الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليلى والذئاب: الفصل الحادي عشر/ 5

دلور ميقري

2019 / 11 / 13
الادب والفن


نجاة شملكان، كانت ولاشك بفضل شهامة ذلك العملاق. رفيقه، اللص الآخر، انسحبَ صاغراً مهاناً من المكان وما لبثت العتمة أن ابتلعته. بعدما فك زميله وثاق المرأة ونزع العصبة عن فمها، طلبَ منها أن تبقى في مكانها لحين مغادرته الدار. طلبه كان أشبه بالرجاء، لا بصيغة الأمر. حينَ اختفى بدَوره، تركت هيَ الحجرة على الفور وقد غلبها الفضول لمعرفة كيفَ تسلل إلى المنزل. رأته في آخر لحظة، وكان قد تسلق الجدار الخارجيّ بمعونة فروع شجرة التين؛ العملاقة مثله سواءً بسواء.
لكن المرأة المحظوظة، لم تفشِ بأمر اللصين سوى لربيبتها بعدما شددت عليها ألا تخبر أحداً ولا حتى رجلها. هكذا قضيا صباح اليوم التالي في التفكير بأمر الواقعة، ومحاولة ربط الخيوط بعضها ببعض. كان أكثر ما شغل بالهن، كيفية معرفة اللصين بمخطط الدار.
" أراهن على أنهما قد أرسلا إلينا إحدى النساء، بصفة زبونة تبغي خياطة ثوب؛ وهذه تمكنت، بطريقة ما، من خدمتهما "، قالت ليلو بنبرة العارف. وما لبثت أن أردفت متسائلة: " ألم تنتبهي لطريقتهما في الكلام؟ مثلاً، أن يكون فيها لكنة مغايرة للكنتنا الماردينية؟ "
" بلى والله، حصل ذلك.. يا لك من بنت نابهة، ليلو! "، هتفت الأخرى وكانت معتادة على مخاطبتها وكما لو كانت ما تفتأ طفلة أيام زمان. ثم أوضحت بالقول في اهتمام، " العملاق، كان يتكلم لهجتنا برغم أن صوته أبح نوعاً ما. أما ذلك الآثم، فإن لهجته غريبة وربما تشبه تلك التي يتكلم بها جماعة الوانلية "
" هذا ما خطر ببالي، لأنني أشك بامرأة منهم جاءتني منذ بضعة أسابيع بحجّة خياطة ثوب. ثم ادعت أنها ستأتي في وقت لاحق، ولم أعد أراها. مؤكد أنهم يعلمون بازدهار تجارة زوجي، وخمّنوا أنه يضع ماله في المنزل بمكانٍ لا يخطر ببال أحد لأنه مشغول طوال النهار بالزبائن "
" آه، تقصدين صالة الخياطة؟ "، بادرت شملكان لمقاطعة ربيبتها. ردت الأخيرة بضحكة مقتضبة، قبل أن تشير بإصبعها محذرة بحركة طريفة: " لكنه حقاً لا يضع ماله في المنزل، بل لدى البك "
" أيّ بك؟ "
" ليسَ رجلاً، بل مكان شبيه بالسرايا "
" آه، أنتِ تقصدين البنك! "
" لعل هذا اسمه، ما يدريني؟ "
" نعم، حدثني عمك المرحوم أكثر من مرة عن محل كبير محصن، يُدعى البنك، وأن الأعيان يودعون أموالهم فيه مقابل فائدة. قال أيضاً، كما أذكر، أن الحاج حسن نهاه عن فكرة وضع ماله هناك لأنه يكون بذلك قد حصل على مال ربا؛ وهوَ من المحرمات في الدين "
" إذن عليك أيضاً أن تتكتمي على هذا الموضوع، كون رجلي يحرص مثلما تعلمين على صداقة الحاج حسن "، قالتها ليلو وقد ذهبَ فكرها هذه المرة إلى ذكرى تؤلمها أشد الألم: تزمت زعيم الحي، وكان قد أوصل المسكينة سلمى إلى القبر وهي في ميعة الصبا.

***
كانت ليلو محقة في حدسها بشأن شخصية الزبونة المزعومة، التي استعملها اللصان في محاولة السرقة. ظهرَ ذلك بعد بضعة أيام، لما تداولت فتيات مشغل الخياطة خبراً عن جريمة قتل، جرت في حارة الوانلية، ولم تكن قد عرفت بعدُ شخصية الجاني. إحدى الفتيات، وهيَ من تلك الحارة، أثارت انتباه معلمتها لما وصفت القتيلَ بالقول، " كان خفيف العقل، إلا أن قوته الجبارة كانت بتصرف عصابة منحرفين تمارس السرقة داخل الحي وخارجه "
" إلى أيّ عائلة، انتسبَ القتيلُ؟ "، سألت ليلو الفتاة وقد تفتحت حواسها.
" إنه من آل لحّو "، ردت الفتاة ثم أردفت متسائلة بدورها: " ظننتكِ على علم بالأمر، لأن القتيل يحمل كنيتكم؟ ". لم تجب المعلمة، وكانت ما تفتأ مستغرقة في التفكير. ثم ما لبثت أن رفعت رأسها نحو صاحبة الخبر، مستفهمة منها ما لو كانت تعرف القتيل شخصياً. قالت الفتاة: " بلى، إنه من أبناء جيراننا. لكنه كان مسالماً في الزقاق، ونادراً ما تشاجر مع أحد ".

***
عدة أيام على الأثر، ثم تناقل الخلقُ خبرَ جريمة ثانية. في هذه المرة، كان الحاج حسن هوَ من أخذ على عاتقه الاهتمام بالأمر. في تلك الآونة، كانت السلطات قد أوجدت سرية خاصة من الجندرمة، مهمتها حفظ الأمن في الحي. السرية، وكانت تضم ضابطاً صغير الرتبة مع مساعدين اثنين وبضعة أنفار، كانت قد اتخذت مقراً لها في أسفل جسر النحاس عند ضفة النهر. وكان المقر يغدو مقفراً تماماً، بمجرد حلول المساء. في تالي يوم على الواقعة، حضر الضابط إلى مضافة زعيم الحي كي يتباحث معه بشأن التحريات. فلم يَزِد الحاج على القول: " أعتقد أنه موضوع ثأر، لأن جريمة قتل حصلت في نفس الزقاق قبل ذلك بوقت قصير. وإذاً، ما علينا إلا أن نجمع وجهاء العائلتين لمحاولة الصلح وطيّ القضية ".
زعيم الحي، لم يعتمد على حدسه بل على معلومة حصلَ عليها من عليكي آغا الصغير. امرأة هذا الأخير كانت قد وضعته في الصورة، عقبَ علمها بالجريمة الجديدة. وقد أمكن فيما بعد جمعُ وجهاء العائلتين، وذلك في مضافة الزعيم. آل القتيل الثاني، أقسموا أمام الحاج حسن على المصحف بألا يحصل المزيد من أعمال الثأر.
غبَّ طي قضية القتل المزدوجة، حصلت أول مصاهرة بين العائلتين والتي ستصبح على مر الأيام مألوفة. شقيق القتيل الأول، العملاق، كان اسمه " عربي ". وكان هوَ من تزوج من العائلة الغريمة، وذلك بعدما أخذ بثأر أخيه: وإنه ابن شملكان، صالح، مَن سيقترنُ حينَ أمسى شاباً بابنة عم الرجل. برغم أن أرملة أوسمان لم تُعجب بذوق ابنها في اختيار العروس، ولكنها على ما يلوح أبدت موافقتها وكما لو أنها كانت ترد جميل ذلك العملاق الشهم، المسكين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد .. حفل توزيع جوائز مهرجان الإسكندرية السينمائي


.. ليه أم كلثوم ماعملتش أغنية بعد نصر أكتوبر؟..المؤرخ الفني/ مح




.. اتكلم عربي.. إزاي أحفز ابنى لتعلم اللغة العربية لو في مدرسة


.. الفنان أحمد شاكر: كنت مديرا للمسرح القومى فكانت النتيجة .. إ




.. حب الفنان الفلسطيني كامل الباشا للسينما المصرية.. ورأيه في أ