الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليلى والذئاب: الفصل الثاني عشر/ 1

دلور ميقري

2019 / 11 / 14
الادب والفن


نازو، تألقَ حُسنها مع بلوغها سن الزواج؛ السن، المراوح عند أعتاب العام الخامس عشر بحَسَب عقلية ذلك الزمن. غير أنها لم تكن تقضي الوقتَ أمام المرآة بانتظار العريس، متأملة ما حُبيت به من جمال، وذلك على عادة كثيرات من بنات جنسها. فإنها سارت على خطى والدتها، حينَ كان لهذه ذات العُمر، فوضعت في ذهنها تعلّم الخياطة طالما أنّ من الصعب التحاق الأنثى بالمدرسة. أشغال البيت كذلك، بما فيها الطبخ، صارت نازو تتقنها يوماً تلو الآخر. الأم، كانت معلّمتها في كل تلك الأشياء، علاوة على أرملة أوسمان.
فتاة على هذا القدر من الحُسن والحيوية، كان لا بد أن يطرق بابَ والديها طالبو القرب. لكن نازو كانت إلى ذلك صاحبة إرادة حرّة، تذكّرنا أيضاً بما عرفناه عن والدتها. هكذا كانت في كل مرة تجدُ حجةً مناسبة، كي تفلت من الاقتران بشخصٍ لم يُشعرها بأحاسيس الحب. حكاية كلّ من الأخوين، ابني السيد نيّو، كانت ما تنفك متأججة في ذكريات العائلة ـ كما لو أنها إحدى أساطير العشق، التي يُنشدها المغني على قيثارته في عشيّة عيد النيروز.
لقد وُجدَ ذلك الشخص العاشق، أخيراً، وكان شاباً يكبرُ ابنة ليلو بأعوام قليلة. لقد كانت تعرفُ منذ الصغر، شيخي، كونه الصديق الأقرب لحاجي ورفيق ألعابهما في الزقاق. وكنا قد ذكرنا قبلاً، أن والدَ نازو ألحقَ الغلامَ اليتيم لديه في العمل برَجاء من زعيم الحي. في واقع الحال، إنّ عليكي آغا الصغير لم يكن قد رحّبَ في داخله بمثل هذا الأجير، الموحية نظراته بالمكر والطمع. إلا أنه قبِلَ تشغيله دونما أيّ اعتراض، وذلك لشفقته على حاله العسرة مع الأم، إضافةً لاحترامه مقام الحاج حسن. فوق ذلك، سيثبت المستخدمُ الجديد لاحقاً أنه طائش وغير جديرٍ بتحمل عبء المسؤولية؛ أي على عكس الأجير السابق، حمّاد، المتسم بالنشاط والأمانة.

***
نظرات عيني شيخي، كان لها وقعٌ آخر في نفس نازو، وربما لأنها عكست منذ الصغر تعبيراً معذّباً كحال أمثاله من اليتامى المحرومين. كذلك كان يُعجبها بقوته، الموضوعة في أحيان كثيرة بخدمة أبناء العائلة أثناء مشاجراتهم في الزقاق مع أندادهم. كل هذا، كان من الممكن أن يغدو مجرد ذكريات عالم الطفولة، لولا عمل الفتى عند أبي نازو. منذئذٍ، أخذ شيخي يتردد على منزل معلّمه لشتى الشؤون. حينَ كان، مثلاً، يجلب غداء المعلّم، كانت ليلو غالباً ما تتولى تسليمه الماعون عند باب الدار، متبادلة معه حديثاً عابراً. بقيَ في غاية التحفظ معها، برغم أنه لم يكن كذلك دائماً مع مَن عرفهم من الجنس الآخر.
تجربته الأولى مع جسد المرأة، كانت قد حصلت وهوَ بعدُ في مستهل عُمر المراهقة. كونه يهيم طوال نهاره في الأزقة، كان أحياناً يُلبي طلبات هذه أو تلك من ربات الأسر مقابل حصوله على أجر بسيط ولو كان ثمرة فاكهة. إلى أن وجد نفسه، ذات ظهيرة صيف، في الخلاء الكائن إلى الشمال من زقاق أقاربه من آل حج حسين. كان المكان خرابة مترامية الأطراف، تناثرت فيها القمامة مع سماد الحيوانات. لعل الماعز كان يرعى الأعشاب النامية بين الأحجار، فكّرَ الفتى عندئذٍ، وربما أن صاحبها يقيم في هذا البيت المتوحّد، الغامض، الجاثم فوق الرابية. إنه في هذه الحال، وإذا بطفلة تطل من باب ذلك البيت وكانت تبدو في نحو العاشرة من العمر. أشارت له بيدها أن يقترب. مدفوعاً بالفضول، لبى نداء الطفلة وكان على يقينٍ بأن ثمة امرأة متوارية خلفها ترغبُ بخدمةٍ ما.
" خذ، هذه لك! "، قالتها ثم قذفت ما بيدها إلى الفتى. تلقف حبة تين ناضجة، وهوَ في مكانه عند أسفل الدرج الحجريّ، الموصل لباب البيت. كانت الثمرة تذوب في فمه، حينَ عادت الفتاة لتقول له ببساطة: " إذا رغبت أيضاً، سأرفعُ ثوبي! "
" لِمَ عليك أن تفعلي ذلك؟ "، سألها بدَوره وقد كاد أن ينفجر ضاحكاً.
" لأن راعي الأغنام يطلب مني رفع ثوبي، في كل مرة يمر من هنا "، أجابته في براءة. ما أن هم بالرد، إلا وظهرت من وراء البنت امرأة سمراء ذات قسمات حسنة وحادة في آنٍ معاً. سحبت أولاً الطفلة إلى داخل المنزل، ثم ما عتمت أن التفتت إلى الفتى فراحت توبخه، مهددة إياه أيضاً: " رجلي نائم، ولو ندهت عليه فإن الله وحده يعلم ماذا سيفعل بك "، اختتمت كلامها بصوت خفيض وبلكنة غريبة لا تشبه طريقة كلام ابنتها. لحظ أيضا الوشم، المرقش ما تحت شفتها السفلى.
" لا أعرف عما تتكلمين، يا خانم. ابنتك هيَ من نادتني ثم رمت لي بثمرة تين "، قال لها مبرئاً نفسه وقد استولى عليه الخجل لا الخوف. أطرقت المرأة قليلاً، قبل أن ترمي نظراتٍ مشتعلة نحوه: " أكان هذا كل شيء؟ "، سألته وقد ارتجف صوتها. هز رأسه، وتحرك من ثم ليغادر المكان. فكم كانت دهشته كبيرة، لما نزلت المرأة الدرجات بسرعة.
" أنا أصدقك، أيها الفتى الشجاع. تعال بعد العشاء إلى هذا المكان، لتحصل مني على مزيدٍ من ثمار التين! "، خاطبته عن قرب لافحةً وجهه بأنفاسها الحارة ورائحة جسدها المعطّر.

* مستهل الفصل الثاني عشر/ الكتاب الثاني، من سيرة سلالية ـ روائية، بعنوان " أسكي شام "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد .. حفل توزيع جوائز مهرجان الإسكندرية السينمائي


.. ليه أم كلثوم ماعملتش أغنية بعد نصر أكتوبر؟..المؤرخ الفني/ مح




.. اتكلم عربي.. إزاي أحفز ابنى لتعلم اللغة العربية لو في مدرسة


.. الفنان أحمد شاكر: كنت مديرا للمسرح القومى فكانت النتيجة .. إ




.. حب الفنان الفلسطيني كامل الباشا للسينما المصرية.. ورأيه في أ