الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وادي الدمُوع وقصر القُبل .

فريد العليبي

2019 / 11 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


ينتشي بعض التونسيين هذه الأيام بخطب الرئيس الجديد الذي انتخبوه بوجه خاص لذلك السبب ، ولا شك أنها جميلة هي الخطب ، فهي مُحفزة ، مُحمسة ولكنها عندما تعجز عن أن تتجسد وقائعا فإنها تتحول الى كذب ، و بدا أنهم يبحثون عن مُخلص يُحقق لهم سعادتهم ،التي وجدوها حتى الآن في الخطب غير أنه من المُبكر اصدار حكم على المستقبل قبل امتحان الزمن .
وعندما توافد شبان من أقاصي البلاد على قصر الرئاسة بأقدامهم الدامية، بعد مسيرة أيام على الاسفلت ، لم يكن بُد من حضور القُبل بينهم وبين الرئيس ،بدلا عن العمل . وكان لافتا التأكيد على وجوب تحولهم الى كائنات فاعلة مفكرة مسؤولة راشدة ، تتدفق حيوية وحماسا وفكرا ، واثقة بقدرتها على ركوب المصاعب والانتصار على الجبال الوعرة ، فمن لا يحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحُفر.
كان شاعر الشعب أبو القاسم الشابي ثائرا شعرا ضد الاستبداد والظلم ، أما التونسيين فقد ثاروا عملا ، وعندما انتصروا نصف انتصار، وهم يرون رئيسهم الأسبق يغادر دون رجعة ،كان الشابي رفقتهم ، فمن سخر بأناتهم وشوه سحر وجودهم وبذر الأشواك في دروبهم رحل فاستجاب القدر . ومع انجلاء ليلهم وانكسار قيودهم تبخر أعداؤهم ولكن لبعض الوقت فقط ، قبل أن يُطلوا عليهم مُجددا من النوافذ أولا ، و من الأبواب ثانيا ، فقد نامت روح الشعب فانبعثت أشباحهم ، ولكن تلك الروح ظلت مستترة ، وهى لا تزال تحوم فوق الجبال وبين الوهاد وتحت الشجر.
كانت غاية التونسيين على مدى عهود طويلة حريتهم ، فأيامهم مُثقلة بالأسى والضجر ، وقد جربوا الحكام الجدد فتجرعوا السم ، وذبلت انتفاضتهم وتساقطت أوراق شجرتهم وحل الشتاء وعم الضباب وانطفأ الأمل ، ولكن البذور استقرت في التربة وستزهر ولو بعد طول غياب. ومن هنا أهمية الإقلاع عن المبالغة في الحديث اليهم عن الاستثناء التونسي والشعب الذي علم شعوب الأرض ما لم تعلمه ، قبل تحويل الكلام الى أفعال ، فسقوط تلك الأحلام سيكون مأساويا وربما كان مفهوما ترويجها خطابيا خلال الحملات الانتخابية ، أما الآن فإن الوقائع وحدها من يحق لها الكلام .

وكان لافتا خلال ذلك انتشار الشتائم ضد الشبان الذين شدوا رحالهم الى الرئيس ، فقد ألصق بعضهم بهم رذائل العالم كافة ، فهم من المُتملقين الباحثين عن العطايا والهدايا ،عوضا عن توجههم الى الحقول لجنى الزيتون ، نافضين اليد منهم ، متناسين أنهم يكافحون على طريقتهم ، فالكفر بهؤلاء كفر بالشعب كافة .
أما الرئيس فقد تكون مشكلته اعتقاده أنه يكفي تغليب القانون واعلاء رايته لكي يتحقق العدل ويرفرف بجناحية فوق هؤلاء جميعا ، ولكن المعضلة أن القانون لكي ينفذ يجب أن تكون القدرة رفيقة له ، وهذه لا يمتلكها الشعب الآن، لذلك يجري التلاعب به من طرف الأقوياء . والقول إن هؤلاء الشبان ذوي الأقدام الدامية المتورمة بيدهم الحلول ، يعني أن الحقوقي يتملص من السياسي، أي من المسؤولية العملية ، فتلك الكائنات المضطهدة المُعذبة ينبغي أن تتحرر أولا حتى تمتلك القدرة على صنع مصيرها بنفسها ، بمعنى أنها الآن في معركة التحرر لا في مرحلة الانتفاع بحرية لا وجود لها ، وأنه اذا كان السياسي متطابقا معها يكفي أن يمكنها من الثروات ، لكي تعمل وتنتج وتصنع عالمها .
ومن هنا فإنه لا يكفي تقديم الوعود اليها ، كما لا تكفي الإشادة بعذاباتها ، ومشاركتها أحزانها وآهاتها وزفراتها . وقد يحتاج الحقوقي الى فلسفة الحقوق ليرى ما لا يمكنه رؤيته ، حتى يجد الحلول في العالم الواقعي، لا في العالم المتخيل فالاضطهاد يخيم تحت الدولة نفسها ، ومن العبث البحث عنه خارجها ، فهى سببه مثلما هي نتاج له ، وهؤلاء بمسيرهم لأيام ، وصولا الى القصر انما كانوا يحتجون على دولة ورثها الرئيس الجديد عن أسلافه ، ومن الغُبن تحويلهم من رعايا سياسيين الى رعايا قانونيين ، اذ سيكونون في الحالتين عبيدا ، دون حول ولا قوة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ظاهرة غريبة.. السماء تمطر أسماكا في #إيران #سوشال_سكاي


.. مع تصاعد الهجمات في البحر الأحمر.. تعرف على أبرز موانيه




.. جنود الاحتلال يحتجزون جثمان شهيد من المنزل المستهدف في طولكر


.. غارة إسرائيلية استهدفت منزلا بمنطقة الصفطاوي شمال غزة




.. قائمة طويلة من لاعبين بلا أندية مع اقتراب فترة الانتقالات ال