الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطريق الى امستردام /رواية -الفصل التاسع

ذياب فهد الطائي

2019 / 11 / 14
الادب والفن


صباح يوم 25-04 -1995 نحن في قبضة حرس الحدود اليوناني ، لا أدري ما أسمي هذا الإحتجاز القسري لأني لآ أعرف نوايا السلطات في مدينة (ميتي ليني) الصغيرة الواقعة على البحر مباشرة ، حين دخولنا المدينة كانت المحلات مغلقة والشوارع خالية من المارة ، بعض الصيادين كانوا عائدين مع الصباح الثائر ببحره وسمائه ،قالت صفية ،ماذا سيكون مصيرنا ؟ شرح لنا مورال اجراءات التحقيق والأسئلة المتوقعة وكان بادي السرور وهو يشرح تفاصيلها ،كان يؤكد إنه صاحب تجربة ، وفي كل مرة يتم الإمساك به في مدن الساحل اليوناني على بحر إيجة يعطيهم إسما مغايرا وحكاية يقوم باختلاقها. .
كانت الغرفة التي حشرنا بها دافئة والى الجدران كراس من البلاستك بيضاء وعليها مقاعد خفيفة من القماش ،المرأة تمسك بطفلها الذي بدى مرعوبا وهو يقضم قطعة خبز طرية قدمها له الشرطي الذي جاء يسجل اسمائنا ،لقد فقدنا ثلاثة من الافارقة ،وطفل المرأة وتعرض بعض المهاجرين إلى إصابات متنوعة وقد تم عزلهم عن المجموعة في غرفة خاصة للعلاج الطبي
قال مورال –استاذ لدي مخطط كامل للهرب
ابتسمت وأنا أداعبه- مخطط مكرر ثلاث مرات
بدا جادا وهو يقترب مني – الغرفة مراقبة بالكامرات وهم يسجلون الحديث ولديهم مترجمون ،ما اقوله لمصحتنا
مصلحتنا -
-نعم أنت والمدام وأنا
-ولماذا شملتنا بمخططك وأنت الذي سينفذه ؟
-مشكلتي إني لا أملك المال اللازم لدفعه لدوريات حرس الحدود
-بهذه البساطة
-نعم وساقوم بتجربة عملية أمامك ، اعطني عشرة دولارات
حاولت أن أجاريه ، سلمته ورقة فئة عشرة دولارات
تقدم الى الحارس على باب الغرفة ، لحظت إنه كان واثقا ويتصرف بعفوية تمنع أية شكوك
وشوش الحارس وسلمه الورقة ،غادر الحارس باب الغرفة بعد أن تأكد من إغلاقه ، مرت بضع دقائق ليعود ،إستقبله مورال عند الباب فسلمه الحارس علبة سكاير محلية
-ولكني لا أدخن
-ليس مهما ،هذه العلبة بخمسة دولارات،واضح
-واضح
-معنى هذا إنه يمكن أن تحصل على ما تريد بالثمن اللازم
-لكن الامر مختلف مع مخالف للقانون وهارب وقد يتعرض الشرطي الى مسؤولية جنائية
- في كل مرة يتم اعتقالي ، في المدينة أو في محطة القطار أوعند مرسى الزوارق كان السؤال الازلي هل معك نقود، يبدو السؤال عاديا وربما جزء من التحقيق ، لكنه في الحقيقة يعني كم ستدفع لنا ، من كان معي ولديه نقود تم السماح له بركوب القطار الى أوربا بعد إت اختلوا به لدقائق للاتفاق على الثمن
ناقشت الموضوع مع صفية واتفقنا على المغامرة ، ففي اسوء الحالات لن تنجح المحاولة ، فهنا لن يتغير شيئا
عالم جديد نتعرف عليه وكنا نتجنب الوقوع في حالة الإحباط أو الاستسلام للخوف لأن كليهما يشلان التفكير وفرصة وجود مورال مصادفة غريبة ولابد من استثمارها ليكون لنا مبرر إذا ما أعادونا الى تركيا ، في المساء بدأ التحقيق مع المجموعة ،في التاسعة ليلا كنت أنا اولا وبعدي صفية ،كانت هذه ايضا فرصة مناسبة لأقف على الاسئلة ولتكون اجوبتنا متطابقة ،حين خرجت تأكت من إن مورال يملك الخبرة الكافية فقد عرض لي كل ما يمكن ان يوجه لي من أسئلة كما انه نصحني ان لا أسهب وأن أكون مراوغا في إجاباتي ، قلت له لا توصي محاميا
خرجت صفية تقطر عرقا وتحاول أن تتماسك
قالت- كل شيء كان عاديا ولكن الضابط بدأ يغازلني فنهرته واصبحت أكثر رسمية وجادة في إجاباتي ،شعرت بشيء من ابتذال الموقف ،
قال مورال –هل قررتما
-نعم
- حسنا
ذهب الى الحارس الذي كان يكلمه بصوت خفيض ثم طلب منه أن يتبعه
-مئة دولار لكل شخص يعني ثلاثة مئة دولار وسيؤمن وصولنا الى مرسى العبارة التي ستقلنا الى أثينا لقاء خمسين دولارا
-ثم
-نأخذ العبارة الى أثينا ومن هناك الى البلد الذي ترغبان فيه بشرط أن يكون من دول الاتحاد الاوربي
-بالقطار
- بالطائرة ، الذهاب بالقطار فيه مخاطر لأنه يعبر دولا تقوم شرطة الحدود فيها بتدقيق الجوازات
-ولكن كيف يمكن قطع تذاكر بدون جوازات
- هنا نحتاج الى مبلغ إضافي
كان المبلغ الاجمالي يتجاوز الالفين وخمس مئة دولارا لثلاثتنا ،وهذا يعني إن كل ما دفعناه الى المهرب التركي قد ضاع هباء
في الساعة العاشرة و النصف ليلا كنا في سيارة الشرطي ، قال بأنا يجب أن نصل مرسى العبارات قبل الحادية عشرة حيث آخرعبارة تغادر الى أثينا، وهوعلى صلة بالحرس،
غمز لمورال الذي قال ، بضعة دولارات ،
لا شك كنا خائفين ولكن مورال كان يتحدث بثقة وبشيء من النزق وكنت أترقب طارئا كل لحظة ، وحين قطعنا التذاكر وصعدنا الى سطح العبارة شعرت إني أستعيد الأمل وبدأت شعر بالاسترخاء بحيث غفوت بعد دقائق وأنا استمع الى صوت المحرك برتم ثابت ،كنت أضع رأسي على كتف صفية، ويبدو إني بدأت شخيرا حادا فقد أيقظتني وهي تهزني بلطف ،كان طفل في الثامنه يتطلع نحوي مندهشا ، تذكرت يوم كنت في بيت أختي وبعد جلسة سمر صاخبة نمت في الصالة ،استيقزت على صراخ الطفل ينادي أمه -ماما خالو انقلب أسدا !!!
ابتسمت بوجه الطفل الذي احتمى بأمه
قال مورال إن علي أن أحلق ذقني وإن تضع صفية بعض المكياج والعطر ومن المهم عدم اعطاء الانطباع بأنا متعبون أو في حالة من القلق ، لأن هذا سيخلق انطباعا بأنا لسنا سواحا وانما (هاربون ) ، كانت ملاحظة مورال دقيقة وبالفعل كان من على العبارة مجموعات من السواح صعدوا الى العبارة من الجزر التي توقفت عندها في مسيرتها الى أثينا ، كانت حالة الطقس متقلبة على نحو لم نعرفه قبلا ،من الصحو الجزئي الى الغيوم المنخفظة التي تعبر السماء مسرعة الى تركيا ولكن بعضها يصر أن يتخفف من حمولته فيضرب البحر والعبارة برشقات ضاجة بعنفها ، كانت الأضوية التي تنير الجزر تضفي شيئا من السحر على جمالية المنظر ، قالت صفية
-رغم المعاناة والخوف الا اني أعترف بانشدادي الى هذه المناظر الساحرة
كان بعض الركاب يغادرون العبارة في توقفها عند بعض الجزر فيما يصعد آخرون
قالت صفية-كأني في حلم ... الفجر بدأ ينير البحر والسواحل تتحرك على رصيفها البحري أشباح تتحرك لتنظيف المكان ،في مثل هذه الساعة أكون في فراشي في بغداد وأنت تتصارع مع شخيرك ...ليس حلما ما أراه
وضعت رأسها على صدري – هل سنصل أخيرا
-نعم ...فقط تمتعي الان
قال مورال –سنصل أثينا الساعة العاشرة صباحا ....في أثينا الجو اليوم غائم ولكنه غير ماطر ...كما قلت علينا أن لا نفترق في زحمة الميناء فالعديد من العبارات تصل أو تغادر ولهذا السبب يكون الرصيف مزدحما
قالت صفية-معنى هذا ان رحلتنا احد عشر ساعة ...لقد بدأت أستعيد قوتي رغم إني ما زلت خائفة
-طبيعي أن تخافي ..نحن في بلد غريب وكل شيء ممكن الحصول ،ولكن الغريب انك متاسكة الى الحد الذي تشعرين فيه بالنشاط بعد كل هذا الجهد ، علامة مشجعة !
قرصت أنفها بلطف ،كان محمرا بسبب البرد، ابتسمت فيما أشاح مورال بوجهه يتطلع الى زبد البحر الذي يخلفة محرك العبارة.
قال مورال –عادة لا تكون أثينا شديدة البرودة ولكن يبدو ان هذه السنة استثنائية
قلت –ما معلوماتك ؟ نحن في الداخل قد نشعر بذلك
قالت صفية –حينما ذهبت الى المرافق كان السلم مفتوحا و شعرت بالريح تجمد انفي وأصابع يدي
قال مورال -درجة الحرارة الان 7مؤي وتنخفظ ليلا الى الصفر
ارتجفت صفية وهي تطلق تنهيدة ضجرة ، كانت تتجنب البرد وفي اوقات انخفاض درجات الحرارة في بغداد كانت تلبس (بلوز) صوفي ثقيل وتصر على إرتداء معطف جلدي فوق الجاكيت فتبدوأكبر من حجمها
بدت السحب الكثيفة تندفع ورائنا وشمس كسلى ترسل اشعة مسترخية تغمر ميناء( بيرايوس ) فيما مئات الاشخاص المغادرين والقادمين يملؤن الممرات الضيقة ،عبرنا بهوا كبيرا اولا ثم توجهنا الى ممر الخروج الرئيس، كان افراد الشرطة يكتفون بالتطلع الى العابرين ويدققون بنظرهم في الحقائب التي يحملها المغادرون على وجه الخصوص ،بعضهم كان يبتسم مجاملا ، كان مورال قد شدد على أن لا نتكلم باللغة العربية وإن نحاول أن نبدو سعداء برحلتنا وإذا كنا نتذكر بعض النكات التي تدعو للابتسام على الاقل ، فلنتبادلها، لأن هذا يبعد عنا الشك
فلت لمورال - لو كنت معنا في بغداد لوظفتك في مكتب المحاماة
قال – بعد ان نحصل على الجنسية ، يمكن أن نفكر بالموضوع فالهندسة لم تعد تأتي بالكثير ،
قلت صفية – أنتما متفائلان
محطة الباصات في الميناء مخصصة لنقل القادمين بالعبارات على وجه الخصوص لنقلهم الى المحطة الرئيسة للمترو ،شعرت انا نتصرف كمحترفين يقدمون مشهدا متسلسلا على التلفزين بسبب تعاقب الاحداث على نحو مدروس ودقيق-أين سنذهب ؟
سألت مورال الذي أجابني وهو يتوقف فقد كان يتقدمني ببضع خطوات
-الى الحي القديم ، أعرف إمرأة تؤجر غرفا مفروشة رخيصة وهي أقرب الى أن تكون أمية ، سنقدم لها جوازات السفر لتطمئن الى إننا مسافرون شرعيون، اربعة أو خمسة أيام لتدبير تذاكر السفر الى هولندا وضمان الصعود الى الطائرة
-ثم
-ثم نتحدث بالتفصيل عن خطط المستقبل بعد أن نكون قد اجتزنا المراحل الخطرة والمتبقي هو المراحل المرنة التي تحتاج الى مرافعة قانونية وستكون حضرتك المسؤول عن ذلك ولكن بنصائحي ولا أقول بتوجيهاتي
لم اشعر انه يسخر ولكن يحاول أن يكون خفيف الظل
قالت صفية ونحن في الباص الذي تحرك بعد إن أمتلأ بالركاب –شيء يمكن ان يكون رواية مثيرة،
كان الركاب خليطا يتحدثون لغات متباينة ،ولكن سكان الجزر القادمين الى أثينا وهم يحلمون ببيع منتجات من الدانتيل المشغول، شراشف متنوعة وبعض سلال الخيزران ، كانوا الأكثر ثرثرة فهم يتحدثون بصوت عال يتقاطع في فضاء الباص وهو يعبر بكل الاتجاهات،
كانت تجلس الى الشباك فتاة في العشرين من عمرها كما يبدو من ملامحها المتفتحة ،رفعت القلنسوة السوداء عن رأسها فانسدل شعرها الاحمر، لم تهتم بتسويته وانما وضعت القلنسوة بسلة صغيرة كانت في حضنها ،توقف الباص فجأة فاندفعت السلة لتصطدم بالكرسي أمامها ثم لتقفز الى الممر و تتبعثر كمية من البيض على ارضية الباص وتشكل بقعة لزجة رجراجة مختلطة بلونيها الأبيض والأصفر ، صرخت الفتاة بفزع ثم اندفعت بنوبة بكاء هستري،قام مورال كعادته المحكوم بفضوله للمعرفة بمحاولة لفهم (ألحالة ) كما قال ، بعد لحظات كان يشرح لي ، الفتاة من جزيرة ليسيبوس ،لديها قبول في جامعة أثينا لتدرس الفيزياء، البيض لتبيعه في الساحة الشعبية في سوق فرفاكي ،شعرت بتعاطف مع الفتاة ،قلت لمورال
-لماذا لا تقترح جمع تبرعات من ركاب الباص.
-فكرة !
وقف في منتصف الباص ورفع صوته باللغة الانكليزي داعيا التبرع للفتاة مستعينا بحركات تمثيلية ، ضج الباص بالضحك ، وضعت ثلاث دولارات في قلنسوة الفتاة التي استخدمها مورال لجمع التبرعات ،وضعت صفية دولاران، كان المجموع 25 دولارا و32 دراخما ، بدت الفتاة محرجة وترددت في أخذ المبلغ ،وضعت القلنسوة على رأسها ومسحت دموع كانت تنساب على خديه المكتنزين .
صفق بعض الركاب لمبادرة مورال الذي بدا سعيدا .

شعرت إن صفية بأفضل حالاتها منذ أخذنا الناقلة من ايفاليك، كانت تقاطيعها مسترخية وهي تتطلع عبر شباك الى واجهات المحلات التي بدأت تفتح أبوابها كاشفة عن معروضات متنوعة من الملابس النسائية ،عند اشارة التوقف كان محلا صغيرا يعرض ملابس داخلية نسائية ، ابتسمت صفية وهي تقول
-لقد بدأنا فعلا في اوربا ، في اسطنبول لم أشاهد مثل هذا العرض
قلت – وفي بغداد ؟
قالت قطعا لا ، في شارع النهر يعرضونها داخل المحل وليس على الواجهة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية


.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال




.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي


.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا




.. ياحلاوة شعرها تسلم عيون اللي خطب?? يا أبو اللبايش ياقصب من ف