الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البلبل- قصة قصيرة

عبد الفتاح المطلبي

2019 / 11 / 13
الادب والفن


البلبل
منذُ أمدٍ بعيد يقبع في القفص الحديدي، القفصُ كما دَخَلَ في رَوعهِ أولَ مرةٍ عندما دُفِعَ إليه، كيانٌ من القضبانِ المصفوفةِ جنبَ بعضِها تفصلُ بينها مسافةٌ لا تستطيع كفُّ الطفلِ أن تعبُرَ منها إلى خارجهِ ، السَقْفُ مثل حجرٍ يكادُ يهوي عليك في أيِّ لحظة ، كلّ يومٍ في الساعةِ ذاتِها يأتون ، ثلاثةٌ لا يتكلمون يدخلون القفصَ،تتقلص معدتك وتتلبسك رغبة شديدة بان تقيءَ ثم تبدأ كل عضلة من عضلاتك المهزومةِ بالإرتجاف منفردةً لا نصيرَ لها يلفّها عالمٌ موحشٌ ، تهجسُ دبيبا في عظامك حين يكتمل دخول الثلاثة، أحدُهم ضَليعٌ بالركلِ ، كلِّ أنواعهِ ، على الوجهِ ، فوقَ التراقي ، في الخاصرةِ ، في لوحِ الكتفِ ، تلكَ مناطقٌ تجعلُ ألمَكَ مُلتهباً حارقاً لكنّ الخاتمةَ دائما تكونُ أقسى بكثيرٍ من كلّ هذه الأنواع ، تتلقى فيها ركلةً مابينَ فَخذيك، تشعرُ بعدها أنك تطيرإلى جهةٍ وروحُك تطيرُ إلى جهةٍ أخرى، الآخرُ ضليعٌ بإسلوبِ تعذيب الفلقة ، يجمع كفيكَ بجامعةٍ من الحديد وراء الظهرِ ثم يربط كلاّب الحبلِ المعلقِ بالسقفِ ببكرةٍ من الحديد يسير عليها الحبل ، يقبض على طرف الحبل بيده يسحب ويسحب حتى يتم تعليقك وأثناء ذلك تفارقك الروح ثم تهبط إليك ويشد الحبل فتفارقك الروح ثانيةً حتى يسمعَ طقطقةَ عظامِك التي لن تسمعَها أنت ثم يربط الحبل إلى حلقةٍ من الحديد مثبتةٍ في الجدارِ بيدَ أنك لا تدري بهذه التفاصيل ثم يتركُك للشخص الثالث ، الذي يكون عمَلُه سهلاً عليك لأنك في هذه المرحلة ستلتصق روحُك بالسقفِ وتترك جسدَك المنسحق تحت أنياب سياط الرجل الثالث وضربات آلة الكابل الذي يفعل فعل الكلب المسعور وهو يعضّ على لحمك، وحين يتأكد الثلاثةُ أنك لم تعد شيئا البتةَ وأنك مجردُ كتلةٍ من اللحمِ والعظمِ المسحوقِ يشيرُ أحدُهم إلى آخَرٍ منهم ليُفلتَ الحبلَ من الحلقةِ فترتطمُ بالأرضِ لكنك لن تشعرَ بالصدمةِ إذ أن جسمَك ما زال مُخدّرا لا يشعرُ وروحَك ما زالت في السقفِ تنظرُ إلى جسدِها مشفقةً ، ثم يفكّ أحدُهم القابضةَ الجامعةَ ويأتي الثالثُ بجردلِ ماءٍ بارد في ذلك اليوم البارد تهرعُ روحُك إليكَ حائرةً من أي جهةٍ تدخل هذا الجسد المتهالك لعلّها تمنحهُ بعضَ الدفء ، يقفلون عليك تلك القضبان ثم يرحلون ، تبقى ممددا تتوسلك الروحُ أن تصمدَ ثم قليلا قليلا ترمشُ أجفانُك بوهَنٍ، تفتحُ عينيك لترى أنك ما زلتَ حيّا لكنك تفكر إلى أي مدى تصمدُ هذه الروحُ وهكذا تستردّ قواك وتزحف إلى حائطِ القفصِ ،تعيد شريط الأحداث لكنك هذه المرة أنت الشاهد تتابع ما جرى من أول ركلة تطيل النظر إلى عروة الفلقة في سقف القفص يُراودُك شبحُ ابتسامةٍ مستعيداً ما سمعته من أحدهم قبل غياب روحِك بقليل ، مخاطبا رفيقه : ها هل نفق البلبل؟ ... بعد أيام من التفكير في قضية البلبل في القفص ، بدت الفكرة حسنة وهو يُقلبها في رأسهِ المكدود البلبلُ ينفقُ وينتهي الأمرُ ، تخيّلَ ذلك بكل جدية وراحَ يصفق ويدفّ بذراعيه اللتين افترض أنهما جناحان ويتلفت يمينا وشمالاً وهو يضحك ضحكا هستيريا على غير عادته ، زحفَ إلى الصحنِ الأسود الذي جفّت عليه بقايا حصتهِ من حساء المساجين كل يومين وراح ينقرُ تلك البقايا وهو يمدّ شفتيه إلى الأمام صانعا ما يشبه المنقار وراح يلتقط أو هكذا خُيّلَ لهُ ثم انتقلَ إلى صفيحة الماء المركونة في زاوية القفص وراح يمتص قطرات الماء كما يفعل الطائر الحبيس في القفص ، رجع إلى زاويته وهو يغرد كالبلبلِ ويُصَفق بذراعيه الّتين افترضهما جناحين على جنبيه ، وعلى حين غرة اقتحم السجانون الثلاثة باب القفص وراحو يعدون العدة وهم يضحكون ،
- البلبلُ نشيطٌ اليوم !!
أعادوا الكرة عليه كما فعلوا ذلك عشرات المرات ولكن غناء البلبل استفزهم هذه المرة وحولهم إلى وحوشٍ كاسِرة ضاعَفتْ عليه العذاب وراح ينزفُ من أنفه وفمه بغزارة تناولَ آخرهم خرقةً كانت في جيب بنطالهِ وراحَ يمررُها على صلعته ووجههِ اليابسِ رغم العرق الغزير الذي غطّى كل جسمه نتيجةً للجهد الإستثنائي الذي بذله في تعذيب البلبل، اقترب من البلبل حركه يمينا وشمالاً ، لم تكن هناك أية نأمةٍ في جسد البلبل المعلق بالفلقة...
- نفق البلبل!
- أنزله ، أنزله ولنقذفَهُ إلى القمامة خلف السجن .
أفلت الثالث الحبل من حلقة الحائط وتكوم الجسد المُدمى على الأرض، كانت روح البلبل في السقف تراقب الجسد وتحنو عليه تبعته الروح وحين انصرف الجلاّدون دخلت إلى الجسد خلسةً وهي تترقب لكي لا ينكشفَ أمرُها وحينها تحرك الجسد قليلا بعودة الروح التي بقيت في مكانٍ قريب لا تريد أن تفارقهُ،عادتْ روح البلبل إليه، رأى بعينيه خيالا قادما ... كان واحداً منهم أراد أن يتأكد من أن البلبلَ قد نفقَ ...ولما صار قريبا جدا رآه بوضوح ، كان قِطاًّ كبيرا يفتح شدقيه ، تذكر أنه صار بلبلا قبل أن يعذبوه ، راح القطّ يقترب أكثرَ فأكثر ، استجمع البلبل قواه من هول الرعبِ فلا شيء يرعب بلابل الأقفاص غير القطط ، صفق بجناحيه وطار البلبل وظل القط يرقب البلبل وهو يبتعد طائرا حتى اختفى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع