" كما قالت محقة بنت الشاطئ.
 باستثناء المدرسة التونسية، مازالت الفلسفة والعلوم الإجتماعية مقصاة كلياً أو جزئياً من التعليم في العالم العربي. أخذ الدرس من هزائمنا منذ قرنين يتطلب منا أن نقصي هذا الإقصاء. لم تنتقل الأمم الحديثة من السلطة السياسية المطلقة إلي السلطة السياسية النسبية التي تقبل أن تعارضها سلطة مضادة إلا بعد أن نقلتها نخبتها الحديثة من سلطة النص المطلقة إلي سلطة العقل النسبية أي التي تعترف بشرعية الاختلاف وبتعددية القناعات والآراء والنظريات وبأن الحقيقة هي دائماً جزء من حقيقة أشمل برسم الاكتشاف.
 انتقالنا إلي الحداثة سيمر أيضاً بنفس المسار: تحويل نصنا المقدس إلي موضوع نسائله بالعلوم الإنسانية لمعرفة ماوراء أبعاده الرمزية من عوامل موضوعيه وما وراء حمولته الروحية من مكونات تاريخية. ولنا في النخبة الأوربية الحديثة قدوة حسنة: فقد فصلت منذ "الرسالة اللاهوتية- السياسية" في القرن السابع عشر، بين العقل والنقل [الإيمان] وجعل سبينوزا النقل خاضعاً لمساءلة العقل مثله مثل أية ظاهرة طبيعية. وهو مسار توجه في أيامنا جان بوطيرو الذي حلل علي، ضوء تاريخ الأديان المقارن، الجذور الوثنية البابلية للكتاب المقدس وتالياً للقرآن الذي هو استعادة معدلة للعهد القديم.
 نبدأ المسيرة الظافرة للخروج من تاريخ هزائمنا الطويل عندما نعطي من المحيط إلي الخليج للعلوم الاجتماعية تأشيرة الدخول إلي مدارسنا وجامعاتنا مثلما دخلت منذ قرون ولا زالت تدخل إلي جميع المؤسسات التعليمية في القارات الخمس.
 في نهاية الثمانينات انتصرت الديمقراطية الليبرالية علي "الديمقراطية الشعبية" التوتاليتارية. لم تقلدنا، لحسن حظها، نخب أوربا الشرقية المهزومة فتقاطع سلع ورساميل وقيم وعلوم الغرب المنتصر عليها بل قلدته بدقة متناهية عاملة من حيث لا تدري بقول ابن خلدون: "المغلوب مولع دائماً بتقليد الغالب". السبب في ذلك أن النفس تعتقد الكمال في من انتصر عليها وانقادت له [..] فانتحلت جميع مذاهب الغالب وتشبهت به وذلك هو الاقتداء [..] لذا نري المغلوب يتشبه أبداً بالغالب [..] في سائر أحواله. انظر ذلك في تقليد الأبناء لآبائهم كيف نجدهم متشبهين بهم دائماً وما ذاك إلا لاعتقادهم الكمال فيهم ".
 لم نتشبه بالمنتصرين علينا من غربيين وإسرائيليين في "سائر أحوالهم" الديمقراطية والعلمية لأن نرجسيتنا الجمعية الهاذية أوهمتنا بأننا خير أمة أخرجت للناس: يقلدها الناس ولا تقلد الناس. بل إن رفضها تقليدهم استحال إلي رهاب هستيري. ذكر عكيفا الدار في "هآرتس" أن شارون الذي اشترط حكومة يرأسها أبو مازن للتعاطي مع السلطة الفلسطينية قد يجد نفسه في موقف شبيه بموقف سلفه شامير عندما اشترط في 1991 علي الأمريكيين ذهاب سوريا إلي مؤتمر مدريد ليذهب هو إليه مراهناً علي رفض سوريا " الأمر الإسرائيلي " لكن حافظ الأسد خيب ظنه و "كان إعلان سوريا الذهاب إلي مدريد أكثر الأيام سواداً في حياة شامير" كما كتب الصحفي الإسرائيلي.. متوقعاً لشارون يوماً مماثلاً ليوم سلفه بخيبة رهانه علي الرفض الفلسطيني.
 عندما يصل العمي السياسي بنخبة سياسية هذه الدرجة صفر من التفكير العقلاني فعليها وعلي من أعطوها زمام قيادتهم السلام.
إيلاف خاص

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة سقوط صاروخ أطلق من جنوب لبنان في محيط مستوطنة بنيامين ق


.. إعلام سوري: هجوم عنيف بطائرات مسيرة انتحارية على قاعدة للقوا




.. أبرز قادة حزب الله اللبناني الذين اغتالتهم إسرائيل


.. ما موقف محور المقاومة الذي تقوده إيران من المشهد التصعيدي في




.. فيما لم ترد طهران على اغتيال هنية.. هل سترد إيران على مقتل ن